أمريكا في أفغانستان: إستراتيجية مضطربة في مقبرة الإمبراطوريات

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: كشفت مراجعة الرئيس الامريكي باراك أوباما لاستراتيجيته في الحرب في أفغانستان عن انقسامات يصعب انهاؤها بين كبار مساعديه بالنسبة لرئيس عادة ما يتحرك في اتجاه الحلول الوسط.

ويؤيد قادة عسكريون ووزير الدفاع روبرت جيتس استراتيجية لمكافحة التمرد تركّز على استمالة الافغان وليس فقط مجرد قتل المتشددين. لكن الجنرال ستانلي مكريستال أكبر قائد للقوات الامريكية وقوات حلف شمال الاطلسي في أفغانستان يرى ضرورة ارسال 40 ألف جندي آخر لأداء المهمة حيث ان الاوضاع الحالية لاتشير الى السيطرة على اراض شاسعة في البلد الذي يدعى في بعض الاحيان بأنه مقبرة الامبراطوريات...

جيتس: مستشارو الحرب يجب ان يتّسموا بالفطنة

دعا وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس للصبر والفطنة بينما يقرر الرئيس باراك اوباما كيفية ادارة الحرب في افغانستان ودعا المستشارين الى ان يتحدثوا "بصراحة ولكن في الاجتماعات الخاصة" بشأن الاستراتيجية.

ولم يختص جيتس احدا في حديثه في اجتماع للجيش في واشنطن ولكن تعليقاته تأتي بعد ملاحظات علنية من قبل ابرز قائد امريكي في افغانستان وايضا مستشار الامن القومي الامريكي.

وقال جيتس "اعتقد ان القرارات التي سيتخذها الرئيس للمرحلة التالية من حملة افغانستان ستكون من اهم القرارات في رئاسته."بحسب رويترز.

واضاف "ولذا من الاهمية ان نتأنى في القيام بكل ما في وسعنا من اجل تصحيح هذا. وفي هذه العملية من اللازم ان نقدم نحن جميع المشاركين في هذه المداولات - مدنيين وعسكريين على السواء - افضل مشورتنا للرئيس بصراحة ولكن في اجتماعات خاصة."

ويعقد اوباما مع كبار مستشاريه للسياسة الخارجية سلسلة من الاجتماعات لدراسة الخيارات بشأن الحرب التي مضى عليها ثماني سنوات في مواجهة ارتفاع عدد القتلى والجرحى ورفض الرأي العام. وادارته منقسمة بشأن ما اذا كان يتعين زيادة القوات الامريكية او اتخاذ مسار بديل.

واقترح جو بايدن نائب الرئيس الامريكي في اجتماعات خاصة تضييق المهمة في افغانستان والتركيز على مهاجمة اهداف القاعدة الموجودة بصفة رئيسية في باكستان.

وقال الجنرال ستانلي مكريستال قائد القوات الامريكية وقوات حلف شمال الاطلسي في افغانستان في الاسبوع الماضي امام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن مثل تلك الاستراتيجية ربما تكون "قصيرة النظر".

قائد أميركي: عناصر إيرانية تدعم التمرّد في أفغانستان

من جهة اخرى هاجم قائد أميركي بارز في أفغانستان «عناصر في الحكومة الإيرانية» قال إنها ما زالت تمد متمردي حركة طالبان بالأسلحة، وكشف أن نسبة كبيرة من تمويل التمرد في أفغانستان يأتي من منطقة الخليج. بحسب تقرير لـ(الحياة).

وقال الأدميرال غريغوري سميث، مدير الاتصالات في القوات الأميركية وقوات «آيساف» المنتشرة في أفغانســتان، إن جــنود المارينز الذين بدأوا هذا الصيف الانتشار في ولاية هلمند الجنوب لمساندة القوات البريطانية هناك استطاعوا «تطهير» مناطق واسعة على جانبي وادي نهر هلمند من مقاتلي طالبان، لكنه أقر بأن المعركة ما زالت في بدايتها وأن الحركة ما زالت تسيطر على أنحاء واسعة من الولاية التي تُعد مع ولاية قندهار المجاورة عصب التمرد الطالباني.

وشرح الأدميرال سميث في مقابلة مع الحياة في لندن المرحلة الحالية التي وصلت إليها العمليات القتالية في هلمند، فقال إن البريطانيين كانوا يواجهون تحدياً كبيراً في هلمند وحققوا نجاحاً كبيراً في الصيف، ولعبت مشاركة قوات المارينـز التــي وصـلت قبل شهور، دوراً مهماً أيضاً (في مساعدة البريطانيين). إننا نعتبر وادي نهر هلمند بالغ الأهمية، فهو بمثابة سلة الخبز الذي تعيش منه طالبان. استطاعت هذه الحركة أن تجني مكاسب كبيرة نتيجة التجارة غير المشروعة بالمخدرات بعدما تحولت معظم أراضي زراعة الحنطة في هلمند إلى زراعة الأفيون، وهو أمر يتم خارج سيطرة الحكومة. ما نحاول أن نقدّمه للمزارع الأفغاني الآن (من خلال الانتشار في القرى النائية والبقاء فيها) هو حق الاختيار كي لا يكون مضطراً إلى زراعة الخشخاش (الأفيون). ستكون المنطقة خاضعة لسيطرة حكم القانون وستكون هناك قوات للشرطة الأفغانية ولن تتمكن طالبان من أن تضغط على المزارع لكي يزرع خشخاشاً بدل الحنطة. المشكلة أن طالبان في السنوات الماضية كانت قوية جداً في تلك المنطقة فتحوّلت الزراعة من زراعة شرعية بالقمح إلى زراعة غير شرعية بالأفيون».

