اوباما يغضّ الطرف عن تراث الارهاب الأقليمي في العراق

أمريكا عندما تخذل اصدقائها في محاولة لجذب خصومها

 

شبكة النبأ: رغم ان مؤشرات دعم زعزعة الاستقرار في العراق دلت في كثير من المناسبات بأنها تنطلق من سوريا وخاصة تلك المتعلقة بالانتحاريين الذين ما زالوا يقتلون العراقيين كل يوم تحت اسم الجهاد والمقاومة إلا ان استراتيجية اوباما المدّعية للحكمة والدبلوماسية قد أخذت تخرج من حيادها، بالسكوت او عدم ممارسة ضغوط على سوريا ودعم مطلب العراق بإنشاء محكمة دولية للاطراف الراعية للارهاب وزعزعة الامن فيه.

وكتبَ جون هانا، زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس السابق ديك تشيني. مقالاً حول الموضوع في مجلة فورين بوليسي جاء فيه:

من الصعب الاعتقاد، بأنه بعد مرور عدة أسابيع من وقوع أزمة كبرى تتعلق بالرعاية السورية للإرهاب في العراق، تقف الولايات المتحدة على الحياد. وهذا خطأ كبير. فنظراً إلى أن هناك ما يقرب من 130,000 جندي أمريكي في العراق الذين لا يزالون معرضين للخطر حيث يحاولون تعزيز الاستقرار في تلك البلاد، وبسبب القلق الأمريكي القائم منذ فترة طويلة حول دور سوريا في تأجيج العنف في العراق، هناك مصلحة كبرى للولايات المتحدة في دعم جهود الحكومة العراقية للضغط على سوريا بعدم الضلوع بعمليات إرهابية.

أولاً، بعض المعلومات الأساسية.

في 19 آب/أغسطس، انفجرت شاحنتان تحتويان على قنبلتين ضخمتين خارج وزارتي الخارجية والمالية العراقيتين. وقد قُتل ما يقرب من 100 شخص وأصيب عدة مئات آخرون بجروح. وفي غضون أيام، بث التلفزيون العراقي اعتراف شخص قيل أنه كان متواطئ في الهجوم على وزارة المالية، حيث ادعى أن تلك التفجيرات كانت موجهة من قبل اثنين من أعضاء حزب البعث المنحل برئاسة صدام حسين الذين يعيشون تحت الحماية السورية. وقد طالبت العراق سوريا تسليمها أولئك الرجال. لكن دمشق رفضت القيام بذلك. فاستدعت العراق سفيرها في دمشق، كما ردت سوريا بالمثل.

وعندما استمرت دمشق برفضها، أتهم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي سوريا علناً بتوفير ملاذ آمن للإرهابيين وايواء قائمة طويلة من المسلحين المطلوبين. وأشار المالكي إلى أن 90 في المائة من المقاتلين الأجانب الذين يعبرون إلى العراق يمرون عبر سوريا. ولحسن التدبير، بث التلفزيون العراقي اعترافاً ثانياً، وكان هذه المرة من قبل سعودي متطرف تحدث بشيء من التفصيل حيث قال بأنه قد دُرب من قبل المخابرات السورية. وفي لقاء لاحق مع سفراء أجانب، قدم لهم المالكي تعليمات مفصلة ودلائل عن عقد اجتماع خارج دمشق بين البعثيين العراقيين والمتطرفين السنة في أواخر شهر تموز/يوليو المنصرم، بحضور ضباط أمن سوريين. وبعد مرور اسبوعين من وقوع الانفجارات، أرسل المالكي تعزيزات إلى الحدود مع سوريا تتكون من آلاف من رجال الشرطة تحسباً لحدوث المزيد من عمليات التسلل. كما أنه قدم طلباً رسمياً إلى الأمم المتحدة لإجراء تحقيق دولي عن تفجيرات 19 آب/أغسطس وعن هجمات إرهابية أخرى، مع التركيز بشكل خاص على الدور التخريبي الذي تقوم به الدول المجاورة.

