مجلس النواب يقود انقلابا سياسيا

نزار حيدر

ان ترحيل مجلس النواب العراقي يوم الاربعاء، قانون الانتخابات الى المجلس السياسي، بمثابة الانقلاب السياسي، يقوده مجلس النواب ضد العملية السياسية وضد ارادة ورغبة العراقيين.

وللاسف الشديد، فان (نواب الشعب) لم يثبتوا انحيازهم الى جانب رغبة الناخب العراقي الذي تفضل عليهم ومنحه ثقته واجلسهم، عبر صندوق الاقتراع، تحت قبة البرلمان، فعندما يفشل مجلس النواب في تشريع قانون الانتخابات الذي يود الناخب العراقي ان يرى النور في اسرع وقت ليطلع على بقية تفاصيل العملية الانتخابية، وعندما يرحل النواب القانون من منصة السلطة التشريعية ليحط برحاله على منضدة الاحزاب، فيما كان يجب ان يفعل العكس، فان ذلك يعني ان نواب الشعب لم يتعاملوا بمسؤولية، ولم ياخذوا بنظر الاعتبار رغبة العراقيين، وان كل ذلك امر خطير ما كان ينبغي على النواب ان ياخذوا به، اذ ليس من المصلحة ان يتخذوا مثل هذه الخطوة التي يمكن ان نصفها بالخطوة غير الدقيقة، فضلا عن انها غير موفقة وربما غير دستورية ابدا.

ان مماطلة مجلس النواب في تشريع قانون الانتخابات هو بمثابة الانقلاب السياسي على العملية السياسية برمتها، قد ينتهي، اذا ما استمر النواب في المماطلة، الى تدمير كل المنجزات التي حققها العراقيون لحد الان، وبالثمن الغالي جدا الذي يعرفه النواب قبل غيرهم.

لقد اثر قرار الترحيل الذي اتخذه البرلمان اليوم، على نظرة العالم الذي كان يحاول ان يغير رأيه، من خلال مراجعة الحسابات، بمجريات الامور في العراق الجديد، خاصة على مستوى الاستثمار، لاننا نعرف جميعا، ان ملف العملية السياسية هو عصب كل الملفات الاخرى، والتي منها الملف الامني والاقتصادي (الاستثماري) والتنموي والاجتماعي وغير ذلك، فلا يكفي ان يشهد العراق تحسنا امنيا ملحوظا، بل يجب ان يستمر الملفان الامني والسياسي في التقدم الى الامام، ليصحبا معهما الملف الاقتصادي، وبالتالي لتتكامل الملفات بشكل منسجم، ولذلك راينا كيف ان التلكؤ في تشريع قانون الانتخابات ترك بضلاله السلبية على سير اعمال مؤتمر (الاعمال والاستثمار) الذي انهى اعماله اليوم في العاصمة الاميركية واشنطن، بل ان ذلك ترك بضلاله السلبية على مجمل زيارة الوفد العراقي الى هنا، والذي راسه السيد رئيس الوزراء.

ان كل الذي اتمناه هو ان يتصرف مجلس النواب بكامل المسؤولية والتي تحملها بترديد اعضائه للقسم الدستوري، وكلي امل في ان لا تقف وراء قراره الاخير اية اجندات غير وطنية تسعى لتدمير العملية السياسية من خلال الضغط باتجاه تاخير تشريع القانون، وتاليا محاصرة العراقيين بسيف الزمن، لاجبارهم اما على القبول بالقانون القديم، وهذا محال، او اجبارهم على القبول بتاجيل او ربما الغاء الانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها في السادس عشر من شهر كانون الثاني من العام القادم 2010، وهو امر خطير بكل المقاييس.

فضلا عن ذلك، فان فشل مجلس النواب في تشريع القانون بتعديلاته المقترحة، سيعطي المجتمع الدولي رسالة خاطئة جدا مفادها ان الوضع السياسي في العراق ليس مستقرا، ما قد يشجع على العودة الى العنف والارهاب من جديد، الامر الذي يدفع برؤوس الاموال العالمية ورجال الاعمال الى التراجع عن اي التزام (مالي) و(استثماري) في العراق.