وتابع:الذي حصل في الصيف هو أننا بدأنا نكسر ذلك الرابط، وسنرى هل سيختار المزارعون زرع الخشخاش أو القمح، وهل سنستطيع إبقاء طالبان بعيدة عن المزارعين والمواطنين وحمايتهم.

ويُقر القائد الأميركي بأن معركة هلمند المستمرة منذ الصيف لم تنته بعد خصوصاً أن طالبان ما زالت تسيطر على جزء كبير من الولاية.

ويوضح أن العمليات العسكرية لحلف شمال الأطلسي أثّرت تأثيراً كبيراً في السكان من خلال طرد طالبان من مناطقهم في الأطراف الجنوبية من وادي نهر هلمند، خصوصاً إلى الجنوب من مديرية سانغين. لكنه أقر بأنه ما زالت هناك قطاعات مأهولة بالسكان لا بد من الذهاب إليها (لطرد طالبان منها). فإلى الشمال من سانغين وحتى (مديرية) كاجاكي المنطقة كلها في يد طالبان تقريباً، وهي منطقة بالغة الخطورة. كذلك لا بد من تشديد إحكام السيطرة على الحزام الممتد من لشكرکاه (عاصمة الولاية) إلى قندهار (شرق هلمند)، فلا يزال هناك الكثير من عمليات تفجير العبوات الناسفة تحصل على الطــرقات هناك. وكما نعرف، قـندهار نــفسها لا تقل تحــدياً عن التــحدي الذي نواجهه في هــلمند.

الجدل حول الحرب في أفغانستان يعرض الجنود للخطر

وفي امريكا انتقدَ محاربون أمريكيون قدامى المراجعة التي طال أمدها التي يجريها الرئيس باراك أوباما بشأن استراتيجية الحرب في أفغانستان وقالوا ان النقاش الذي يسير ببطء في واشنطن يشكل تهديدا مباشرا للقوات وللقدرة الدفاعية للبلاد.

وأصدر رئيس جماعة قدامى المحاربين في الحروب الامريكية في الخارج وهي جماعة تمثل 1.5 مليون جندي سابق بيانا صيغ باحكام يحث أوباما على اتباع نصيحة قادته العسكريين الذين يطالبون بمزيد من القوات لخوض الحرب الدائرة في أفغانستان منذ ثمانية أعوام.

وقال توماس جي. تريدويل وهو من المحاربين الذين شاركوا في حرب فيتنام ورئيس جماعة قدامى المحاربين "المتطرفون يستشعرون ضعفا وعدم قدرة على اتخاذ القرار داخل الحكومة الامريكية وهو أمر يفيدهم."بحسب رويترز.

ومضى يقول "هذا أمر ثابت من خلال الهجمات المتزايدة في أفغانستان وفي باكستان أيضا." وأضاف "أخشى أن العدو الذي ازداد جرأة سيكثف الان جهوده لقتل المزيد من الجنود الامريكيين."

وألقى أوباما كلمة أمام الجماعة في أغسطس اب الماضي عندما وصف الحرب في أفغانستان بأنها "حرب ضرورة" وقال ان الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بتحقيق الاستقرار هناك.

وتحدث أوباما بشكل مقتضب في اجتماع لجمع التبرعات نظمته اللجنة القومية الديمقراطية في سان فرانسيسكو عن صعوبات الحرب في أفغانستان التي اكتشفها عند مراجعة استراتيجية الحرب. وقال "العراق كان صعبا وأفغانستان أصعب."

خلافات تكشف عن انقسامات داخل ادارة أوباما

وكشفت مراجعة أوباما لاستراتيجيته في الحرب في أفغانستان عن انقسامات يصعب انهاؤها بين كبار مساعديه حيث ويؤيد قادة عسكريون ووزير الدفاع روبرت جيتس استراتيجية لمكافحة التمرد تركز على استمالة الافغان وليس فقط مجرد قتل المتشددين. في حين يرى الجنرال ستانلي مكريستال أكبر قائد للقوات الامريكية وقوات حلف شمال الاطلسي في أفغانستان ضرورة ارسال 40 ألف جندي اخر لاداء المهمة.