ويضيف هانا في مقاله، الشيئ اللافت للنظر هو أنه مع تصاعد التوتر بين بغداد ودمشق، لم يكن لدى الولايات المتحدة ما تقوله، باستثناء ما جاء في 26 آب/أغسطس، عندما سُئل المتحدث باسم وزارة الخارجية رداً على سؤال حول الوضع المتدهور. وقد أجاب وهو يقرأ من توجيهات مُعدة مسبقاً:

"نحن نفهم أنه كان هناك نوع من الإستدعاء المتبادل للسفراء. نعتبر ذلك مسألة داخلية. ونعتقد، كمبدأ عام، بأن الحوار الدبلوماسي هو أفضل وسيلة لمعالجة مخاوف الطرفين. نحن نعمل مع العراقيين لتحديد من الذين قاموا بارتكاب أعمال العنف الرهيبة هذه. ولكن كما قلت، إنها مسألة داخلية بين الطرفين، أي بين الحكومة العراقية والحكومة السورية....نأمل بأن ذلك لا يحول دون إجراء حوار بين البلدين".

ويعلّق هانا على ذلك قائلا، مسألة داخلية؟ لنلقي نظرة على بعض الحقائق الأساسية. العراق دولة تشق طريقها بجهد من أجل أن تبقى دولة ديمقراطية وحليف مفترض للولايات المتحدة التي قادت حرب تحرير وتعمل من أجل ترسيخ الديمقراطية في تلك البلاد. ولكن سوريا -- التي هي دكتاتورية قاسية معادية للولايات المتحدة -- جنباً إلى جنب مع أقرب حلفائها جمهورية إيران الإسلامية، عضوة في قائمة وزارة الخارجية الأمريكية "للدول الراعية للإرهاب". فمنذ عام 2003 -- على الرغم من المحاولات المتعددة من جانب الولايات المتحدة والعراق لحل هذه المشكلة من خلال "الحوار الدبلوماسي" – عمل المحور السوري الإيراني بلا كلل من أجل هزيمة المشروع الأمريكي في العراق وفرض انسحاب مذل للقوات الأمريكية.

ويتابع هانا بالقول، تأوي سوريا المئات من البعثيين الذين لم يتصالحوا مع الحكومة العراقية. كما تم الترحيب بآلاف الجهاديين الأجانب في مطار دمشق الدولي. فبعد تلقيهم الأموال، والتدريب، والأسلحة، تم نقلهم إلى الحدود العراقية للمشاركة في الجهاد -- مما أدى إلى مقتل المئات من الجنود الأمريكيين والآلاف من العراقيين. كما أن الاستخبارات العسكرية السورية – التي يترأسها صهر الرئيس بشار الأسد، آصف شوكت (الذي جُمدت أرصدته من قبل وزارة الخزانة الأمريكية لصلته بالإرهاب العراقي) – منهمكة جداً في هذا النشاط، ويقوم وكلائها بصورة نشطة بتسهيل عمل تنظيم «القاعدة» من خلال الشبكات الأجنبية المقاتلة الأكثر تدميراً في العراق.

وكما أعلن الجيش الأمريكي، فمن الصحيح أن تدفق الجهاديين من سوريا قد تباطأ بشكل كبير في العام الماضي. بيد، كان ذلك يتعلق بنجاح عملية "زيادة" القوات الأمريكية في العراق، والتحسن الشامل في البيئة الأمنية في تلك البلاد، وقيام تنظيم «القاعدة» بتسريب المجندين إلى المسرح الأفغاني الأكثر وعوداً، بصورة أكثر من أي تدابير تم اتخاذها من قبل سوريا.

ومن الصحيح أيضاً أن سوريا قد قامت في السنوات الأخيرة بشن حملة صارمة ضد المتشددين الإسلاميين -- ولكن فقط ضد أولئك الذين يرفضون الإنصياع إلى قواعد الاستخبارات العسكرية السورية ويصرون بعناد على استهداف النظام السوري، بالإضافة إلى [الديمقراطية] القائمة في العراق.

ولم يكن الهدف من الحملة الأمنية السورية في حد ذاتها وبأي حال من الأحوال، القضاء على شبكات المقاتلين الأجانب المميتة، بل الهيمنة عليها ووضعها تحت سيطرة المخابرات السورية. والحقيقة هي أنه بينما قد يكون هناك عدد من الشبكات الفاعلة ذات الصلة بتنظيم «القاعدة» التي تستمر في القيام بعمليات إرهابية، والتي هي أقل بكثير من عدد الشبكات التي كانت عاملة سابقاً، إلا أن تلك الخلايا الباقية تستمر بتنفيذ عمليات إرهابية قاتلة ضد العراق بمعرفة، وبركة، ومساعدة السلطات السورية -- مثلما ادعت حكومة المالكي.

