شبكة النبأ: كثيرا ما تختلف الرؤى حول
حقيقة ما يدور أثناء الحروب، فنجد الكثير من الأحاديث والقصص المتباينة
التي تجتمع على حقيقة واحدة، سيما إن كل راوي يرى بعين همومه ومصالحة،
وما يبغي من طرح وجهات نظره.
حيث يرى الجنود الألمان إن ما يحدث في أفغانستان اكبر من أن تستطيع
قوى عسكرية تغييره، في ظل فشل المجتمع الدولي وقوات الأطلسي تحديدا في
استخدام مفاتيح الحلول المناسبة لخلق واقع مستقر لتلك البلاد المتخلفة.
الشمال الأفغاني الخطر
يتعجب اللفتنانت الالماني ينز او من مدى العنف الذي وصل اليه هذا
الركن الخصب من شمال أفغانستان منذ ارساله للمرة الاولى الى المنطقة
عام 2006.
حينذاك كان من النادر رؤية مقاتلي طالبان. وكان أفراد فصيلته
يستطيعون التجول في شوارع قندوز المتربة والوادي الاخضر الذي يحيط بها
في سيارات جيب مدرعة تدريعا خفيفا دون أن يقلقوا كثيرا بشأن سلامتهم.
وقال قائد الفصيلة البالغ من العمر 27 عاما وطلب الجيش الالماني عدم
استخدام اسمه بالكامل "في تلك الايام كان مثار قلقنا الوحيد رعاة
الماشية الذين كانوا يتقاضون أموالا مقابل اطلاق القذائف الصاروخية في
اتجاهنا.
"الان نواجه عدوا يستخدم تكتيكات شبه عسكرية. ينسقون من خلال
اللاسلكي ويستخدمون معدات الرؤية الليلية وينصبون الكمائن ويتنقلون
بذكاء في مجموعات صغيرة. العدو أصبح أحسن حالا."
وكانت هذه المدينة الواقعة على حدود أفغانستان الشمالية مع
طاجيكستان والتي يقطنها نحو 100 ألف نسمة والجبال المحيطة بها هادئة في
الغالب في السنوات التي أعقبت إسقاط القوات المدعومة من الولايات
المتحدة حركة طالبان عام 2001. وكانت الهجمات بها نادرة حتى في الأوقات
التي كان يسود فيها العنف في أرجاء البلاد الأخرى.
لكن على مدار العام المنصرم شن المتشددون حملة عنيفة لاستعادة
معقلهم السابق لتتحول قندوز الى احدى الجبهات الرئيسية في الحرب التي
بدأت منذ ثماني سنوات وتواجه القوات الالمانية التي لم تشهد قتالا يذكر
في الشمال لسنوات تحديا عسيرا جديدا.
ومن الجنود الألمان البالغ عددهم 4250 فردا والمشاركين في مهمة حلف
شمال الأطلسي بأفغانستان يتمركز نحو الربع الان في معسكر مقام فوق نهر
قندوز على بعد بضعة كيلومترات من المدينة. بحسب رويترز.
يقع المعسكر بجوار مطار عسكري كانت تستخدمه القوات السوفيتية في
الثمانينات وبه طائرات هليكوبتر يعلوها الصدأ ترجع الى تلك الحقبة وقد
أقيم ليتسع لنحو 500 جندي.
والآن يعج المعسكر بأكثر من ضعف هذا العدد من الجنود حيث انتقل إليه
البعض من مواقع ألمانية أخرى في الشمال في مواجهة الوضع الامني المتردي
بأنحاء قندوز.
وأقيمت حوائط خرسانية يبلغ ارتفاع الواحد منها اربعة امتار لحماية
الالمان ونحو 100 جندي بلجيكي في المعسكر من تهديد الهجمات الصاروخية
المتزايد التي خلف احداها ثقبا غائرا في حائط مطعم يتناول فيه الجنود
الطعام.
وقتل 14 جنديا المانيا في المجمل بمنطقة قندوز في الأعوام الأخيرة.
وفي الشهر الماضي طلب ضابط الماني كبير القيام بغارة جوية تقول الحكومة
الافغانية انها أسفرت عن مقتل 69 من مقاتلي طالبان و30 مدنيا وهي أكبر
العمليات المميتة التي يشارك بها الجيش منذ الحرب العالمية الثانية.