ومن ناحية أخرى هناك مستشارو البيت الابيض وعلى رأسهم نائب الرئيس جو بايدن الذي يؤيد تقليص المهمة بحيث تقتصر على القضاء على القاعدة والتركيز بشدة على باكستان وهو خيار سيتطلب اجراء تغييرات بسيطة أو عدم اجراء أي تغييرات في مستويات القوات.

ويعتقد أن أوباما يميل لحل وسط لكن بعض الخبراء يحذرون من أن مجرد توزيع الخلافات على الجانبين ربما يكون الحل الاسوأ على الاطلاق.

قال مايكل أوهانلون الخبير العسكري في معهد بروكينجز "الامر الذي يهمنا الان هو طبيعة القرار. لابد أن تكون الاستراتيجية متماسكة ومنطقية."

وأثارت تلك الانقسامات استياء بعض حلفاء الولايات المتحدة في كابول واسلام اباد وربما تسبب صدعا بين أوباما والجيش الذي فوجيء بهذه المراجعة الشاملة التي يقوم بها البيت الابيض.

وانتقد الجمهوريون المشاورات التي يجريها أوباما لانها مطولة للغاية ويقولون ان هذا التأخير ربما يسبب زيادة جرأة طالبان.

والسمة الاساسية لاوباما في قضايا مختلفة من الامن القومي الى الاقتصاد هي التشاور لكن البيت الابيض يشعر بالاحباط نتيجة تسريب معلومات للاعلام مما أدى الى اخراج الجدل الداخلي بشأن أفغانستان الى الرأي العام.

وفي وقت سابق هذا العام كانت المناقشات داخل الادارة بشأن كيفية انقاذ الاقتصاد تستمر ساعات في بعض الاحيان لكن أوباما كان يعتمد على كبار مساعديه للتوصل الى حل وسط.

لكن هذه المرة يشارك أوباما بنفسه بدرجة أكبر في واحدة من أكبر قضايا السياسة الخارجية في رئاسته ويقول انه يطرح أسئلة صعبة. ويعقد يوم الاربعاء اجتماع ضمن سلسلة من الاجتماعات لمراجعة الاستراتيجية في أفغانستان.

أفغاني يخاطر بكل شيء لمساعدة الامريكيين ضد طالبان

وعلى خط جبهة مكافحة التمرد، الذي تقوده واشنطن في أفغانستان، يقف ضابط المخابرات حاجي مير حمزاي، أمام خريطة ويبلغ شابا من قوات مشاة البحرية المكان التالي الذي يرجح أن تشن فيه حركة طالبان هجوما.

ويشير حمزاي وهو أفغاني يعمل لدى الادارة الوطنية للامن الى جدار ويبلغ الكابتن تريفور هانت عبر مترجم قائلا "أعلم هذا المكان وهذا المكان.. سمعت أنهم يريدون وضع قنابل."

ويريد هانت معرفة ما اذا كان أي من مقاتلي طالبان في منطقة جارمسير يمكن تحويلهم الى حلفاء.

وقال حمزاي الذي قُتل أشقاؤه الثلاثة في تفجيرين انتحاريين منفصلين شنتهما حركة طالبان "كل أفراد طالبان واحد." بحسب رويترز.

وأضاف حمزاي الذي يستخدم شبكة من العملاء السريين لجمع المعلومات "هناك نوع اخر يطلق عليه طالبان أيضا. انهم بسطاء. ليسوا سياسيين بل مجرد سكان محليين. لكن الافراد الذين يحاربون.. الطريقة الوحيدة هي قتلهم."

وفي القرى يندد بعض رجال الدين بالمسلحين وتنظيم القاعدة في حين يعلن اخرون تأييدهم لهم لكنهم لا يريدون القتال. ويعتقد حمزاي أن النوع الثاني هو النوع الوحيد الذي يمكن اقناعه بالتعاون مع الامريكيين.

وهناك نحو 10 الاف من مشاة البحرية الامريكية في اقليم هلمند أغلبهم وصلوا في مايو ايار هذا العام لاستعادة مناطق مثل جارمسير من المسلحين.

وفي تقييم الجنرال ستانلي مكريستال قائد القوات الامريكية وقوات حلف شمال الاطلسي في أفغانستان قال ان هناك حاجة للتركيز أكثر على التفرقة بين طالبان والمواطن الافغاني العادي واقناع المسلحين الذين لا يحاربون من منطلق ايديولوجي أن يلقوا أسلحتهم.

وفي كامب دلهي تولت قوات مشاة البحرية الامريكية السيطرة من القوات البريطانية التي ظلت في حالة مواجهة مع طالبان لسنوات وبقوة أصغر كثيرا. وقال حمزاي "البريطانيون كانوا هنا.. تنصب لهم كمائن طول الوقت. عندما جاءت قوات مشاة البحرية بدأت القتال وتغلبت عليهم."

وأضاف أن سيطرة طالبان على جارمسير انخفضت من 60 في المئة الى 30 في المئة منذ وصول قوات مشاة البحرية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/تشرين الثاني/2009 - 7/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م