الدبلوماسية الامريكية ومخاطر التقارب مع ايران

 

شبكة النبأ: عندما اجتمعَ مسؤولون من إدارة أوباما، جنباً إلى جنب مع أعضاء آخرين في مجلس الأمن بالإضافة إلى المانيا، مع نظرائهم الإيرانيين لبحث البرنامج النووي الإيراني، ربما كان المزاج غير مريح بعض الشيئ. فقد ضُبطت إيران في محاولتها لإخفاء مصنع ثاني لتخصيب اليورانيوم كانت قد أنشأته في انتهاك واضح لالتزاماتها الدولية...

وكتبَ پاتريك كلاوسون، نائب مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مقالاً حول الموضوع، نشره موقع فورين بوليسي.كوم، جاء فيه: على خلفية اعتراف ايران بإنشاء مصنع تخصيب آخر لليورانيوم، من المدهش أن موظفيْن سابقيْن في مجلس الأمن القومي الأمريكي فلينت ليفريت وهيلاري مان ليفيريت أشارا في مقالتهما في صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أكثر من اسبوع، إلى ان إيران هي الضحية هنا. بل وحتى أنهما اتهما الرئيس الأمريكي أوباما الذي يؤيد سياسة التعاطي بالفشل في التواصل بما فيه الكفاية مع طهران، ودعا واشنطن إلى "السعي لإعادة التنظيم الاستراتيجي مع إيران بحيث يكون شاملاً ومشابهاً لذلك الذي اتبعه نيكسون وأثر على العلاقات مع الصين". وبصراحة، بمكن تفسير ذلك بأنه وهم.

ويبيّن كلاوسون، إن إحدى المشاكل القائمة في تحليل الكاتبين من عائلة ليفريت هو وجود معارضة حيوية في إيران لها وجهات نظرها الخاصة بشأن جهود التعاطي الأمريكية. [فعلى سبيل المثال]، تُجادل بشدة الناشطة الإيرانية شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام بأنه يجب على المجتمع الدولي أن يرفض التعامل مع الرئيس محمود أحمدي نجاد، لأنه سرق انتخابات حزيران/يونيو المنصرم. كما يجادل الصحفي الإيراني المعارض أكبر غانجي، في عريضة وقعها وجهاء مثل نوعم تشومسكي ويورغن هابرماس، بأنه عندما زار أحمدي نجاد الأمم المتحدة كان يجب أن يُلقى القبض عليه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية.

ويوضح كلاوسون، إن انحياز الولايات المتحدة لمثل هذه الحكومة سيكون بمثابة إعطاء المعارضة الإيرانية "لكمة على الأسنان". فقد أظهرت الجمهورية الإسلامية بأنها ليست إسلامية أو جمهورية – كما صاغ ذلك بصورة أنيقة "آية الله الإيراني المنشق" علي منتظري الذي يحضى باحترام كبير. وتشعر الحكومة الإيرانية بالذعر [من القابلية التي أثبتتها المعارضة]، حيث يخاف النظام أن يقتل المتظاهرين، لأن القيام بذلك لا يؤدي سوى إلى تأجيج المعارضة. وفي احتجاجات يوم القدس في 19 أيلول/سبتمبر، لم تقم الحكومة حتى بإلقاء القبض على ناشطي المعارضة، مدركة بأن الاتهامات المتعلقة بعمليات الاغتصاب الإنتقامية في السجون قد أصبحت قضية اجتماعية متفجرة. وفي المقابل، كان المتظاهرون جريؤون بما فيه الكفاية لكي يقفوا إلى جانب احمدي نجاد - عندما أجريت له مقابلة في التلفزيون الحكومي - ويصرخون "استقيل، استقيل". فعندما يكون نظام قمعي خائف جداً بحيث لا يقوم بقتل أو إسكات أولئك الذين تجاسروا على الوقوف ضده، فإن ذلك لا يبشر بالخير لذلك النظام.