ويستدرك هانا بالقول، في حين تعْلم إدارة أوباما عن كل ذلك، وتضع في اعتبارها بأن لدى الولايات المتحدة الكثير على المحك فيما يتعلق بنجاح العراق، فالسؤال هو كيف يمكن للإدارة الأمريكية اعتماد موقف مشابه لذلك الذي يمثله "أحد المارة" اللا مبالين في هذا الصراع؟ فللمرة الأولى منذ عام 2003، هناك حكومة عراقية مستعدة لمواجهة إحدى جاراتها الراعية للإرهاب، وأخذ زمام المبادرة في حشد المجتمع الدولي إلى جانبها. [وهناك أسئلة أخرى تلقي بثقلها على هذه المناقشة]: كيف تستطيع الولايات المتحدة البقاء على الهامش؟ ما هي الرسالة التي تبعث بها هذه السياسة من ناحية عزم الولايات المتحدة على الوقوف إلى جانب حلفائها الذين يتعرضون لهجوم إرهابي؟ إذا كان العراق، الذي حصل على استقلاله بتضحيات هائلة بالدم والمال الأمريكي، لا يستطيع الاعتماد على تضامن الولايات المتحدة، فما هي الدروس التي سيستخلصها الآخرون الذين يتطلعون إلى واشنطن للحصول على الدعم والطمأنينة ضد طغاة عدوانيين؟

ويتعمّق هانا بالتساؤل أكثر فأكثر، حتى لو كانت الولايات المتحدة لا تستطيع تأكيد إدعاءات المالكي حول مسؤولية سوريا عن التفجيرات التي وقعت في 19 آب/أغسطس الماضي، فلا يزال باستطاعتها صياغة بيان يوضح موقفها في ضوء تراث العنف التي ترعاه سوريا في العراق. وقد تكون إحدى هذه الصياغات على غرار: "وبينما نحن نعمل بشكل وثيق مع العراق لكي نُقرر بالضبط من الذين ارتكبوا هذه الهجمات المحددة، لدى الولايات المتحدة مخاوف قائمة منذ زمن طويل بشأن دور سوريا كنقطة عبور رئيسية للمقاتلين الأجانب وملاذاً لمتمردين مسلحين. نحن نؤيد تأييداً تاماً نداء العراق للمجتمع الدولي بأن يتخذ خطوات نشطة لفرض قرارات الأمم المتحدة التي تتطلب قيام جيران العراق بمنع عبور الإرهابيين منه وإليه، وكذلك الأسلحة والتمويل التي من شأنها أن تدعم الإرهابيين.

ويتابع هانا بالقول، يجب إعطاء سوريا الخيار: بإمكانها أن تصبح جزءاً من الحل في العراق، أو بإمكانها أن تبقى جزءاً كبيراً من المشكلة، من حيث لا يمكنها الارتباط بالخيارين على حد سواء". ومن المفيد أيضاً قيام الرئيس أوباما بإجراء مكالمة هاتفية مطمئنة مع المالكي يعبر فيها عن غضبه ودعمه [للحكومة العراقية]؛ وينطبق الشئ نفسه على قيام وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بإعطاء التزاماتها بجعل مسألة الدعم السوري والإيراني لأنشطة العنف في العراق موضوع هام تتحدث عنه في جميع لقاءاتها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر أيلول/سبتمبر.

