إعفاء الشيخ سعد الشتري من هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة
للإفتاء "اكبر مرجعية دينية في السعودية" باسم الإقالة وليس الاستقالة،
بمرسوم ملكي لم يكن عاديا في العرف الملكي السعودي، بل هو إعفاء تاريخي
بمواصفات غير اعتيادية؛ ولاشك إن خلو المرسوم من ذكر "وتم إعفائه بحسب
طلبه" المعتادة في حالة الإعفاء والإقالة لأي مسؤول، تعبير عن مدى غضب
واستياء الملك، من الشيخ الشتري "الشخصية التي اختارها الملك وعينها في
هيئة كبار العلماء لتكون داعمة لجهوده" نتيجة أعترضه على وجود الاختلاط
في الجامعة، ومطالبته بضرورة مراجعة المقررات الدراسية المعتمدة في
الجامعة من قبل العلماء. وذلك في قناة فضائية (..) تهربت من تحمل أي
مسؤولية لحديث الشيخ بعد الغضب الرسمي.
قرار إعفاء وإقالة الشيخ الشتري من منصبه بهذه الطريقة وهذه السرعة
غير المعهودة، وعدم قبول التراجع أو الاستقالة منه، والإصرار على
المحاسبة بالإقالة، قرار جريء ورسالة واضحة وصريحة وحازمة جدا لكل شخص
في الدولة ومهما كان منصبه بان قرارات الملك - وحلم الملك عبدالله
بإنشاء جامعة علمية بمواصفات عالمية تجسدت على ارض الواقع عبر افتتاح
جامعة الملك عبدالله للعلوم "كاوست" والتي هي جزء من مشروع الملك
الإصلاحي - خط أحمر على الجميع احترامها ومباركتها.
إقالة الشيخ الشتري كانت لها أصداء قوية جدا في الخارج والداخل،
فالشارع السعودي استقبل القرار بترحيب وارتياح شديدين، مطالبا المزيد
من القرارات المشابه لوضع حد لتصرفات المشايخ المتشددين ولأفراد الشرطة
الدينية الذين سرقوا الوطن باسم الدين وشوهوا صورة وسمعة الوطن
والمواطنين بأساليبهم، وبإصرارهم على ممارسة دور الوصي على المجتمع،
وعرقلتهم لجهود الملك الإصلاحية والانفتاح والحوار الوطني، ورفضهم
للكثير من المشاريع، ومنع العديد من الفعاليات.
فيما شكل قرار الإقالة صدمة وضربة قوية للمؤسسة الدينية وللمشايخ
المتشددين واتباع هذا التيار المتشدد، الذين لم يستطيعوا البوح بآرائهم
ومواقفهم الغاضبة حول الموضوع كالعادة خوفا من الغضب الملكي. لاسيما
إنهم اعتادوا سابقا على انتقاد ما لم يعجبهم في الدولة، وفرض أرائهم
وأساليبهم لما يتمتعون به من حماية وحصانة وغرور ديني.
والأمر الذي يستحق الوقوف عنده في موضوع الإقالة، موقف بعض الكتاب
الداعمين والمؤيدين لجامعة "كاوست" وتعميم الفكرة على بقية الجامعات
السعودية الأخرى، والمطالبين بالحد من صلاحيات التيار الديني
والمتشددين والرافضين لحديث الشيخ الشتري والمرحبين في نفس الوقت بقرار
إقالته، بضرورة احترام الرأي والرأي الآخر وحق التعبير للجميع، فحرية
التعبير مكفولة للجميع ينبغي الدفاع عنها.
وإذا كان الهدف من الإقالة بهذه الطريقة إيصال رسائل معينة فالرسائل
قد وصلت وتفهم كل من يعمل في الدولة ما هو مطلوب منه، وقد جاء الدعم من
أهم الشخصيات الدينية في السعودية إمام الحرم المكي الشريف الشيخ
عبدالرحمن السديس، وفي أقدس بقعة إسلامية مكة المكرمة، خلال خطبة
الجمعة. وفي ذلك إرسال عدة رسائل مهمة منها: التأكيد على شرعية الجامعة
وتأييد علماء الوطن للملك وللجامعة، والرد على المتشددين المنتقدين،
ورسالة إلى المشايخ والمثقفين والعامة بضرورة دعم الجامعة ومباركة
الجهود، وتحذير لمن ينشر الشائعات المغرضة المسيئة للجامعة.
فالشيخ السديس تحدث عن أهمية افتتاح جامعة الملك عبدالله "كاوست"،
واصفا الجامعة بأنها قفزة تاريخية وجامعة رائدة سامية الأهداف نبيلة
الغايات شاملة في أقسامها وتخصصاتها. مطالبا جميع القادة والعلماء
وحملة الأقلام ورجال الصحافة والإعلام وشباب الأمة والغيورين أن
يباركوا بإجماع واتفاق هذه الجهود الخيرة .. في ما يحقق الحفاظ على
ثوابت الأمة وقيمها؛ محذرا من الخوض والانسياق خلف الشائعات المغرضة
والإثارة المتعمدة المحرضة التي يريد أعداء الأمة وخصوم المجتمع أن
تتقاذف سفينتها الآمنة أمواج الفتن المتلاحمة وتيارات الأهواء
المتلاطمة. وعقب خطبة إمام الحرم صرح أشهر المشايخ في السعودية للصحف
المحلية بالإشادة بالجامعة والمطالبة بإنشاء العشرات منها لخروج من
التخلف.
قرار الإقالة التاريخي والنادر والجريء له قراءات وتحليلات عديدة،
وهو بلا شك فرض لهيبة الحكومة، وتحطيم للعقليات المتحجرة المتشددة،
وتأكيد لمواصلة مشروع الإصلاح والتغيير والتطوير، وما ذلك إلا بداية
لمرحلة جديدة تحتاج إلى إرادة قوية والمزيد من القرارات الصارمة، ..
الشعب السعودي العاشق للإصلاح والتغيير يرحب بتلك القرارات لبناء وطن
متطور منفتح متسامح ينعم الجميع فيه بالعدالة والحقوق وحرية الرأي
والتعبير وحرية ممارسة التعبد. |