طالب بن أبي طالب ومؤشِرات إسلامه

محمد طاهر محمد

 

شبكة النبأ: أجمعَ المؤرخون أن أبا طالب بن عبد المطلب اعقبَ من الاولاد اربعة هُم: طالب وعقيل وجعفر وعلي وفي ذلك يقول الشاعر:

أقام عماد العلا سامكاً        بأربعة كالسنا الثاقب

بمثل (علي) الى (جعفر)    ومثل (عقيل) الى (طالب)

أولئك لا زمعات الرجا       ل على راجل ثم أو راكب

وقد أشار اكثر المؤرخين الى ان بين كل واحد من الاخوة وبين أخيه عشر سنين وأزاء ذلك لم يخفِ الجاحظ تعجّبه فيقول: (ان أربعة اخوة كان بين كل واحد منهم وبين اخيه في الميلاد عشر سنين سواء وهذا عجب) وخالف الشنتريني هذا الرأي في (الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ج1 ص 225) فقال: (انه قيلاً ولد مع اخيه علي (ع) توأماً وأورد في سياق حديثه عن عقيل قوله: "زوحمت حتى في الرحم"، وجميع ابناء ابي طالب لأم واحدة هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي أول هاشمية تزوجت هاشمياً وولدت له.

وقد اختص آل أبي طالب بمناقب ومآثر عظيمة وخصال نادرة، لم تتوفر عند سائر قريش والعرب فكانوا مجمع الفضائل والاخلاق الكريمة والشجاعة ولا سيما سيدهم امير المؤمنين علي أبن ابي طالب (ع)، وقد تناولت المصادر أخباره وأخبار اخويه عقيل النسابة والعالم بأيام العرب واخبارها، وجعفر قائد مؤتة وشهيدها، أما طالب وهو الاخ الاكبر للأخوة الثلاثة فقد تحاشَ اكثر المؤرخين والمعنيين بالسيَر الخوض في سيرته بخلاف بقية أخوته!.

والمتتبع للتاريخ لا يستغرب ان يتجاهل المؤرخون شخصية طالب، فأغلب المؤرخين كانوا منهمكين في تلك الفترة بالفضائل المُفتعلة لبني أمية والمدفوع ثمنها سلفاً، حينما كان منادي معاوية ينادي في الاسواق: ألا برئت الذمة ممن يروي شيئاً في آل أبي طالب فقامت الاهواء وسخرت الضمائر وراجت تجارة سمرة بن جندب وأبي هريرة وأشباههما من الوضاعين المأجورين..

أننا لو استقرأنا تاريخ تلك الفترة لا نستغرب ان يتغاضى المؤرخين عن الكثير من الشخصيات المهمة في تاريخنا الاسلامي لأن ذكرها كان يتعارض مع منهج السلطة الاموية وقد حفر المؤرخون المتأخرون ضد المؤرخين المتقدمين في تناقل ما رووه في ارضاء السلطة من التوافه والسفاسف، حتى عُدّ ما رووه من المسلّمات عندهم.

 ورغم ان التاريخ لم يولِ اهتماماً كبيراً لشخصية مثل شخصية طالب إلا ان الروايات النادرة في أخباره كوميض النور الذي يدلنا على السراج، فلو عدنا الى العام الممحل _ كما سماه العرب _ وهو العام الذي ضربت فيه المجاعة قريشاً وكان أبو طالب كثير العيال فاستشعر رسول الله (ص) ضائقة عمّه لم ير منتدحاً عن اسداء يد العون نحوه فينبري مشيراً على عمّه العباس _ وكان موسراً _ بأن يخفّف عنه ثقل عياله، فيستجيب ابو طالب ويقول: (اتركا لي عقيلاً واصنعا ما شئتما)، وهذا ما اتفقت عليه اغلب المصادر، لكن ابن هشام في السيرة النبوية ج 1 ص 263 يضيف طالباً الى عقيل في جواب ابي طالب.

وهذه الرواية تدلنا على انه - طالب - كان ذا أثر عند ابيه حظوة، وذكر ابن ابي الحديد في شرح النهج ج 14 ص 65 ان طالباً كان احد المحصورين في شِعب أبي طالب مع بني هاشم، وهذا يعدّ اكبر دليل على ايمانه، ويذكر ابن شهراشوب في مناقب آل ابي طالب ج 1 ص 56 وما بعدها، ان أبا طالب أوصى ابنه طالب ان يؤازر النبي وينصره ويستمر في نصرته ولو كلفه ذلك حياته وكان مما أوصى به:

