المشروع الثقافي العظيم

مهند السماوي

لا يوجد مشروع ثقافي واسع وحالي للنشر بقدر ضخامة المشروع الذي تحاول غوغل    Google القيام به من خلال نشر ملايين الكتب المطبوعة والمخطوطة الكترونيا وجعلها ضمن مكتبة رقمية عالمية قيل ان العدد وصل الان لحدود 10 ملايين كتاب! اغلبيتها لكتب خارج حقوق حفظ الملكية الفكرية، ومن المؤمل ان يصل لحدود 32 مليون!في حدود ثلاث سنوات على الاكثر اذا تم تخطي العوائق القانونية،وطريقة الترقيم هي بواسطة مكائن هائلة السرعة وذات تقنية عالية وهي اساسا قليلة العدد في العالم بحيث قدر انه خلال بضعة دقائق يتم ترقيم كتاب ضخم جدا !...

هذا المشروع لا يغطي لغة معينة او بلد معين بل هو كوني في كل ابعاده ،حتى ان الكتب الرقمية المنشورة الان هي بأكثر من مائة لغة!واكيد العدد في تزايد مستمر مما يعني ان الفائدة سوف تعم على الجميع وبدون وجود اي عوائق مقيدة لها من الناحية اللغوية او السياسية او الفئة العمرية،بل هي مفتوحة للجميع بلا استثناء في ظاهرة ثقافية فريدة من نوعها،بل هي اشتراكية ديمقراطية لا وجود للفكر الماركسي في انشائها وجعلها ضمن حدود الصراع الطبقي او في تقييد الاستفادة منها لاسباب آيديولوجية!...

يقال ان الهدف النهائي للمشروع هو ترقيم كل الكتب الموجودة في العالم والمقدرة بحوالي 4.5 مليار كتاب ! تمثل نتاج الانسان الثقافي المتنوع،وبالتالي سوف تكون النتائج مذهلة على المدى المتوسط والبعيد،فهي بالاضافة الى تيسير الثقافة للجميع وتوفيرها بدون مقابل،فأن الجانب الاهم هو حفظ التراث الانساني من الضياع خاصة على عدد كبير من المخطوطات التي تنتظر النشر منذ الاف السنين!...

يواجه المشروع معارضة قوية من جانب الاوروبيين لاسباب مختلفة،وقد يقول قائل انها وسيلة امريكية جديدة للهيمنة!،ولكن هذا الرأي هو ضعيف ولا قيمة له امام نوعية المشروع وفوائده الجمة التي لاتحصى،بل من السخرية التذكير بأن الحكومة الامريكية هي من المعارضين له من الناحية القانونية كونه ينتهك حقوق نشر الكثير من الكتب ويؤدي الى هيمنة شركة غوغل على الشبكة الدولية!...

حقوق الملكية الفكرية من الامور التي اعتاد عليها الغرب منذ فترة طويلة ومازال العالم العربي غير معتني بها او لايعيرها اية اهمية في محاولاته المستقبلية لتشريع القوانين الجديدة!...ففي امريكا وبريطانيا على سبيل المثال تصل فترات الحماية الفكرية الى اكثر 70 عام وهم يجعلون وراثة الملكية الثقافية للابناء!مما يعني ان غالبية النتاجات الفكرية في القرن العشرين هي تحت الحماية القانونية وهو امر رائع ان يكون كذلك ولكن يبقى للمجتمع البشري ايضا حقوقا على المؤلفين وذريتهم!واكيد هنالك حلول وسط تجمع حقوق الطرفين وقد يكون من ضمنها هو منح مكافأت كبيرة لاصحابها او تيسير اثمانها او حتى دعم شرائها وهي خطوات تحقق المنافع المشتركة لجميع الاطراف،ولكن تحتاج الى ارادة دولية قوية لتحقيقها خاصة في ظل التضارب الصارخ بين المجتمعات التي تكون متطرفة في الاجراءات الحمائية وبلدان اخرى لا توجد لديها قوانين للحماية اساسا!مما يعني ان حقوق المبدعين في تلك البلدان مسحوقة بلا شك،وهو سيف مسلط على رقابهم بشكل دائم.

