السودان وشبح التقسيم في حال انهيار اتفاق السلام بين الشمال والجنوب

 

شبكة النبأ: خاضت دولة السودان حربًا أهلية طاحنة بين الشمال والجنوب بسب النزاع على الموارد والسلطة ودور الدين في الدولة وتقرير المصير، ولقد استمرت لمدة عقدين من الزمان أسفرت عن مقتل أكثر من مليوني شخص، ونزوح أربعة ملايين ولجوء حوالي600.000 إلى البلاد المجاورة للسودان.

وبذلت أطراف خارجية عديدة جهودًا ومحاولات كثيرة لوقف هذه الحرب إلى أن تم توقيع اتفاق السلام الشامل (CPA)Comprehensive Peace Agreement في عام 2005 بين الحكومة السودانية (حزب المؤتمر الوطني)، والحركة الشعبية لتحرير السودان (حركة التمرد السابقة) الشريك الحالي في الحكم.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أظهر المجتمع الدولي كثيرًا من الاهتمام بالشأن السوداني، خاصة بعد إعلان محكمة التحكيم في لاهاي الدولية قرارها يوم 22\7\2009 بشأن النزاع الدائر بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، بشأن الحدود الجغرافية لمنطقة أبيي الغنية بالنفط بقرار تحكيمي، وأعلنت المحكمة أن الحدود الشرقية والغربية للمنطقة بحاجة لإعادة تخطيط.

وعلى الرغم من أن هذا القرار لقي ترحيبًا من شريكي الحكم، إلا أن أهمية هذا القرار والقبول به تعود إلى أن مشكلة الإقليم هي النقطة الأكثر تعقيدًا في اتفاق نيفاشا الموقع بكينيا في 26 من مايو 2004 والذي أنهى الحرب الأهلية في السودان. كذلك فإن اتفاق السلام الشامل CPA سيواجه بعديد من الاختبارات المهمة على رأسها إجراء الانتخابات العامة في البلاد أبريل 2010، واستفتاء بحلول عام 2011 يتقرر بموجبه استمرار وحدة السودان (تقرير انفصال الجنوب عن الشمال)، ومشكلة ولايتي كردفان والنيل الأزرق وأيضا النزاع في دارفور كل هذه محددات على أثرها سيتحدد مستقبل السودان.

وعن مستقبل السودان عرضت دراسة لمعهد السلام الأمريكي United States Institute of Peace نشرت في سبتمبر من العام الحالي تحت عنوان: "ست نقاط حاسمة للسودان ومستقبلها Six Critical Points for Sudan and its Future لجونثان تيمين Jonathan Temin، للنقاط الحاسمة التي ستحكم مستقبل السودان. وفي تقريرنا التالي سنعرض لتلك النقاط الست المحددة لمستقبل السودان. بحسب موقع تقرير واشنطن.

ومعهد السلام الأمريكي USIP هو منظمة مستقلة غير حزبية أنشئت ومولت من قبل الكونجرس الأمريكي. ومهمته المساعدة على منع وإدارة وتسوية النزاعات الدولية من خلال تمكين الآخرين من المعارف والمهارات والموارد. فضلاً عن مشاركته المباشرة في جهود بناء السلام في جميع أنحاء العالم.

المشاورة الشعبية

في هذه النقطة غالبًا ما يتم تسليط الضوء على ما يسمى بالمناطق الثلاث، وهي منطقة أبيي وولايات جنوب كردفان، والنيل الأزرق. فهناك اختلافات جوهرية بين هذه المناطق الثلاث. ففي حين يمنح اتفاق السلام الشامل لمنطقة أبيي حق المشاركة في استفتاء 2011 بشأن ما إذا كانت ستكون جزءًا من الشمال أم الجنوب، في حين أن ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق لا تمنح سوى حق المشاورة الشعبية وليس تقرير المصير، وهو اتفاق مبهم نص عليه في اتفاق السلام الشامل. فقد وجد المعهد الوطني الديمقراطي National Democratic Institute بأن مصطلح المشاورة الشعبية لا يزال غير معروف لدى عامة السكان في تلك المناطق السابقة الذكر، أو أنهم لا يفهمون ما يعنيه هذا المصطلح. في حين يرى بعض الزعماء التقليدين بأن هذا المصطلح يعني إما الانضمام إلى الشمال أو الجنوب أو الانفصال.

