أزمة الانتخابات العراقية ومخاطر التأجيل

قلق متنامي من فراغ دستوري وشيك يضع العراق على المحك

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي تسود داخل مجلس النواب العراقي التجاذبات السياسية و النعرات الفئوية التي تعيق إقرار قانون الانتخابات التشريعية تترقب دول المجتمع الدولي بقلق ما ستؤول إليه الأمور.

سيما أن معضلة كركوك كانت ولا تزال عقدة المنشار التي تحول دون إقرار العديد من القوانين السيادية الضامنة لترسيخ النظام السياسي في البلاد، كقانون النفط والغاز.

الأمر الذي بات يشكل مخاطر جمة على المسيرة السياسية في العراق ويضع جميع الانجازات على المحك مرة أخرى، في حال انتفاء الفترة المقررة دون إجراء الانتخابات.

الموقف الأمريكي

يصف احد الكتاب (ج. سكوت كاربنتر وهو باحث في ميدل إيست ستراتيجي في جامعة هارفارد) الموقف الأمريكي من أزمة الانتخابات العراقية بان إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما استيقظت أخيراً لتواجه واقع الأمر بأن الانتخابات البرلمانية العراقية المقرر إجراؤها فى 16 كانون الثاني/يناير القادم هي في خطر حقيقي بأن لا تجري كما كان مقرراً. بحسب نقل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذي يرأسه مارتين انديك.

وللأسف فقد تم إدراك هذه الحقيقة بصورة بطيئة وربما بعد فوات الأوان، حيث بقي يومين فقط قبل انتهاء المهلة المحددة التي فرضتها الحكومة العراقية.

قبل حوالي شهر فقط، في 16 أيلول/سبتمبر، وخلال زيارته الثانية للعراق، حث نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن المشرعين العراقيين بلطف على التحرك "في أسرع وقت ممكن" واتخاذ قرار حول مشروع القانون الذي من شأنه أن يخلق الإطار القانوني للسماح بإجراء الانتخابات في الوقت المحدد لها.

وربما بدأ الرئيس أوباما يشعر بوجود المزيد من الإلحاح في هذا الموضوع، فقد أفادت وسائل الإعلام بأن الرئيس الأمريكي قام بحث الرئيس العراقي جلال الطالباني "على تبني قانون انتخابات في وقت قريب".

وقامت السفارة الأمريكية في بغداد بالتعاون مع القوة المتعددة الجنسيات بتصعيد حدة اللهجة قليلاً بإصدارها بيان مشترك يدعو البرلمان العراقي إلى "العمل بسرعة" على مشروع القانون الذي بقي قابعاً في لجنة برلمانية لمدة شهور.

وقد أعرب الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق، آد ميلكيرت، عن وجهات نظر مماثلة في اليوم السابق.

إن الديمقراطية الوليدة في العراق واحتمالات الانسحاب الأمريكي من تلك البلاد هي على المحك.

وإذا تم تأجيل الانتخابات لأي سبب من الأسباب إلى ما بعد كانون الثاني/يناير المقبل، سوف يعمل العراق في فراغ دستوري يمكن أن يسهم في قيام عدم استقرار سياسي على نطاق واسع.

وقد أشارت "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق" بأنه إذا ما لم يتم تمرير مشروع القانون في غضون أيام قليلة من الموعد النهائي في 15 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، فإنها ستضطر لأسباب فنية إلى إجراء الانتخابات في ظل القانون السابق الذي أدار انتخابات عام 2005.

ومع ذلك، فإن هذا ليس حلاً. فقانون الانتخابات لعام 2005 كان معيباً بصورة خطيرة لأنه اعتمد على نظام القائمة المغلقة الأعمى، الذي فرض على الناخبين الاختيار بين أسماء الأحزاب.

ولم تحدد قيادات الأحزاب في ذلك الوقت مَن أولئك الذين كانوا سيملئون المقاعد في البرلمان إلا بعد إعلان نتائج الانتخابات.

وقد أفادت وسائل الإعلام بأن آية الله علي السيستاني قد أشار بأنه سيحث على مقاطعة الانتخابات إذا ما اجريت بموجب قانون عام 2005.

ومنذ تحذير السيد السيستاني، تبع معظم قادة الأحزاب السياسية، بمن فيهم الزعيم الجديد لـ "المجلس الأعلى الإسلامي في العراق" ("المجلس الأعلى") عمار الحكيم، نصيحة السيستاني بشكل مطيع وبدئوا يصرحون بأنهم يفضلون قائمة مفتوحة. لكن ادعاءهم بتأييد هذا النظام هي ادعاءات فارغة.

إن نظام القائمة المفتوحة يجعل من الأسهل بكثير تشكيل ائتلافات واسعة النطاق ونجاحها، مثل الائتلاف الذي أقامه رئيس الوزراء نوري المالكي.

كما أنه يسمح لمثل هذه الائتلافات بالحصول على أصوات كثيرة بقدر الإمكان من المجتمعات المميزة لأن الناس يميلون عادة بصورة أكثر إلى التصويت لصالح الأفراد الذين يعرفونهم ويحترمونهم من داخل مجتمعاتهم.

