ثقافة الاختلاف ودوافع تسقيط الآخر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: جميع الظواهر لها مسببات ونتائج، كما هو متعارف، وهي غالبا ما تتوزع على نقيضين رئيسين تتبعهما فروع متناقضة ايضا، وهذان النقيضان هما المقبول والمرفوض من لدن المجتمع الحاضن، ويرى المختصون أن المجتمعات (الراكدة) او الخاملة كما يطلق عليها البعض، تخلو من الظواهر بنوعيها الضارة والنافعة كونها غير متحركة، في وقت يؤكد آخرون أن المجتمعات ذات التفاعل والحراك المتواصل (أيا كان اتجاهه) ستفضي الى مجموعة من الظواهر ربما يتداخل في نسيجها الجيد والرديء في آن.

وبعد أن حلّت (الفوضى البنّاءة) على المجتمع العراقي بٌعيد (الاحتلال في 2003) ضيفة مفروضة قوّضت بناه التحتية والوسطية والفوقية وأحالته الى ركام (مادي معنوي) ذاهل وحائر في آن، بدأت تنمو بعض الظواهر الغريبة فيه على نحو لافت (الى جانب الظواهر الايجابية)، ومن بينها -وإن كانت موجودة الى حد ما- ظاهرة التسقيط بعد الاختلاف، والتعاضد بعد الاتفاق، بكلمة أوضح، إنني ملزم بتسقيط كل فرد او جهة ما في حالة الاختلاف معي في الرأي أو السلوك او الفكر او التوجهات والتطلعات وما شابه، والعكس يصح، ولعلها ظاهرة ذات نسغ قديم ولكنها أصبحت أكثر وأسرع نموا وتكاثرا بين (خلايا) المجتمع لدرجة أنها شكلت ظاهرة لا يمكن اخفاءها او التقليل من حجمها ومخاطرها!.

فلقد تفنن بعضهم بطرائق التسقيط، وتفنن آخرون بتداول هذا الفحوى، وحوله آخرون الى منهج عمل يمتطيه في الحالات التي يعتقد انها ملائمة للحفاظ على ذاته او مكتسباته فردا كان او جماعة، ناسيا او متناسيا أن الاختلاف في الرأي والفكر والتصريح وحتى العمل يؤدي الى تنوع في محتوى الساحة الحاضنة وهو بالتالي يعد عنصر تحريك وتفعيل وتطوير للمنتج الفكري او المادي، وهكذا سننتهي الى ان الاختلاف سيكون عاملا للتفعيل والتطوير، على العكس من حالات التوافق الشامل التي ستقود الى شمولية في الرؤية والمنهج والسلوك وبالتالي تنتهي الى حالة من الضمور والسكون والتلاشي.

وبسبب الجهل المتوارَث او المكتسَب، ينتهج بعضهم (افرادا او جماعات) إسلوب التسقيط بصور مختلفة، ضد الطرف الذي يختلف معه حتى لو كان صديقا او حليفا  له قبل الاختلاف!.

فيبدأ ببث الإشاعات الكاذبة من اجل تشويه الخصم في فكره او اهدافه او حتى شخصه (الفردي او العائلي) من اجل الوصول الى تسقيطه إجتماعيا بالدرجة الاولى.

وهذا ما يراه المتابع او يستشفه في اوساط متعددة سواء كانت اجتماعية او ادبية او فنية او سياسية او غيرها، فالسياسي على سبيل المثال حينما يختلف مع سياسي آخر لا يتورع  عن استخدام كل الاساليب والطرق من اجل الاطاحة (بالخصم المفترَض) تحقيقا لمآربه الخاصة حتى لو تم ذلك على حساب الامانة والصدق، ولا يدخل مثل هذا السلوك في حقل المنافسة المشروعة التي لولاها لما تقدم الانسان خطوة واحدة الى امام، فثمة فرق كبير وواضح بين المنافسة الشريفة وبين الصراع القائم على تسقيط الآخر بغض النظر عن الدوافع والاسباب ودرجة قربها وبعدها من الصحة او الواقع، فالهدف هو التسقيط بشتى السبل والوسائل.

ولعلنا لا نخطئ اذا قلنا ان هذا السلوك (الشاذ) الذي شكل ظاهرة أخذت تتنامى في اوساط عديدة، هو نتاج المرحلة العراقية الراهنة التي تضج بالحرك المتنوع غير المسبوق، ولا نبغي بذلك تبريرا لهذه الظاهرة إنما يجب أن نعي بأنها إفراز متوقع للهزة الشاملة التي تعرض لها الشعب العراقي، ونحن هنا لسنا بصدد تأشير هذه الظاهرة واثبات وجودها وتناميها بل نرى بأنناى معنيون بالعمل على مقارعتها والحد من انتشارها، ولعل المؤسف في الامر انها (الظاهرة) لم تستثن أحدا حتى المثقفين او الصفوة السياسية وما شابه، وهنا تكمن خطورتها.  

ولعله من الخطأ الفادح أن يظن الفرد او الجماعة أن الاختلاف (سيضر بهم) ومن الخطأ أيضا أن يتحرك هذا او هؤلاء لاستخدام (وسائل) التسقيط المتنوعة للاطاحة (بالعدو المفترض) لأن النتائج ستقود الى أحادية الرأي وشمولية الرؤية والمنهج في آن واحد.

 وبهذا ينبغي العمل على تفعيل حالات التضاد الايجابي وتقليل هامش التسقيط الى ادنى مستوياته سواء بين الافراد او الجماعات بمختلف تسمياتها واتجاهاتها ايضا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/تشرين الثاني/2009 - 13/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م