سلسلة مفاعلات ايران السرّية تعجّل بمواجهتها مع الغرب

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي كانت فيه الدول الغربية، وتحديدًا مجموعة (5+1)، تستعد لعقد اجتماعها مع إيران في الأول من أكتوبر الجاري، فاجأت طهران العالم بالإعلان عن وجود مفاعل ثانٍ لتخصيب اليورانيوم كانت قد بنته سرًّا بالقرب من مدينة قم. وقد قوبل الإعلان الإيراني بانتقادات حادة من قبل كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وصلت إلى حد التهديد بفرض عقوبات جديدة على طهران إذا لم تبد مرونة في الحوار بشأن برنامجها النووي.

وحول هذه التطورات والتداعيات المحتملة للكشف عن المفاعل الإيراني الجديد على المفاوضات المرتقبة بين الجانبين، أجرى برنارد جويرتزمان، المحرر الاستشاري بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، حوارًا مع مايكل ليفي Michael A. Levi، الخبير المعني بالتطورات النووية الإيرانية ومدير برنامج أمن الطاقة والتغير المناخي بالمجلس.

اعتبر ليفي أن التطور الأخير "يظهر أن إيران ما زالت لديها الرغبة في إنشاء منشآت سرية يمكن استخدامها لصنع سلاح نووي، إما بشكل كامل في الخفاء، أو تحت غطاء كبير من السرية". ويضيف أن دلالة هذا الاكتشاف تكمن في "استعداد إيران لإخفاء خططها النووية، ما يثير احتمال فرض عقوبات أكثر صرامة إذا لم تسفر المفاوضات عن نتائج طيبة". وفيما يلي نص الحوار بحسب موقع تقرير واشنطن.

* انتقد دول الغرب إيران لأنشطتها السرية بعد الإعلان عن أنها قد بَنَتْ سرًّا مفاعلاً آخر لتخصيب اليورانيوم. ما دلالة الكشف عن هذا المفاعل؟

- تظهر هذه الأخبار أن إيران لا تزال راغبة في بناء منشآت سرية يمكن أن تستخدم لصنع سلاح نووي، إما بشكل كامل في الخفاء، أو تحت غطاء كبير من السرية، بحيث يكون الوقت قد فات على الاستجابة بفعالية عندما يتم اكتشاف هذه المنشآت.

ويعد هذا الكشف الجديد تطورًا هامًّا يمكن استخدامه من قبل أولئك الذين يعتقدون أن جلسة مجلس الأمن حول الانتشار النووي مجرد حديث، وأن المشكلات الحقيقة تكمن في تضييق الخناق على دول مثل إيران وكوريا الشمالية. وسترد إدارة أوباما على هذا الرأي بالقول: إننا بحاجة إلى نهج متعدد الجوانب، وتوفير أساس أكثر صلابة في الأمم المتحدة ليساعدنا على معالجة هذه المشكلات الفردية على نحو أكثر فعالية. لكنها تعيد التأكيد على أن المشكلات الكبرى الحالية المتعلقة بنظام منع الانتشار النووي تتمثل في التعامل مع حالات محددة تشهد عدم الامتثال لنظام منع الانتشار وتطوير محتمل لأسلحة نووية.

* مصدر قلق بلدان عديدة، أن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم ليس بهدف بناء محطة للطاقة النووية بل لامتلاك المقادير الكافية لامتلاك أسلحة نووية. هل الكشف عن المفاعل الجديد يزيد من هذه الاحتمالية؟

- ليس من المعقول أن يكون هذا المفاعل لإنتاج المواد اللازمة لبرنامج نووي مدني. فالمفاعل ليس له أي قيمة بالنسبة لبرنامج نووي مدني، فقدرته أصغر من أن تضيف شيئًا يذكر لقدرة إيران لإنتاج وقود لازم لمفاعل نووي. ومع ذلك، فإن حجم المفاعل الذي تم الكشف عنه كافيا لمساعدة إيران على التحرك بسرعة من إنتاج المواد النووية إلى إنتاج يورانيوم عالي التخصيب يستخدم في صنع قنبلة نووية. فنحن هنا نتحدث عن ثلاثة آلاف جهاز للطرد المركزي (مجموعات من الأنابيب كبيرة الحجم تستخدم في تخصيب اليورانيوم).