مؤشرات التأخير في تشريع قانون الانتخابات

 لقد اثبت (نواب الشعب) انهم يسعون بكل ما اوتوا من حيلة ومكر سياسي، لتفصيل القانون حسب مقاساتهم، من اجل ان يضمنوا التجديد لانفسهم تحت قبة البرلمان، فهم لا يجتهدون من اجل تفصيل القانون حسب مقاسات رغبة العراقيين في التصحيح والتجديد، والمصالح العليا للبلاد، وانما حسب مصالحهم وكل ما من شانه ان يضمن لهم دورة برلمانية جديدة.

لقد فهم العراقيون مغزى كل هذه المماطلة، وانهم يتربصون بالنواب الدوائر، وهم سيعاقبون كل من سيظل متشبثا بمصالحه الخاصة على حساب مصالح العراق وشعبه الابي، فعندما لا يعتمد مجلس النواب اتجاهات الراي العام العراقي وتوجهاته بشان قانون الانتخابات، وعندما يسبح النواب بعكس تيار الشارع، ويغردون خارج السرب، فان العراقيين سيعرفون كيف يعاقبون المقصر، عبر صندوق الاقتراع الذي اعتمده الشعب العراقي كفيصل وحيد لاختيار نوابه ووكلاءه.

ان امام مجلس النواب اياما معدودات ليثبت وطنيته وانحيازه الى المصلحة العامة، والى الناخب، من خلال الاسراع في تشريع القانون بما يحقق طموحات العراقيين التي اعلنوا عنها على لسان منظمات المجتمع المدني والاعلام وقبل كل ذلك، على لسان المرجعية الدينية التي اكدت، بموقفها السليم من قانون الانتخابات، انها تنظر الى كل تفاصيل اللوحة، ولا تحصر اهتمامها بزاوية دون اخرى، وانها تبذل قصارى جهدها لتكون لسان حال الناخب العراقي بشكل حقيقي وواقعي، من خلال كل هذا الحرص للحيلولة دون احتكار السلطة من قبل اي كان.

ان السبب الجوهري وراء كل هذا التأخير، هو مبدأ المحاصصة سئ الصيت، الذي لم يدع اي تشريع يمر من دون مقايضات وعمليات بيع وشراء ممجوجة بين الفرقاء و(الشركاء) في العملية السياسية، ولذلك، فان العراقيين يسعون لرؤية قانون جديد للانتخابات ليضع حدا لهذا المبدا، لاصلاح وتصحيح الخطا الذي ارتكبه (السياسيون) مع بدء انطلاقة العملية السياسية الجديدة، واقصد به مبدا المحاصصة، اثر سقوط الصنم في بغداد في التاسع من نيسان عام 2003.

التغييرات الاستراتيجية

ان قانون الانتخابات الجديد يجب ان يصدر وهو يشتمل على التغييرات الاستراتيجية الهامة التالية:

اولا: اعتماد القائمة المفتوحة.

ثانيا: اعتماد العراق عدة دوائر انتخابية، لا يقل عددها عن عدد محافظات القطر (18).

ثالثا: ان يمنح القانون الناخب العراقي الحق في التاشير على العدد المطلوب من المرشحين في دائرته الانتخابية، من دون تحديد هذا الحق بواحد او ثلاثة او خمسة، كما يسعى بعض اعضاء مجلس النواب الى ذلك.

رابعا: ان لا تزيد نسبة المقاعد التعويضية على (5%).

خامسا: لا يحق نقل وانتقال اصوات الناخبين من والى اي من المرشحين، اذ يجب ان يجري احتساب عدد الاصوات لكل مرشح كما هو في صندوق الاقتراع حصريا.

سادسا: ان ينص القانون على حق العراقيين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات.

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/تشرين الثاني/2009 - 4/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م