شبكة النبأ: يعتبر الرسام التشكيلي
عايد ميران من الرسامين المتميزين في محافظة كربلاء، فهو متنوع
التوجهات فنيا وله لوحات كثيرة تنطوي على سمة المغايرة حيث تختلف عما
قدمه الفنان في اعماله السابقة، ويُعدّ ميران من الفنانين الذين بدأوا
رحلتهم مع التشكيل منذ ثمانينيات القرن المنصرم حيث قدم معرضه الشخصي
الأول عام 1986 في بغداد وأعقبه بالثاني عام 1992 في كربلاء وشارك ايضا
في مسابقة الفنان الرائد جميل حمودي للشباب عام 1995 وله مشاركات
متواصلة في معارض اتحاد التشكيليين حتى عام 2004 وقد تابعته في أحد
معارضه المشتركة التي شاركه فيها عدد من فناني كربلاء حيث كان للوحاته
العشر في المعرض المذكور مسارا فنيا مغايرا لما اعتاد عليه سابقا في
معارضه.
وتتميز لوحات ميران موضوع هذا المقال بتعدد أساليبها الفنية
ومضامينها أيضا وقد لجأ في تنفيذ بعض لوحاته الى استخدام مـواد ( شيئية)
جديدة (كالكارتون والمواد المرنة وغيرها) على سطح اللوحة كي تضفي على
العمل الفني جمالية متفردة وتخلق حوارا آنياً بين المتلقي المتدرب
واللوحة وهذا مايسعى اليه الفنان عايد ميران حيث تؤكد (فرشاته
ومعاجينها ) رفضها القاطع لمنح المتلقي (مفاتيح اللوحة الكلية) دفعة
واحدة لفضّ عوالم اللوحة واسرارها وغوامضها الفنية وبالتالي فقدانه –
المتلقي- للمتع الحسية والفوائد الفكرية التي تنطوي عليها هذه اللوحة
او تلك الأمر الذي قد يحيلها الى خانة السهل المبتذل وثمة الأسلوب
المعاصر ورمزيته التي تؤدي الى إحداث تضادات لونية ومساحات ظاهرة خفية
في آن تحفل بالأشكال التي تشي بالأفكار والتطلعات وتحل محلها في عملية
تبادلية منتقاة تشكل العمق التجريدي لفضاء اللوحة لتجعل من المتابع جزءً
منها حيث التماهي والغوص في غمار وخفايا هذا الفن الساحر.
ولعلنا لن نأتي بجديد اذا قلنا ان لوحات ميران العشر تتميز بعنصر
المغايرة ليس مع الآخر فحسب بل في ما بينها ايضا أي اننا ونحن نقرأ هذه
اللوحات سنكتشف إستقلالية إسلوبية مدهشة اذا جاز القول ، تتحصن بها هذه
اللوحة عن تلك ،على اننا لانلغي القاسم الفني المشترك لأعمال ميران
التي تتشكل في جوهرها من أيحاءات لونية تمنح أبعادها للمتلقي الذي
يمنحها بالمقابل قدرا جيدا من الصبر والتبصر والإهتمام.
وفيما يخص بيئة عايد ميران وخصائصها وما يترتب على ذلك من هيمنة
(مضمونية)في تشكيل اللوحة ، فإننا سنعثر في هذه اللوحة او تلك على
العناصر الصورية التي نشأت في ذات الفنان وترعرعت وتنامت في أعماقه
السحيقة غير ان عثورنا على رموز بعينها سيتمخض عن أشكال تنبثق من محيط
الفنان لكنها لاتنتمي إليه واقعيا ، أي ان ميران يأخذ من الواقع مادته
التشكيلية لكنه يجرد هذا الواقع وعناصره وأشكاله من خواصها لتحلِّق فوق
الواقع ولتنتمي الى فضاءات الفن المنفتحة الى ما لانهاية سواءً تعلق
ذلك في المعاينة او الفرز او التجذير المكاني والصوري في آن.
وكذلك ثمة مساحة أفردها عايد ميران في أعماله للحرف العربي حيث
استلهمت بعض اللوحات تشكّل الحرف بعدة تكوينات ذات أبعاد صورية مثبتة
عمَّـقها الفنان بإضافة الألوان الأسلامية والتراثية ومزجها معا للخروج
بعمل ذي اجواء تراثية كما نعتقد،وقد شاعت الأقواس والأهلّة في عدد من
لوحات هذا الفنان كمفردات اسلامية تتواءم مع واقع المدينة وأجوائها ذات
الخصوصية الدينية غير اننا لايمكن ان ننسب أعمال عايد ميران الى محيطه
حصرا بل ثمة من هذه الأعمال ما يدفعنا للقول بأن هذا الفنان له (شطحات)
فنية تشي بطموح يكاد يهشم دائرة المعتاد او التنميط او الإنتماء المحدد
سلفا لثوابت لاتمنح الخيال حرية التحليق في فضاءات ومساحات لم تكتشف
بعد.
|