وإذا استخدمت إيران اليورانيوم الطبيعي سيستغرق الأمر سنة لتخصيبه في ظل وجود هذا العدد الكبير من أجهزة الطرد المركزي، بشكل يجعله صالح لصناعة القنابل النووية. وإذا كانت لدى إيران القدرة، بشكل ما، على تحويل بعض من اليورانيوم منخفض التخصيب الذي أنتجته في منشأة ناتنز، فإن الأمر سيستغرق وقتًا أقل بكثير، وخلال أشهر ستصل إيران لمرحلة من تخصيب اليورانيوم كافية لصناعة قنبلة نووية.

* من يقول إن هناك ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي جديد، إيران أم الغرب؟ وما نوع هذه الأجهزة هل هي أجهزة قديمة ام حديثة؟

- ليس لدينا معلومات عن هذه التفاصيل حتى الآن. ومن شأن غياب هذه المعلومات أن يؤثر على بعض التحليلات فيما يتعلق بمدى سرعة استخدام المفاعل لإنتاج مواد لصنع الأسلحة النووية. وبقطع النظر عن ذلك، فإن الكشف عن هذه المنشأة يشير إلى رغبة إيران في الإخفاء. كما أنه، من جانب آخر، يؤكد على أهمية التوقيع على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي (وثيقة قانونية تمنح الوكالة الدولية للطاقة سلطة تفتيش أكبر). وفي ظل الوضع الحالي، ومن الناحية التقنية البحتة، لم تكن إيران مطالبة بالإبلاغ عن هذه المنشأة طالما أنها لم تدخل اليورانيوم فيها. أما إذا كانت إيران تتبع البروتوكول الإضافي، فإنه سيكون لزامًا عليها الإبلاغ عن أي منشآت جديدة. وحتى في هذه الحالة سيظل بإمكانها ممارسة الخداع.

* لماذا تعتقد أن إيران قد أبقت على هذه المنشأة سرية، إذا كان الهدف الظاهر هو إنتاج يورانيوم منخفض التخصيب. هل كان السبب أن لدى إيران خططًا أخرى غير مشروعة؟

- هذا هو الاستنتاج الأكثر وضوحًا. فليس من المعقول أن يكون هذا المفاعل لإنتاج المواد اللازمة لبرنامج نووي مدني. ويقول الإيرانيون الآن إنه "مفاعل تجريبي"، وهو ما يعني أنه سيتحول إلى مفاعل أكبر في وقت لاحق. وأظن أنهم سيقولون إن هدفهم من المفاعل كان اختبار أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدمًا، ولو أنهم فعلوا ذلك علنًا، فإن الأمر سيثير اعتراضات غير مبررة من بقية العالم، ولكن أعتقد أنه سيكون هناك كثير من التحقيق في هذا الأمر، وسيكون من الهام أن نرى إذا كانت إيران ستسمح بالتفتيش الدولي في وقت قريب، وما الجهات والمؤسسات التي ترتبط بهذا المفاعل.

فمن الهام دائمًا فيما يتعلق بالنظر إلى البرنامج النووي الإيراني عدم الاقتصار على الحقائق والعلاقات المادية فقط، لكن يجب النظر إلى العلاقات المؤسسية المحيطة بالمنشآت النووية المختلفة. فمن شأن ذلك أن يخبرنا بمزيد حول الغرض من هذه المنشآت.

* يأتي الكشف عن مفاعل جديد قبل الاجتماع المقرر، والذي ستجلس فيه الولايات المتحدة والدول الأربع الأخرى بالإضافة إلى ألمانيا مع إيران لبحث اقتراحاتها، ما التداعيات التي سيحدثها هذا الكشف على هذه المفاوضات؟