غير أن ساسة في برلين بينهم وزير الدفاع فرانتس يوزيف يونج يشككون
في ان المانيا تخوض "حربا" في افغانستان.
ويجسدون وجود القوات على أنه مهمة "لتحقيق الاستقرار" ويؤكدون أن
محور التركيز هو على إعادة الإعمار المدنية.
ويهدف هذا الوصف الى طمأنة الجماهير التي لا تزال تشعر بدرجة كبيرة
من عدم الارتياح لفكرة خوض القوات الألمانية القتال بعد نحو 65 عاما من
الحرب العالمية الثانية. لكن الوضع في قندوز يروي حكاية مختلفة.
ويقول الكابتن توماس كيه. (31 عاما) الذي انتقد الساسة لعدم
مناقشتهم المهمة ومخاطرها بمزيد من الصراحة مع الجماهير الالمانية "كل
الجنود في سريتي متفقون على أن هذه حرب."
وأضاف "القتال دائما سيء ويجب أن يتجنبه المرء اذا أمكن. لكن هنا في
هذه الحالة لا يمكن تجنبه. بالتأكيد لا."
وخاضت وحدته وهي مجموعة من 120 مظليا من ذوي الخبرة تتمركز في ليباخ
بغرب المانيا اول معركة بالنيران في غضون أربعة ايام من بدء مهمتهم في
قندوز منتصف يوليو تموز.
ويقول كابتن كيه انهم منذ ذلك الحين تبادلوا اطلاق النيران مع
المتشددين في نحو 20 واقعة وكانت بعض هذه المعارك تستمر احيانا لساعات.
وفي فجر انتحاري يقود سيارة محملة بمئة وعشرين كيلوجراما من
المتفجرات نفسه بجوار مدرعة المانية من طراز (دينجو) مما أسفر عن اصابة
خمسة جنود ومترجم.
وقال كيه "الوضع الامني في قندوز تغير تغيرا كبيرا منذ وصلنا...
المتمردون غيروا تكتيكاتهم وزادت هجماتهم على جنودنا زيادة شديدة."
وكانت قندوز أول اقليم شمالي يسقط في أيدي طالبان حين سيطرت على
الحكم في افغانستان عام 1996.
كما كانت ايضا اخر مدينة كبيرة تسقط في أيدي قوات تحالف الشمال التي
دعمتها الولايات المتحدة بعد الغزو الامريكي الذي أعقب هجمات 11 سبتمبر
ايلول 2001.
ونما نشاط المتمردين بالمنطقة جزئيا لان قندوز تقع على طريق امدادات
بري جديد لحلف شمال الاطلسي يمتد من اوروبا الى افغانستان ويمر عبر
روسيا واسيا الوسطى.
وتقول القوات الالمانية ان المقاتلين الافغان يدعمهم الان متشددون
اوزبك وشيشان وعرب حصلوا على خبرتهم من العراق.
وكانت حركة طالبان قد وجدت مؤيدين بقرى البشتون النائية بالمنطقة
التي لا تسيطر عليها قوات حلف شمال الاطلسي والقوات المحلية سيطرة
تذكر.
ومنذ الربيع ازدادت القوات الالمانية شراسة في مواجهة مهاجميها. وفي
وقت سابق هذا العام خففت الحكومة الالمانية من شدة القيود التي كانت
تمنع الجنود من اطلاق النيران على مقاتلي العدو ما لم يتعرضوا لاطلاق
النيران أولا.
وعلى الرغم من ازدياد المجازفة بالتعرض لهجوم فان الالمان يتركون
معسكرهم للقيام بدوريات يومية ويتجولون بالمنطقة المحيطة بقندوز لفترات
تصل الى أسبوع املا في محاصرة المتمردين وطمأنة السكان المحليين.
وقال توماس كيه "نحن مستعدون للقتال... نرد باطلاق كل ما لدينا (من
أسلحة). اذا لم نخرج للتعامل معهم فاننا لن نستطيع تحقيق الاستقرار
لقندوز ابدا." |