وبطبيعة الحال، من الصعب، عدم التساؤل عما إذا كان ابتعاد الإدارة الأمريكية عن الخوض في الأزمة بين العراق وسوريا لا يكون متأثراً بصورة كبيرة بجهود الولايات المتحدة المستمرة للتعاطي مع نظام الأسد. فقبل أن يشرع وزير الخارجية التركية في مهمته الخاصة للتوسط في الأزمة، تكلم عن محادثة هاتفية أجراها مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في 30 آب/أغسطس المنصرم، وبدا منها بأنه تُعطى الآن أولوية هامة إلى عزل العلاقات الأمريكية السورية [عن أحداث قد تؤثر على سياسة التعاطي بين البلدين]. وقال الوزير أن "هناك تطورات إيجابية للغاية بدأت تأخذ مجراها مؤخراً تخص العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة – تلك التطورات التي نحن نشجعها أيضاً. نحن نعلق أهمية كبيرة بأن لا يؤثر تدهور [العلاقات] بين سوريا والعراق على العلاقات الثنائية بين سوريا والولايات المتحدة".

ويستدرك هانا، لقد بُذل بالتأكيد جهد كبير من جانب الإدارة للتواصل مع نظام الأسد، على الرغم من أنه ما زال من غير الواضح ما هي ثمرة ذلك الجهد. ففي الأشهر القليلة الماضية قامت ستة وفود أمريكية رفيعة المستوى بزيارة دمشق، التمست خلالها بقيام المزيد من التعاون السوري في مجموعة من المشاكل في الشرق الأوسط. وقد ضم وفدان من تلك الوفود مشاركة ضباط عسكريين كبار من القيادة المركزية الأمريكية حيث طلبا مساعدة سوريا في إغلاق طرق تسلل المقاتلين الأجانب -- وقد قام الوفد الثاني بزيارته قبل أسبوع واحد فقط من المجزرة التي وقعت في بغداد في 19 آب/أغسطس المنصرم. وعند استجابة الإدارة الأمريكية للمطالب السورية، أعلنت بأنها ستعيد السفير الأمريكي إلى دمشق، وتخفف القيود المفروضة على إصدار تراخيص التصدير من سوريا.

وبالرغم من اعتراف المسؤولين الأمريكيين سراً بأنه لم يكن هناك أي تغيير حقيقي في السياسات السورية حول لبنان، أو فلسطين أو العراق، يبدو أن الرئيس أوباما ملتزم شخصياً بالتودد والتقارب من الرئيس الأسد. وفي الآونة الأخيرة انتشرت شائعات عن قيام أوباما ببعث رسالة أكد فيها رغبته في تحسين العلاقات الأمريكية السورية. وقد قيل أن الموضوع الذي ركز عليه الرئيس الأمريكي، كان يهدف إلى إعادة عقد محادثات سلام مباشرة بين سوريا واسرائيل بعد توقف دام ما يقرب من عشر سنوات. وبالتالي، من السهل التصور بأن تردد الإدارة الأمريكية في التورط في النزاع بين العراق وسوريا يعود، على الأقل جزئياً، إلى إصرار الولايات المتحدة على عدم الإساءة إلى الأسد وتعريض فرص هذا النوع من الإنفراج الدبلوماسي المُتصوَّر إلى الخطر.

ويستنتج هانا بالقول، إن ذلك سيكون أمراً مؤسفاً. فالولايات المتحدة لا تتصرف أبداً بشكل جيد - لا سيما في دوامة السياسة في الشرق الأوسط - عندما تتجاهل مصالح اصدقائها في محاولة لجذب خصومها. وعادة ما ينظر الخصوم إلى لفتات من هذا النوع كعلامات ضعف وتردد، ويكثفون جهودهم من أجل الاستمرار في سلوكهم السيئ. وفي الوقت نفسه، غالباً ما يؤدي ذلك إلى قيام الولايات المتحدة - بسبب المظاهرات التي تحدث ضدها والتي تتهمها بالخيانة كدولة لا يمكن الثقة بها - بعقد صفقات سيئة مع أعدائها في محاولتهم لإنقاذ أنفسهم.

ويختم هانا مقاله بنتيجة مفادها، عندما يتعلق الأمر بالديكتاتوريات المعادية للولايات المتحدة بشكل عام، وسوريا بشكل خاص، يشير التاريخ إلى أن النفوذ والضغط، وليس الطمأنينة وتقديم التنازلات غير المشروطة، هي الطرق الأكثر موثوقية التي تضمن قيام الانخراط الدبلوماسي بخدمة أهداف الولايات المتحدة. إنه درس مهم سيفيد إدارة أوباما إذا ما لفتت الإنتباه إليه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/تشرين الثاني/2009 - 22/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م