أهمية معاضدة الطبقة الوسطى

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أثبتت تجارب الامم والشعوب التي حققت قفزات مهمة ومتواصلة في النمو الشامل أهمية وأسبقية الدور الذي تتكفل به الطبقة الوسطى في هذا المجال، بمعنى أن النمو الذي نقل الصين من حافة الفقر الى المرتبة الاقتصادية المرموقة التي يتمتع بها الصينيون حاليا ما كان لها أن تحدث لو لا الدور الهام والمتواصل لهذه الطبقة في مواصلة وتعضيد الخطوات العملية التي نقلت الشعب الصيني على سبيل المثال من حالة الضمور والفقر الى حالة البناء والتواصل الحيوي في المجال الاقتصادي الذي انعكس ايجابيا على المجالات الاخرى.

وكذا الحال في امم وشعوب أخرى حيث قادت الطبقات الوسطى فيها مسيرة التناقل من المستويات الحياتية الضحلة الى تلك التي يسعى إليها الانسان تحقيقا لحياة تليق بإنسانيته وبدوره كقائد للكائنات التي تتقاسم معه المعمورة.

ولو ألقينا نظرة متفحصة على واقع البلدان التي تتراجع فيها هذه الطبقات تحت عوامل التغييب المتعمدة، فإننا سنلمس حضورا مبالغا فيه لطبقتين تقعان في أقصى الطرفين المتناقضين وهما الطبقة الثرية المتنفذة والطبقة الفقيرة المسحوقة، أما الفضاء الذي يتوسط هاتين الطبقتين والذي يفترض به أن يكون فضاءً واسعا وكبيرا ممثلا  بحضور الطبقة الوسطى فإنه منحسر تماما، ما يؤدي بالنتيجة الى اختلال او ضمور او انعدام دور هذه الطبقة وبالتالي شل قدرات المجتمع او الامة بصورة شبه كاملة، وانحسار الفعل الحياتي وحشره في زاوية الطبقة الثرية المستهلَكة - بكسر اللام – من جهة وفضاء الطبقة الفقيرة التي تمتص جميع طاقاتها ومواهبها من اجل سد الرمق لا أكثر، ما يعني بالنتيجة أيضا غياب الابداع والفعل الخلاق الناتج عن حضور الطبقة الوسطى التي غالبا ما تقوم بالدور النامي او المتصاعد في نموه نحو درجات أعلى من الانتاج في مختلف مضامير الحياة المادية والفكرية معا.

وعندما نلقي نظرة على المجتمع العراقي لكي نستقصي حضور هذه الطبقة او غيابها ومستوى الدور العملي الذي تؤديه في الحراك الحياتي المتداخل، فإننا سنعترف بأن ثمة غيابا او تغييبا يبدو واضحا لهذه الطبقة منذ عقود متواصلة، فعلى المدى المنظور او على مدى ثلاثة عقود او اكثر مضت، بقيت هذه الطبقة منشغلة بالحروب والحصارات والصراعات التي أقصت دورها وشلتها بصورة شبه تامة، ما يعني إشغالها بدور بديل ضيّع طاقاتها الفعلية في التطوير والبناء ونقل المجتمع من حالة التخلف والركود الى حالة التقدم والحراك الحيوي المتواصل.

وبعد المتغيرات السياسية التي اعقبت عام 2003 لم يتح الوقت الكافي لاعادة الاعتبار لهذه الطبقة، ومع اننا نلاحظ بعض الاشارات والدلائل التي تنم عن عودة هذه الطبقة (أحيانا) الى ساحة الفعل والانتاج الفكري والمادي، إلاّ أن العشوائية والتشرذم والانفلات الذي رافق إرهاصات ضهورها مرة اخرى، أفضى للمراقب بتراجع دورها بل وضموره تحت ضغط العشوائية التي امتدت لتشمل عموم مفاصل ومجالات الحياة العراقية، وبهذا بقيت هذه الطبقة التي أشرنا الى أهميتها في صدر المقال بعيدة عن القيام بدورها الحقيقي الذي حققته في امم ومجتمعات أخرى في تجارب لا تزال طازجة في حرارتها وافعالها التي لا يمكن أن تُخفى عن الباحث او المراقب الذي يبحث عن ما يمكن ان تؤديه هذه الطبقة من نقلة نوعية في حياة المجتمع.

وبعد أن أشرنا لأهمية هذه الطبقة وأهمية توسيعها الى أقصى حد ممكن كونها تقلص من طبقتي الفقراء والاثرياء معا، فإننا نؤمن بأهمية التخطيط العلمي المسبق لتحقيق نهضة واضحة للعيان في هذه الطبقة ومحاولة معالجة حالة الضمور التي تعاني منها ولعل هذا الامر يعود الى أجهزة الدولة الحكومية المتخصصة بالاضافة الى الجهود المرافقة التي تقوم بها مراكز البحوث والدراسات المختصة في الرصد والمعالجة وتقديم المشورة، ناهيك عن الدور الذي تقدمه المنظمات والاتحادات والمؤسسات الاهلية التي تعمل بمواظبة واخلاص لتطوير هذه الطبقة فعليا.

ولعل التجانس الذي سيسود بين طبقات المجتمع كافة في حالة تفعيل دور الطبقة التي نتحدث عنها، سيكون المكسب الأهم في الخطوات الفعلية التي تسهم بطريقة واخرى في تنمية الطبقة الوسطى، وهكذا ينبغي على المعنيين سواء كانوا من الساسة او العلماء المختصين او غيرهم، التنبّه التام لأهمية العمل الممنهج والمدروس والعملي والعلمي في آن لمعاضدة هذه الطبقة والقفز بها الى مستوى يحقق لها ولنا القدرة على استخلاص أقصى طاقاتها في تحريك طبقات المجتمع كافة نحو شبكة علاقات انتاجية فكرية متداخلة ومنسجمة تعمل على رفع المستوى الحياتي الى ما نتمناه وما يليق بالانسان وبأهمية تمتعه بحياة تليق بإنسانيته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 18/تشرين الثاني/2009 - 28/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م