سفراء الاحزاب والعشائر في السفارات العراقية

محمد الوادي

صادق مجلس الرئاسة العراقي قبل يومين على تعين عدد من السفراء في السفارات العراقية في الخارج، ومثل هذه المصادقة والتوافق النادر في البرلمان وفي مجالس رئاسات الجمهورية والبرلمان والوزراء لم يكن ليتم بهذه السهولة وهذه السرعة اذا لم يستوف الشروط " التخريبية " التي تستوطن العملية السياسية العراقية في عراق اليوم. فبدون لف او دوران مجلس الرئاسة يشكل رمز كبير للتقسيم الطائفي والعرقي السياسي في العراق وبتجاهل وغض نظر  كبيرين عن نتائج صناديق الانتخابات واختيارات الناخب العراقي.

وبدون شك ان هذه التقسيمات  تمت على شكل مثلث " الشيعة والسنة والاكراد " وليس هنا جوهر المشكلة لان هذه الطوائف والقوميات هي أساس التكوين العراقي، لكن جوهر المشكلة ان داخل كل طائفة او قومية لم يتم الاختيار الانسب والاكثر كفاءة او اكثر خبرة بل تمت الامور داخل كل دائرة من هذه الدوائر حسب التوجهات الحزبية والعشائرية بل وحتى العائلية !! وهنا تكمن جوهر المشكلة الحقيقية اذا ان هذه الاختيارات والتعينات هي الابعد على الاطلاق عن روح " الوطنية والشفافية والنزاهة " التي تحولت الى مفردات لنكات مسخة وتندر واستهزاء في الشارع العراقي.

ولان اعضاء برلمان الخيبة العراقية هم الابعد عن الناس واحوال الشعب فهم لايعرفون هذه الحقائق او ان بعضهم يعرفها لكنه نزع عن نفسه اخر سمات الحياء. لذلك صوت دون تردد او تدقيق على 60 اسم جديد كسفراء جدد في الخارج العراقي. ولو عرف العراقيون الاكارم بعض تفاصيل حياة هولاء السفراء الجدد وبعض مستوياتهم العلمية وحتى تركيبتهم الشخصية، لوصلت درجة الجزع عندهم الى حدود غير مسبوقة. وهولاء الستون هم اضافة خائبة لمجموعة كبيرة لاتقل خيبة  سبقتهم في التعينات منذ نيسان 2003 وحتى يومنا هذا وبعناوين رسمية ودبلوماسية مختلفة.  

قبل اكثر من عامين خبرت السيد هوشيار زيباري وبشكل مباشر عن طريقة التعيانات  الدبلوماسية التي تفتقر الى المهنية والى الانصاف المطلوب بحق هذا البلد الكبير الذي اسمه العراق والذي اصبح يمثله كل من هب ودب امام الدول والامم الاخرى وفي احيان كثيرة بشكل يدعوا الى الشعور بالخجل و بالصدمة الكبيرة. الرجل ابدى بعض التفهم وقال من خلال بعض المفرادت والتعبيرات مالم يريد ان يتفوه به بشكل مباشر، وبكل الاحوال كوزير للخارجية لايتحمل وحده هذا الاخفاق الكبير بل ان البرلمان وكل الاجهزة الرسمية العراقية هي شريك اساس بهذا الخراب.

لقد تحولت السفارات العراقية في كل دول العالم الى مجالس للعشائر او مقرات حزبية او " تكية دراويش " او حتى " جوامع ومساجد " تمارس فيها كل الطقوس والعادات والمناسبات الدينية وحتى الطائفية والقومية !! ولايفوتني ان اذكر ان بعض السفارات مازالت حتى يومنا هذا تحتفل كل عام بذكرى ميلاد بطل " الحفرة القومجي " الصنم الساقط. والرابط الاساس الذي يجمع هذه التوجهات رغم اختلافها مع بعضها هو الابتعاد عن روح الوطنية العراقية الصحيحة وايضا الابتعاد عن المهنية والسمات الدبلوماسية الرفيعة التي تسعى لها كل دول العالم المتقدمة في سفاراتها الخارجية.

 لقد تحولت السفارات العراقية من اوكار للقتل والترويع قبل نيسان 2003 الى اوكار حزبية وعشائرية مخجلة وبؤر عائلية مقيته بعد نيسان 2003. وكان الغائب الاكبر هي الاكثرية العراقية من اصحاب الكفاءات الذين لاينضمون الى الاحزاب المختلفة في عراق اليوم او من الذين يؤمنون بقوة ومكانة  وقيمة الدولة امام حسابات العشيرة الضيقة الافق والعائلة الصغيرة.

العتب مرفوع عن برلمان الخيبة وعن الكثير والاغلب من الواجهات السياسية العراقية الحالية. لكن العتب الحقيقي على الشعب العراق الكريم اولا  لسكوته على هذه " الطامات الكبرى " التي يتم تمرريها كل يوم عليه. وايضا العتب الاكبر اذا اعاد انتخاب هذه النماذج التي صوتت وصادقت وأيدت ودعمت مثل هكذا ترشيحات فاشلة مسبقا وهي تغتصب حق تمثيل العراقيين الاكارم، ان من لايستطيع ان يخرج من حزبيته وعشائريته وعائلته امام اسم العراق هو في حقيقة الامر فاشل مراوغ كذاب ومختلس حد الاغتصاب ومثل هكذا نموذج لايرى ابعد من مدى " أنفه "  والعراقي أبن عشرة الف عام من الحضارة الانسانية الرائدة و الاولى فكيف يقبل ان يبقى من يمثله ممن لايرى اكثر من الحزب والعشيرة والعائلة. فلقد حان وقت الصفعة لهولاء في الانتخابات القادمة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/تشرين الثاني/2009 - 2/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م