وتفضل الأحزاب التي لا تحظى بشعبية مثل "المجلس الأعلى"، أن يجري سريان الأحكام القديمة لقانون عام 2005 لكي تتمكن من الاختباء وراء شعبية "العلامة التجارية" -- الائتلاف العراقي الموحد على سبيل المثال -- التي تأمل أن تتيح لها الحفاظ على مقاعد أكثر في البرلمان القادم مما كان من المحتمل أن تحصل عليه إذا كان الناخبون يعرفون فعلاً لصالح مَن كانوا يصوتون. بحسب معهد واشنطن.

ومع ذلك، فإن الأكراد أيضاً يمثلون تحدي، حيث أن هناك خطر قيامهم بتعطيل العملية الانتخابية برمتها فيما يتعلق بكيفية إجراء الانتخابات في محافظة التأميم، التي تشكل كركوك عاصمتها.

ففي الماضي، قامت الولايات المتحدة، بالتعاون مع السياسيين العراقيين والمجتمع الدولي الممثل في الأمم المتحدة، بـ "ركل العلبة إلى أسفل الطريق" فيما يتعلق بكركوك، آملين بقيام ظروف أكثر ملائمة لتسوية المشكلة في وقت لاحق.

فعلى سبيل المثال، لم تُجرى انتخابات مجالس المحافظات في مدينة كركوك في كانون الثاني/يناير من هذا العام.

وإنه لمن العار أن لا تجرى انتخابات برلمانية في كركوك أيضاً، ولكن ذلك أفضل بكثير من البديل المقترح من قبل مختلف المجموعات القومية الذي من شأنه أن يدخل حصة عرقية دينية إلى الاقليم تشابه الوضع القائم في لبنان.

بيد، هناك شعور بين بعض [السياسيين] بأن هناك احتمال بأن تقوم القيادة الكردية بإثارة مشكلة «التأميم» لمواجهة قضية محافظة التأميم وموضوع نظام القائمة المفتوحة.

وتشكل القوائم المفتوحة مشكلة بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.

فقد نجح كلاهما في تفادي وجود قوائم مفتوحة خلال الانتخابات التي جرت في الأقاليم الكردية في شهر تموز/يولويو الماضي ولا يريدون أن يُجبروا على إدراجها على الصعيد الوطني.

فالقوائم المفتوحة تضعف دائماً قادة الحزب لأن الناس الذين يتم انتخابهم بصورة مباشرة هم أقل اعتماداً في انتصاراتهم الفردية على رؤسائهم في الحزب.

وإذا كان الأكراد يأملون في مثل هذه النتيجة، فإنهم قد يحصلون عليها إذا ما اضطر العراق إلى العودة إلى قانون عام 2005. ففي ذلك العام، كانت «التأميم» تعامل مثل أي محافظة أخرى.

وبسبب قصر الوقت، من الصعب تصور ما يمكن أن تفعله إدارة أوباما، باستثناء قيامها بحركة «تقاطع الأصابع بصورة جماعية» [أي التندم الخفي] والأمل بما هو أفضل.

لقد أثبت العراقيون في الماضي قدرتهم على «سحب الأرانب من القبعة» وربما يقومون بذلك مرة أخرى. كان ينبغي على السفير الأمريكي في العراق كريستوفر هيل التعاطي بصورة مباشرة حول هذه القضية في وقت أبكر بكثير، بدلاً من أن ينظر إليها كونها "قضية عراقية إلى حد كبير تتعلق بتحدث العراقيين إلى العراقيين، بدلاً من تحدث الأمريكيين إلى العراقيين". وكان ينبغي عليه أيضاً أن يتخذ خطوات لاستبدال السفير توم كرايسكي - الذي [من المقرر] أن يغادر العراق بعد أن شغل منصب كبير مستشاري السفير السابق كروكر لشؤون شمال العراق - مع شخص ذو مكانة مماثلة بدلاً من ترك هذا المنصب الحساس شاغراً.

ومع ذلك، فكما تُعلِّمنا الخبرة الكئيبة في أفغانستان، من المهم تنفيذ العملية بصورة صحيحة. إذا كان الخيار بين قيام أزمة دستورية وبين توفير الوقت اللازم لإنشاء إطار شفاف لقانون الانتخابات بحيث يمكن إجراء الانتخابات بطريقة يُنظر إليها على الأرجح من قبل الشعب كطريقة شرعية، فمن الواضح أن الخيار الأخير هو الأفضل.

يتعين على الولايات المتحدة الضغط بقوة على المالكي والأكراد لكي يوافقوا على حل وسط بشأن محافظة التأميم ويعملون على تعديل القانون في البرلمان.

وإذا ما اتفق الأكراد والمالكي فيما بينهما، سيتم عزل "المجلس الأعلى الإسلامي في العراق" وسيقوم الشعب العراقي - وآية الله السيستاني، على ما يبدو – بمعالجة المواضيع المتبقية.

والجدير بالذكر ان كاتب المقال ج. سكوت كاربنتر هو زميل أسرة كيستون في معهد واشنطن، ومدير مشروع فكرة الذي يركز على تمكين الديموقراطيين العرب في نضالهم ضد التطرف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/تشرين الثاني/2009 - 29/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م