ويتابع كلاوسون بالقول، بدلاً من قيام الولايات المتحدة بعمل ما يقترحه الكاتبان من عائلة ليفريت و"احتضان" أحمدي نجاد، يجب على واشنطن الانحياز إلى النشطاء المعارضين للرئيس وعصابته الذين يزدادون عدداً. وفي هذا الصدد يجدر الإشارة بأن الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر كان قد شرب ذات مرة نخب الشاه لقيادته "جزيرة من الإستقرار" قبل عام من الإطاحة به. ينبغي على باراك أوباما ألا يرتكب ذلك الخطأ نفسه ويفترض بأن السلطة الحاكمة سوف تبقى مسيطرة على البلاد.

ويبيّن الكاتب، إن الشعب الإيراني يريد بالتأكيد قيام تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة. لكن هل هذا ممكن في ظل نظام الجمهورية الإسلامية كما هو عليه الآن؟ يمكن أن تقوم حكومتان توجد بينهما اختلافات عميقة، مثل الولايات المتحدة وإيران، بالتعاون بينهما بشكل وثيق إذا واجه كلاهما عدواً مشتركاً أكبر. فمثلاً أن الخطر المشترك الذي كان آتياً من ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، أدى إلى قيام تحالف بين بريطانيا والاتحاد السوفياتي. وبالمثل، حفز التهديد السوفياتي خلال الحرب الباردة إلى إعادة التنظيم الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين – وهو التنظيم الذي اعتمده الكاتبان من عائلة ليفريت كنموذج للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. كما كان ذلك التهديد السوفياتي نفسه أساس العرض الذي قدمته الولايات المتحدة لإعادة التنظيم الاستراتيجي مع إيران، والذي كان الرئيس الأمريكي رونالد ريغان قد اقترحه [في الثمانينيات من القرن الماضي] عندما أرسل مستشار الأمن القومي روبرت ماكفارلين إلى طهران في نطاق "قضية إيران كونترا"، وهو دور كثيراً ما يتم نسيانه.

ويستدرك كلاوسون بالقول، لكن ما هو الخطر المشترك الذي تواجهه الولايات المتحدة وإيران اليوم؟ إن تنظيم «القاعدة» لا يعتبر مرشحاً مقبولاً، نظراً لأن الجمهورية الإسلامية كانت لسنوات عديدة قد لعبت «فوتسي» مع هذه الجماعة الإرهابية، كما قامت، على سبيل المثال، بتزويد تنظيم «القاعدة» في العراق بالأسلحة الأكثر دماراً. إن التعاون التكتيكي ضد تنظيم «القاعدة» - عندما ترى إيران أن باستطاعتها الحصول على ميزة منه في لحظة معينة - هو أفضل ما يمكن للولايات المتحدة أن تتوقعه.

ويجادل الكاتبان من عائلة ليفريت أيضاً بأن قادة إيران لا يعتقدون بأن الولايات المتحدة كانت جادة في سياسة التقارب التي اتبعتها. وهذا صحيح، ولكن ليس للأسباب التي استشهدها الكاتبان. إن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي -- الذي يدل لقبه بصورة صحيحة على أقدميته على أحمدي نجاد – قد قضى 20 عاماً محذراً من أن الثقافة الغربية هي التهديد الأكبر للجمهورية الإسلامية، حيث بإمكانها إثارة النساء والشباب والمثقفين للقيام بثورة مخملية (ناعمة). وهذا هو السبب لقيام الجمهورية الإسلامية مراراً بسجن الصحفيين الأجانب والأكاديميين، وعرض محاكماتهم الصورية من على شاشات التلفزيون الحكومي. فعلى سبيل المثال، قام النظام بعرض برنامج تلفزيوني في عام 2008 "فضح" فيه كيف كان الرئيس السابق جورج بوش و [رجل الأعمال الأمريكي] جورج سوروس يعقدان اجتماعات أسبوعية ويحوكان مؤامرة لقلب نظام الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، يجادل الكاتبان من عائلة ليفريت على نحو ما، بأن الحاجز الذي يعوق تحسين العلاقات بين البلدين هو عدم قيام إدارة أوباما بالعمل بما فيه الكفاية لطمأنة الجمهورية الإسلامية عن حسن نواياها.