تعني الفترة الطويلة للحماية الفكرية ان حوالي 80%من الكتب الموجودة في امريكا والمقدر عدد عناوينها ب40 مليون كتاب! هي محمية بقوانين صارمة وبالتالي تحتاج غوغل وغيرها الى دعم بغية حل تلك الاشكالات المقيدة للابداع والاستفادة منه ،والاولى بالحكومات المعارضة للمشروع هي القيام بذلك المشروع بنفسها  منذ زمن بعيد بدلا من تركه للشركات التجارية الخاصة،فالتقصير الحكومي العالمي واضح بلا شك وهو يعرقل الان من خلال قوانين معقدة ومحبطة للنشر الذي قد لايصل ليد الكثيرين ممن يعجزون على الاطلاع على تراث الانسانية الضخم وبالتالي فأن وسيلتهم الافضل هي النشر الالكتروني...

الاوروبيون ومن باب المنافسة مع الامريكيون،فقد بدأوا مشروعا موازيا يسمى اوروبيانا،يعرض التراث الاوروبي المشترك ويقدر ان ينتهي بحوالي 6 ملايين كتاب مع نشر عدد كبير من الاثار الفكرية السمعية والبصرية،ويمتلك المشروع الحصرية في عرض الكثير من النصوص الاصلية والتي لاتقدر قيمتها بثمن ملموس...ويبقى ذلك المشروع مكملا لمشروع غوغل وسوف يفيد الانسانية بأروع صورة وهي وسيلة لتحقيق السلام العالمي والتقارب بين البشر ناهيك عن التطور الثقافي الذي يكون مدخلا شرعيا لبناء حضارة انسانية متكاملة.

العالم العربي والمشروع

لاشك في ان اللغة العربية سوف تكون حاضرة في ذلك المشروع الضخم،وكما هو معروف ان نسبة المساهمة الثقافية العربية ضمن الانتاج الفكري العالمي هي محدودة الى درجة تبعث على الخجل! وبالتالي فأن النشر الثقافي العربي للانتاج الضئيل هو اكثر ضئالة!وهذا يجعلنا نؤكد ان استفادة العرب لاتقل عن غيرهم من الشعوب الاخرى من ذلك المشروع الذي لم نجد حكومة عربية او شركة خاصة تنهض بمشروع موازي له رغم توفر الامكانيات المالية لبعض حكوماته سواء في الماضي او الحاضر بل وعلى يقين حتى المستقبل!.

مازال العرب من اقل الشعوب قراءة وبالتالي فأن هذا المشروع سوف يرفع عدد القراء خاصة الذين يبحثون عن نوعية معينة من الاصدارات الثقافية هذا بالاضافة الى وجود ملايين المخطوطات الثمينة التي تقبع في مكتبات او مخازن غير لائقة بها وهي تنتظر منذ الاف السنين النشر دون جدوى! وبالتالي فأن نشرها سوف ييسر للباحثين ومحبي الثقافة الذين تكون الامكانيات المادية للغالبية العظمى منهم دون المستوى الذي يجعلهم قادرين على الاقتناء،وعلى الاطلاع والاستفادة من تلك الكنوز المعرفية الضائعة.

عدم توفر قوانين الحماية الفكرية في العالم العربي،يجعلنا في خانة الاكثر تخلفا بحيث نعجز عن حماية حقوق المبدعين وبالتالي احباط من لديه الرغبة في المستقبل على الابداع والابتكار،وجعله خاضعا للظروف المعيشية القاسية او التي لاتدر عليه ربحا يوازي الجهد المبذول!ولذلك نرى الثراء الغير طبيعي للمبدعين في الغرب والفقر المخزي للمبدعين في العالم الثالث ومنه بالطبع العالم العربي!ويمكن رؤية الكثير من الامثلة الواقعية ففي الحالة الاولى يكون الانتاج الفكري هو وسيلة عمل مثالية لايحظى بها الا الحالمون والمجدون بينما في عالمنا الثالث هو وسيلة تدميرية للذات بحيث يكون الناشر غالبا صاحب الكتاب نفسه الذي يفقد مقدرته المالية في سبيل نشر ما ينتجه لا ان يحصل على عائد يوازي الجهد المبذول لاخراجه الى العلن!...

نحتاج الى مشاريع ثقافية ضخمة تسد النقص الواضح في عالم الطباعة والنشر او في شبكة الانترنت،وتوفر المال والقدرات البشرية ليس صعبا حتى يتم التغاضي عن التفكير في هكذا مشاريع،بل التجاهل غالبا ما يكون متعمدا ومن يريد اثبات العكس عليه البرهان عمليا وليس خطابيا....

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/تشرين الثاني/2009 - 25/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م