التهديدات التركية والقصف الايراني لكردستان..إلى متى.؟؟

علي الأسدي

تردد في الأنباء يوم 7 أكتوبر الجاري كما ذكرته وكالة ( آكي ) الايطالية، أن البرلمان التركي قد اصدر تفويضا جديدا مدته سنة، يمدد به صلاحيات الجيش التركي لشن هجمات عسكرية داخل حدود كردستان العراق، بهدف ضرب معاقل يزعم أن حزب العمال الكردستاني يستخدمها لشن هجمات وأعمال قتالية داخل تركيا ضد قوات الشرطة والجيش فيها. وكانت القوات العسكرية التركية قد قامت بشن عملية عسكرية داخل حدود العراق في منطقة الزاب، العام الماضي، ضد مواقع للحزب في أراضي قصية في المناطق الجبلية بكردستان العراق.

ونقل عن مراد قريلان رئيس اللجنة القيادية للحزب المذكور تعليقا على ذلك التفويض قوله : "إن أية حملة جديدة من الجيش التركي تعني تقويض الإنفتاح الديمقراطي على القضية الكردية بالبلاد ". وكانت بوادر مشجعة قد ظهرت عن رئيس الحكومة التركية رجب أردلان باختياره  طريق الحوار مع ممثلي الأكراد الأتراك وربما بطريق غير مباشر مع حزب العمال الكردستاني التركي المحضور، القصد منه تحسين العلاقات وإزالة القيود عن الحقوق الذاتية للكرد الذين يخضعون منذ عهود طويلة للتهميش والتمييز اللاانساني غير المقبول حضاريا.

السلطات التركية التي تسعى للانضمام للاتحاد الأوربي تخضع منذ أمد لمحاولات نظرائها الأوربيين لتليين موقفها من حقوق الشعب الكردي في تركيا، والتخلي عن سياسة الممانعة والتزمت تجاههم، وبإجراء تعديلات دستورية أساسية تعيد لهم حريتهم كاملة مثلهم مثل المواطنين الآخرين وطبقا للاعلان الدولي لمبادئ حقوق الانسان.

 لكن التحرك الأخير للبرلمان التركي يؤشر لانتكاسة كبيرة لمشروع رئيس الوزراء للانفتاح على المسألة الكردية وتعامله بواقعية مع مقترحات الاتحاد الأوربي باجراء الاصلاحات الدستورية اللازمة لهذا الانفتاح. يعني هذا بدون أدنى شك نجاح الضغوط التي يمارسها جنرالات الجيش التركي على حكومة أردلان وعدم السماح له بالانفراد في معالجة المشكلات القائمة مع المجتمع الكردي وحركته التحررية الصاعدة، متجاهلين حقيقة أن الشعب الكردي لن يتوقف عن النضال قبل حيازته لكافة حقوقه القومية المغيبة.

إنه تحول سلبي في السياسة التركية التي قررت في وقت سابق من العام المنصرم  المضي في طريق الحوار وفتح قنوات التفاهم التي كانت شبه مغلقة مع أكبر مكون من مكونات المجتمع التركي.

 لقد علق قريلان على هذه الانتكاسة في السياسة التركية تجاه المعضلة الكردية  قائلا إن - "تركيا غير قادرة لوحدها على اتخاذ مثل هذه القرارات الخطيرة من دون مباركة امريكية، لذا نلاحظ أن رئيس الوزراء التركي لم يعبر عن موقفه بشكل واضح الا بعد رجوعه من أمريكا، حيث أن تفويض الجيش بالقيام بحملة عسكرية شاملة يعني اعلان الحرب ليس فقط ضد الكردستاني بل ضد العراق أيضا ً"، على حد زعمه.

وكان السفير الأمريكي في أنقرة قد أشار في تصريحات نقلتها وسائل إعلام تركية إلى أن الإدارة الأمريكية قد مارست ضغوطا كبيرة على المسؤولين العراقيين لوقف مساعداتهم للكردستاني والعمل على دفع مقاتليه لتسليم أسلحتهم. وأضاف الدبلوماسي الأمريكي "لقد طلبنا من قادة العراق وإقليم كردستان أن يقطعوا كل الدعم عن مقاتلي الكردستاني، لأن العراق وتركيا وأمريكا يعتبرون الكردستاني منظمة إرهابية و لابد من تجريدها من السلاح"، حسبما نسب إليه.

تصريحات تثير الاستغراب والغضب في آن، يطلبون من العراق مالم يستطيعونه هم برغم ما يمتلكونه من اسلحة وجنود وطائرات، وكأن العراق إحدى شركاتهم الأمنية يحركونها كيفما وأينما يشاءون، وما تفوه به السفير الأمريكي في تركيا لم يكن له أي معنى غير إعطاء الضوء الأخضرللقوميين الشوفينيين من جنرالات الجيش التركي للقيام بعملياتهم العدوانية عبر الاراضي العراقية للفتك بسكان القرى العراقية الكردية الآمنة.