- هذا الكشف يعطي الولايات المتحدة وشركاءها ميزة إضافية في المفاوضات مع إيران. فإيران تبدو في موقف حرج للغاية في الوقت الحالي. وأظن أن الروس، رغم أن لديهم مصالح ومحفزات تختلف قليلاً عن الولايات المتحدة، محبطون من هذا التطور، وهذا الأمر يضع إيران في موقف صعب. ولكن هذا التطور، من الناحية السياسية، يضع الولايات المتحدة هي الأخرى في موقف صعب لأنه بمثابة حجة يستخدمها من يقول: إن إيران فاسدة، وإن أوباما يضيع وقته في الحوار معها. وستكون الولايات المتحدة حكيمة إذا استمرت في مسارها الخاص باستمرار الحوار، ولكن لا يجب عليها التفكير به كبديل للعقوبات. وإذا لم يجد الأمر نفعًا، يجب أن يتم زيادة الضغط على إيران حتى أثناء إجراء الولايات المتحدة لمحادثات معها.

* كيف ستتلقى إسرائيل الأخبار الخاصة بالمفاعل الجديد؟ علمًا بأن إسرائيل هي الأكثر إصرارًا على الحديث عن "التهديد" النووي من قبل إيران؟

- إن المشهد الذي وقف فيه الرئيس أوباما، وبمحاذاة كتفيه براون وساركوزي، وعارض بشكل قاطع هذا التطور الإيراني يبدو جيدًا ليس فقط لإسرائيل بل للآخرين في المنطقة الذين يشعرون بالقلق حيال طموحات إيران النووية. كما أن صورة الولايات المتحدة وهي تتحدث عن معلومات المخابرات بشأن هذا البرنامج، وتضامن الدول الأخرى معها، تبعث برسالة قوية جدًّا في هذا الإطار.

* يظهر الفرنسيون على الدوام موقفًا قويًّا من احتمالية امتلاك إيران لأسلحة نووية. أي نوع من العقوبات التي نتحدث عنها الآن ويدعمها الفرنسيون بقوة؟

- كان هناك حديثٌ حول احتمال فرض عقوبات على الواردات الإيرانية من المنتجات البترولية المكررة. فإيران، على الرغم من أنها تنتج كميات كبيرة من النفط، تصدر جزءًا كبيرًا من هذه الكميات إلى الخارج، ومن ثم تعيد استيراد الجازولين والديزل ووقود الطائرات من دول أخرى. وإذا قطع العالم تلك الإمدادات بطريقة أو بأخرى، أو على الأقل جزءًا كبيرًا منها، فإنه سيسبب أضرارًا بالغة لإيران. والسؤال الأكثر أهمية في هذا الإطار هو ما إذا كان قطع تلك الإمدادات ممكنًا، وما إذا كانت دول العالم قررت تصعيد العقوبات ضد إيران لتصل لهذه النقطة؟.

وفي الوقت الحالي فإن العقوبات الأكثر فعالية وقوة ربما تكون العقوبات المالية. فعلى سبيل المثال أخبرني شخص زار إيران مؤخرًا، منذ أسبوع أو اثنين أن بطاقات الفيزا لم تعد تعمل في إيران. ورغم أن هذا الأمر يبدو صغيرًا، فإن هذا النوع من الأشياء يعد مصدر إزعاج كبير في تسيير الحياة اليومية التجارية، خاصة بالنسبة للنخبة.

وقد كان النمط السائد سابقًا هو الحديث عن فرض عقوبات كبيرة على إيران، ولكن الأمر كان ينتهي بفرض عقوبات صغيرة وذلك حفاظًا على القيام بجهد متعدد الأطراف، ولاسيما إدماج الروس والصينيين في العقوبات. وفي الوقت الحالي سيتعين علينا أن ننتظر لنرى ما الوضع العام عندما يأتي الوقت لفرض عقوبات، ليس فقط بالنسبة للبرنامج النووي على وجه الخصوص، ولكن أيضًا بالنسبة للمشهد السياسي داخل إيران. وفي أي وقت نفكر فيه في فرض عقوبات قاسية، فإن هناك اعتبارين متناقضين يجب الموازنة بينهما، أولهما: ضرورة الضغط على الحكومة الإيرانية بشأن البرنامج النووي، والثاني: التأكد من أننا لا ندفع الشعب الإيراني تجاه دعم النظام لاسيما في ظل الوضع السياسي الحالي في إيران.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/تشرين الثاني/2009 - 22/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م