أبني طالب ان شيخك ناصح       فيما يقول مسدد لك راتق

فأضرب بسيفك من اراد مساسه     أبداً وانك للمنية ذائق

هذا رجائي فيك بعد منيّتي          وأنا عليك بكل رشد واثق

فاعضد قواه يا بني وكن له         أني بجدّك لا محالة لا حق

أترى اراه واللواء أمامة            وعلي ابني للواء معانق

وهناك أمران يمكن ايضاً فهمهما من خلال هذه الوصية والاخذ بهما بنظر الاعتبار الاول هو أهلية الموصى اليه لأمضاء بنود تلك الوصية وإلا لكان مثله كمثل من يضع الشيء في غير موضعه، وذلك ما لا يجوز على ابي طالب سيد قريش وحكيمها، والثاني ان أبا طالب كان على يقين من ايمان ابنه طالب، وإلا لما كان يطلب اليه نصرة من يخالفه في العقيدة وكان طالب اهلاً لذلك فكان موضع ثقة ابيه في نصرة النبي (ص) وكان مقِراً برسالته معترفاً بنبوته متيقناً بما جاء به من الحق وقد جسد صدق أحاسيسه وعميق ايمانه بهذه الابيات:

اذا قيل من خير هذا الورى         قبيلاً وأكرمهم اسره

أناق لعبد منا ف أب                 وفضله هاشم الزهرة

لقد حل مجد بني هاشم               مكان النعائم والنشرة

وخير بني هاشم احمد                رسول الاله على فترة

وتنقطع اخبار طالب عند المؤرخين بعد غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، ومن المعروف ان قريشاً الجأت عدداً من بني هاشم على الخروج معها الى المواجهة في بدر مُكرهين وأن رسول الله (ص) قال لأصحابه يومئذ (اني قد عرفت ان رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم احد من بني هاشم فلا يقتله)، وكان من ضمنهم طالب بن أبي طالب، فقد اخرجتهُ قريش كرهاً غير باغٍ ولا عاد وقد عالن طالب قريشاً موقفه من هذه الحرب، كما انه لم يتحفظ في اظهار ميله نحو معسكر النبي (ص) وقد خرجت بينه وبين قريش محاورة ومجاوبة، وقد اشارَ اكثر المؤرخين الى ذلك ( وكان بين طالب بن ابي طالب وبين بعض قريش محاورة) كما في الاغاني للأصفهاني والسيرة النبوية لأبن هاشم وتاريخَي ابن الاثير والطبري وغيرها من المصادر..

ولم يكن هذا الموقف المبدئي لبني هاشم عامة وطالبْ خاصة من هذه المعركة بخافٍ عن قريش عندما خاطبوا بني هاشم بقولهم (والله لقد عرفنا يا بني هاشم وان خرجتم معنا ان هواكم لمعَ محمد)، وهذا يعني ان طالب ومن معه من بني هاشم الذين أُخرجوا كرهاً كانوا مقرّين بالنبوة متيقنين بأن النبي (ص) على بيّنة من ربه..

فماذا كان موقف طالب من هذه الحرب؟.. كان موقفه هو تثبيط عزيمة المشركين وانذارهم بالهزيمة المتوقَّعة وارهاصات بالفشل الذريع الذي سيلاقونه فقد شخصَ ببصره الى الله لائذاً ملتجاً عائذاً وهو يقول:

يا رب أما خرجوا بطالب      في مقنب من هذه المقانب

فأجعلهم المغلوب غير الغالب     والرجل المسلوب غير السالب

فتطيّرَ المشركون من أبيات طالب وتوجّسوا الشر، وأستشعروا الاحباط والهزيمة فقالوا (ان هذا ليغلبنا فردّوه)، وقد أوردَ هذين البيتين اغلب المؤرخين بأختلاف يسير في الالفاظ لا يغير المعنى المقصود..

الى هنا يقف المؤرخون في اخبار طالب، فمنهم من يقول رجع الى مكة ومنهم من يقول فُقِد ولم يُعرف له خبر، ومنهم من يقول غرق. وكما اضطربت الروايات في مصيره فقد اضطربت في اسلامه رغم ان هناك الكثير من الادلة على اسلامه، في وقت لا يوجد دليل واحد على عدم اسلامه.

 وأضافة الى ما ذكرناه من هذه الادلة على اسلامه مدة معالنته قريش ومدحه لرسول الله واعترافاً لنبوته وهجرته الى الشِعب ووصية ابيه له، ليضيف اليه دليلَين قاطعَين هما، الاول هو ضمانة ابي طالب بعدم خذلانه وأولاده للنبي (ص) في ابيات منها:

والله لا أخذل النبي ولا           يخذله من بني ذو حسب

اما الدليل الثاني فهو يقطع كل الشكوك في عدم اسلامه لأنه جاء من لسان احد المعصومين (ع) فقد روى الكليني في الروضة من الكافي ج 8 ص 375 عن ابي عبد الله الصادق (ع) انه قال (ان طالباً قد أسلم) ولم يشِر احد من المؤرخين الى وفاته زماناً ومكاناً كما لم يذكر احد منهم عن وجود عقب له.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/تشرين الثاني/2009 - 2/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م