 تصريح المسئول الأمريكي تثير الشفقة، وإلا كيف يطلب من العراق بنزع أسلحة حزب العمال الكردستاني، وهو غير قادر حتى بمساعدة القوات العسكرية الأمريكية على نزع أسلحة مليشيا واحدة في العاصمة بغداد؟

أليس الحوار مع الأكراد في تركيا أسهل وأفضل وسيلة للبحث عن حلول تحل السلام والتعاون الأخوي بين أكبر مكونين للشعب التركي؟

 إن الأمريكان يعرفون جيدا أن لغة السلاح لم تثمرعن أي شئ، فلم تثمر لحد الآن في تركيا لتركيع الأكراد، كما لم تثمر في أفغانستان أيضا، ولا حتى في العراق؟

 لقد كان للأمريكان حوارا ناجحا مع حملة السلاح ضد الحكومة العراقية منذ 2003 وتمكنوا بفضله أخيرا من وقفه،  فتجربتهم الناجحة في إعادة الاستقرار إلى الأنبار ومناطق أخرى تمت بعد ما باشروا حوارا مع المسلحين هناك، وتوقف نتيجتها الصراع الدموي العبثي الذي كان سيستمر حتى اليوم. وما تجربتهم في فيتنام إلا مثالا على فشل خيار السلاح. للفيلسوف الاسباني جورج سانتايانا قول مأثور جاء فيه " الذين لا يستطيعون تذكر أخطاء الماضي محكوم عليهم بتكرارها ". ويبدو أن الأتراك وقبلهم الأمريكان قد نسوا على ما يبدو أخطاء الماضي وسيكتب عليهم تكرارها حتى يتذكروا؛؛؛.

 وهاهم جيراننا الايرانيون يسيرون في نفس الطريق الخاطئ الذي تسلكه تركيا منذ عهود، فمتى يتذكرون أخطاءهم وأخطاء الآخرين ليتوقفوا عن تكرارها من جديد؟

فقبل أيام تساقطت القذائف الايرانية على السكان العزل في القرى الكردية الحدودية المحاذية لها في كردستان العراق، دون مراعاة لما قد تحدثه تلك القذائف من أضرار بشرية ومادية. لقد سقط بسبب تلك القذائف عددا كبيرا من الضحايا البشرية من الرجال والنساء، شيوخا واطفالا، ودمرت مساكنهم ومنتجاتهم الزراعية وماشيتهم دون حسيب أو رقيب. ولم تقم السلطات الاتحادية أو الكردستانية بارسال المعونات العاجلة لذوي الضحايا ومساعدتهم للتخفيف من مصابهم المروع. لم ترفع السلطات العراقية صوت عتاب للأشقاء في اللطم والنواح، ولم تجرؤ على تقديم احتجاج رقيق اللهجة إلى مجلس الأمن الدولي باعتباره عدوانا وخرقا للسيادة الوطنية العراقية. لقد كان على الحكومة العراقية الطلب من مجلس الأمن إرسال بعثة لتقصي الحقائق على الأرض وتقييم الأضرار التي تعرض لها المواطنين العراقيين في تلك القرى الفقيرة التي تفتقد لأبسط الخدمات الطبية  الضرورية. عدوان مسلح بالقذائف، انهارت على  إثره مساكن على من فيها، لم تثر انتباه الحكومة العراقية، بينما سمع صراخ رئيس الوزراء  ووزير خارجيته كل من له آذان، عندما اشتكى من الانفجارات التي هزت مكاتب حكومته في المنطقة الخضراء في يوم الأربعاء الدامي في 8 آب الماضي.

 لماذا لم تحتج الحكومة العراقية على العدوان الايراني مع أن الأخيرة قد خرقت كل عهود الاخاء والتعاون التي يجري ترديدها ليل نهار، وهي تفعل ذلك الآن مع سبق الاصرار والترصد؟

هل دماء وأملاك مواطنينا في تلك القرى النائية أرخص من تلك التي سفكت في المنطقة الخضراء؟

ألم يرف لنواب مجلس نوابنا الموقر جفن وهم يستمعون لاستغاثة أولئك القرويون على الحدود الايرانية من الجور والظلم الذي يتعرضون له دون وجه حق من وراء الحدود؟

إن على رئيس الوزراء أن يثبت للشعب العراقي أن دولة القانون تحمي أي مواطن في أي جزء من العراق، وأنه لا يساوم على دماء أحد حتى مع الايرانيين؛؛

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/تشرين الثاني/2009 - 22/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م