ويستذكر الكاتب بالقول، منذ انتخابات حزيران/يونيو المنصرم، وخلال المحاكمات الصورية التي أجريت للمنشقين، قام خامنئي وقادة الحرس الثوري والمدعين العامين الحكوميين بالتركيز على الدور الأجنبي في التحريض على قيام مظاهرات. فقد أعلنوا مراراً بأن الاضطرابات التي حدثت في فترة ما بعد الانتخابات كانت إثباتاً بأن هدف الغرب الحقيقي هو "الإطاحة" بالجمهورية الإسلامية بصورة "لينة". ونظراً لاقتناعهم بأن الغرب يشكل تهديداً مميتاً لنظامهم، فإن التوقعات بأنهم سيقروا بتخلي الغرب عن أهدافه بمجرد الحصول على صفقة نووية هي احتمالات ضعيفة. وفي الواقع، غالباً ما قال خامنئي بأنه إذا تمت تسوية المسألة النووية، سوف يجد الغرب أسباباً أخرى لدفع عجلة الثورة المخملية (الناعمة) إلى الأمام.

ويستنتج كلاوسون، لذلك فإن إعادة التنظيم الاستراتيجي ليس وارداً. ولكن هل ستكون هناك رغبة لقيام مثل هذا الترتيب؟ هناك صداقات وتحالفات قائمة منذ فترة طويلة بين الولايات المتحدة ودول مشكوك بمعاداتها لإيران أو معادية لها بالفعل، كالمملكة العربية السعودية، ودول الخليج الصغرى ومصر، على سبيل المثال لا الحصر. إن قيام علاقة استراتيجية بين واشنطن وطهران قد يؤدي إلى تحسن الأمن في المنطقة فيما إذا أذعنت له تلك الدول. ولكن الخطوات التي تبدو أكثر احتمالاً هي أن مثل هذه العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران قد تؤدي إلى قيام المملكة العربية السعودية، إن لم يكن بعض الدول الأخرى، إلى الاستخلاص بأن عليها تطوير وسائل قوية للدفاع عن نفسها – أي بدئها برامج نووية خاصة بها.

ثم هناك موضوع إسرائيل. يقول الكاتبان من عائلة ليفريت بأن على الولايات المتحدة أن تصل إلى اتفاق تعمل بموجبه إيران في اتجاه التوصل إلى حلول سلمية للصراعات الإقليمية. إن ذلك عادلاً بما فيه الكفاية. بيد، تنفق إيران حالياً مئات الملايين من الدولارات كل عام لتشجيع الحركات الإرهابية التي نذرت نفسها للعمل من أجل "المقاومة" -- أي القيام بهجمات إرهابية هدفها الواضح هو القضاء على دولة إسرائيل. وإذا ما قامت الولايات المتحدة بتوقيع اتفاق مع مثل هذه الحكومة حول إعادة التنظيم الاستراتيجي، لماذا سيكون [من المفيد] لإسرائيل أن تتعاون؟ هل يعتقد الكاتبان من عائلة ليفريت بأن قيام علاقات متوترة ومشكوكة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، سوف يخدم مصالح واشنطن ويعزز الاستقرار في المنطقة؟

ويبيّن كلاوسون، لدى أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة عدة أسباب تجعلهم يشكون في نوايا الجمهورية الإسلامية. فإيران تريد أن تلعب دوراً أكبر في المنطقة من ذلك الذي تريد لها جيرانها، وإيران الثورية تستخدم القوة لتحقيق ذلك الهدف، سواءاً كان ذلك في العراق، أو أفغانستان، أو لبنان، أو السعي لامتلاك برنامج نووي. ولا تولي الولايات المتحدة، كقوة مهيمنة حالياً، اهتماماً كبيراً في مساعدة إيران على زعزعة الوضع الاقليمي الراهن.

ويختم الباحث مقاله بالقول، باختصار، حتى لو كان ذلك ممكناً -- وهو ليس كذلك -- فإن إعادة التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران سيكون غير مرغوب فيه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 18/تشرين الثاني/2009 - 28/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م