كذلك فمن غير الواضح ما إذا كان التشريع الوطني هو الذي سيحكم عملية المشاورة الشعبية، كجزء من الاتفاق الذي أبرم مؤخرًا بوساطة المبعوث الأمريكي الخاص للسودان سكوت جريتشن Scott Gration حيث كان يضع الاتفاق هدفًا طموحًا في 15 من سبتمبر لإدخال مثل هذا التشريع إلى الجمعية الوطنية (والتي هي في عطلة حاليًا والمقرر أن تعود في أكتوبر الحالي). إذا كان هذا التشريع هو المطلوب، ومن الواضح أنه سيكون ذا أولوية أقل من التشريعات التي تنظم الاستفتاء على انفصال الجنوب التي تجري مناقشتها حاليًا من قبل حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.

عاجلاً وليس آجلاً سيكون من المهم تفادي العودة إلى عنف واسع النطاق في تلك الولايات، وهناك نماذج لعمليات التشاور هذه في بلدان أخرى، مثل مجالس الشورى في أفغانستان، والتي قد تكون قابلة للتطبيق ومفيدة في السودان، مع تقديم الخبراء الدوليين أمثلة وأفكار يمكن أن تناسب السودان.

الجنوبيون في الشمال والشماليون في الجنوب

من المتفق عليه بأن القول بتقديرات تعداد ما يقرب من 500 ألف من الجنوبيين الذين يعيشون في شمال السودان هي أقل من الواقع. وبقطع النظر عن الرقم الحقيقي - والذي يصر كثير على أنه عدة ملايين – وأيضًا حقوق وسلامة الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال وكذلك حقوق الشماليين الذين يعيشون في الجنوب وعددهم أقل، كل هذه التقديرات ستكون محل اهتمام متزايد مع اقتراب موعد الاستفتاء. توحي المحادثات الأخيرة بأن هناك طائفة واسعة من وجهات النظر بشأن كيفية تواجد الجنوبيين في الشمال، ولاسيما حول الخرطوم، وما إذا كانت نتيجة الاستفتاء هي التصويت لصالح الانفصال.

يتوقع البعض احتمال حدوث ردود فعل عنيفة ضد الجنوبيين في الشمال، ذلك لأن الجنوب بشكل عام سيكون هو المسئول عن تقسيم البلاد إلى قسمين، والدليل على ذلك ما حدث عند وفاة الرئيس السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان وزعيم الجيش النائب الأول للرئيس جون قرنق في عام 2005. ومن ثم احتمال حدوث هجمات انتقامية ضد الشماليين الذين يعيشون في الجنوب. بينما يتوقع آخرون أن الاعتماد المتبادل والتفاهم الذي نشأ بين الجنوبيين والشماليين في الشمال مع مرور الوقت سوف يمنع وقوع هجمات ضد الجنوبيين، وهذه النتيجة غير ممكنة، ولكن لا شيء مؤكد.

وفي مرحلة ما بعد الاستفتاء فإن حقوق المواطنة هي عامل مهم في هذه الدينامية. فإذا كانت نتائج الاستفتاء هي انفصال الجنوب، فما موقف الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال وحقوق المواطنة الكفيلة لهم؟ كل هذه الهواجس قد يكون لها رد فعل بالنسبة للجنوبيين الذين سيعودون إلى الجنوب، قبل وبعد الاستفتاء. والردود على هذا السؤال تختلف بشكل واسع. وإضافة إلى ذلك، كيفية سفر الجنوبيين من الشمال إلى الجنوب، طوعًا أو خلاف ذلك؟ كذلك هناك مخاوف حول سلامة وأمن الطرق القليلة التي تربط بين الشمال والجنوب. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجنوب ليس لديه القدرة على استيعاب تدفق أعداد كبيرة من العائدين إلى الجنوب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 21/تشرين الثاني/2009 - 1/ذو القعدة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م