طالعتنا الصحف المحلية بتغطية شاملة لأخبار الفوضى والاعتداءات التي
وقعت في مدينة الخبر خلال يوم العيد الوطني، وسلّ الكتاب في الصحف
أقلامهم الحادة في خاصرة كل شاب بتحميل الشباب كامل المسؤولية،
والمطالبة بمعاقبتهم والتنكيل بهم، وسلخ جلودهم وتغيير عقولهم، وتأييد
جلدهم في الأماكن العامة، وكأن هولاء الشباب من عالم آخر لا ينتمون
لهذا الوطن، أو أنهم ليسوا أبناء عوائل سعودية.
لقد تناسى المسؤولون والكتاب بان هؤلاء الشباب هم عماد الوطن وجيل
المستقبل، وأنهم يعانون من نتاج طبيعي لثقافة الوطن وثقافة الممنوع.
هل حقا تفاجأ هؤلاء الكتاب (القضاة) الذين حملوا الشباب كامل
المسؤولية بما حدث، هل كانوا سابقا ينظرون للشباب السعودي بأنه أحفاد
الصحابة والتابعين المعصومين من ارتكاب الأخطاء، هل الشباب السعودي كان
يعيش في وضع اجتماعي طبيعي، أم انه يعاني من الشك والريبة والتشويش
والانعزال فكل شيء ممنوع وحرام لا حدائق ولا وسائل ترفيه ولا مسارح ولا
سينما.
وأصبح صيدا سهلا للإرهابيين والتكفيريين والمنحرفين، الم يسمعوا بما
يقوم به بعض الشباب السعودي من أعمال يخجل المرء من ذكرها. هل ما حدث
نتيجة النظرة المثالية والثقة الزائدة المفرطة، التي تسببت بضياع
الشباب.
ولماذا تحميل الشباب كامل المسؤولية، أليس للدوائر الحكومية مثل
التربية والتعليم والثقافة والإعلام والرياضة والشباب والخطاب الديني
الرسمي والثقافة الاجتماعية دور في صناعة جيل من الشباب الفوضوي؟
إن ما وقع في مدينة الخبر وفي المدن الأخرى من أعمال فوضوية
واعتداءات وتحرش وإساءات، هي أعمال مرفوضة، وتنبغي محاربتها ومعالجتها
بطرق سليمة وصحيحة.. كي لا تتكرر.
ومن أولويات العلاج التشخيص الصحيح للمشكلة، فمن الخطأ الفادح تحميل
ما حدث من أعمال فوضوية وتخريبية للشباب فقط. فالشباب هم نتاج ثقافة
الوطن وثقافة "ممنوع للشباب" المنتشرة في كل مكان، وهم بالتالي نتاج
ثقافة أنتجت شبابا بهذه الصورة المدمرة، شباب يعيش الازدواجية
والانفصام، له داخل الأسرة شخصية، ووسط المجتمع شخصية، وفي العمل شخصية،
وبين رفقائه شخصية، وفي خارج الوطن شخصية، وكل شخصية مختلفة عن الأخرى
في السلوك!
ولهذا لابد من النظر إلى ما حدث في الأحداث الأخيرة، بأنه خلل وطني
في التربية والتعليم والثقافة والإعلام والرياضة والشباب والمؤسسة
الدينية، وليس خللا في عقلية الشباب فقط، وقبل محاسبة الشباب يجب
محاسبة المسؤولين في الوطن.
من المسؤول عن وجود شريحة من الشباب بهذه العقلية الفوضوية؟
إذن لابد من مواجهة الحقيقة المرة وفتح الملفات الممنوعة وعدم دفن
الرؤوس في الرمال، قبل أن يحدث الانفجار الأكبر، لقد تحدثنا سابقا عبر
العديد من المقالات عن وجود خلل اجتماعي وان هناك قنابل اجتماعية
ستنفجر في أي لحظة وستخلف الكثير من الضحايا، وقلنا لابد من نشر ثقافة
العدالة والحرية والتعددية والمساواة والحقوق، والمحاسبة للكبير قبل
الصغير، وقلنا انه من امن العقوبة أساء الأدب، ولكن للأسف ليس هناك من
يسمع.
هؤلاء الشباب هم أبناء الوطن، ومهما كانت أفعالهم فلا يمكن إنكار
ذلك والتهرب منه، وهؤلاء لهم حقوق وعليهم واجبات، وهم جزء من الحركة
الشبابية في العالم الصغير، فينبغي عدم حرمانهم من حقوقهم الوطنية
والدينية والإنسانية، وعلى المسؤولين والكتاب تشخيص المشكلة ومعالجتها
بشكل صحيح، وعدم تحميل الشباب المسؤولية لوحدهم، وجعلهم ضحية وكبش فداء
لأخطاء فادحة في الوطن. فالشباب هم عماد الوطن وجيل المستقبل الذي
سيمثل الوطن، وليس لهم وطن آخر، وهم ضحية ثقافة منتشرة في الوطن، وعلى
المسؤولين في الوطن تحمل المسؤولية في بناء شباب قادر على مواجهة
الحياة بمسؤولية.
ان "ثقافة الفوضى" التي تسبب التخبط والدمار والاعتداء، و"ثقافة
الممنوع" التي تكرس الازدواجية والانفصام. مسؤولتان عن وجود شباب مغلوب
ومشوش وضائع، ويشكلان خطرا يهدد الجميع، وعلى الجميع العمل على استئصال
هذه الثقافة الفوضوية المتخلفة المنتشرة في أرجاء الوطن ومحاسبة
المسؤولين عنها. كما إن الجلد في الأماكن العامة بدون محاكمة ليس حلا
جذريا للثقافة المدمرة بل ربما سيولد حالة من ردة الفعل والانتقام من
الجميع. والحل بنشر ثقافة العدالة والحرية والمساواة والحقوق والمحاسبة
واحترام القانون. |