حملات المقاطعة النسائية في السعودية

نوال موسى اليوسف

الحملات لا تضر المجتمع بل تخدم مسيرة تطوره ودينامكية حركته نحو التغيير المنتج والايجابي!!

حملات المقاطعة النسائية هي نتيجة طبيعية لتطور المجتمع السعودي، ودخوله لمرحلة جديدة من الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والديني بكل أبعاد هذا الحراك.

 وبرأيي أن تغييب الناس وتهميشهم،وشعورهم بالظلم من جراء هذا التهميش المتعمد،وغير المتعمد للكثير من شرائح المجتمع السعودي،جعل شريحتي الشباب والنساء بل وكافة شرائح وطبقات المجتمع السعودي يلجأ لإطلاق مثل هذه الحملات،خصوصا مع وجود تقنية الإتصال الشبكي المريح والميسر في المملكة،والرغبة الزائدة في الوصول للآخر عبر العالم،هؤلاء الشباب، والنسوة اللاتي لا يجدن في الغالب التأييد والدعم الاجتماعي والأسري والمادي وحتى نقص دعم الدولة،أو قصوره في الامتداد لكل شرائح المجتمع المهمشة في جميع أرجاء البلاد،وغياب مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية،والواسعة الانتشار،والمتنوعة الخدمات والأهداف،وغياب أي دور للجمعيات والهيئات الحكومية في الجانب الذي يعشقه الناس في الوقت الحالي جعل هذه الشرائح تنشأ لتنفيذ ما تشعر بأنه مكمل لها ولوجودها الإنساني إذ أن كل إنسان في النهاية خلق من أجل ما هيأ له.

وهنا في بلدنا السعودية نجد أن شرائح محددة وطبقات إجتماعية محددة هي التي تحظى بلعب الأدوار الأساسية وغير الأساسية في المجتمع والدولة،وبالتالي يجد أكثر الناس أنفسهم مهمشين،ومجبرين على صناعة نمط وشكل الحياة التي يريدون،كما أن غياب كل أشكال الديمقراطية في المجتمعات الإنسانية أيا كانت هذه المجتمعات في ظل وجود مجتمعات ديمقراطية تنشأ في دول الجوار الخليجي وعبر العالم،حتى وإن كانت ديمقراطية شكلية لا فعلية،يجعل هؤلاء الأفراد في مثل مجتمعنا يتطلعون إلى وجود الأشكال الديمقراطية في صناعة الرأي،والرأي الآخر،رغبة في الإحساس بالوجود ولعب الأدوار الاجتماعية المؤثرة وغيرها والجديدة في المجتمع.

 وارى أن الحراك العالمي ذي النمط التحولي السريع الذي تتأثر به كافة المجتمعات الإنسانية،فالسعودية ليست بعيدة عن التأثر به،والموطنون السعوديون ربما يكونون من أكثر شعوب العالم العربي تأثرا بأنماط هذا الحراك، ذلك لأننا نتحول نحو الأفضل،وأن المجتمع السعودي بنسائه ورجاله وأطفاله جميعه توجد الآن الرغبة في داخله للتطور،وهذه النزعة التطورية لديه نابعة من سنوات طويلة من الركود في الحراك بكل إبعاده ومستوياته الاجتماعية وغير الاجتماعية، الكل يلهث اليوم بما فيهم ما يطلق عليه بمجتمع الأقليات والنساء والشباب في البلاد إلى البحث عن دور له في هذا الحراك السائر بقوة نحو التجدد والنمو،وهنالك صراع كبير للحصول على الفرص، ويظهر هذا في ظهور أعداد كبيرة من المدربين والمدربات في مختلف أنواع العلوم والمهارات وبخاصة من غير المتخصصين والمتخصصات الراغبين في الشهرة واقتناص الأدوار والاتجار بالعلم على الرغم من تأثيرهم المحدود على حركة الإنتاج في المجتمع المتحول نحو الانفتاح والتمدن المغاير لطبيعة المجتمع التقليدية والعرفية.

أما بالنسبة لنشوء حملات مضادة للتغيير والرغبة في الإصلاح ورفض الحراك المتعدد في السعودية،هو أيضا يمكن اعتباره شكلا من أشكال التخلف، وهذا ينشأ نتيجة لرغبة المحافظين على تقليدية المجتمعات للاحتفاظ بأدوارهم ومناصبهم التقليدية،ظنا منهم أن هذا التحول الايجابي سيحرمهم من حصصهم في المشاركة في قمع المجتمع وإعادته نحو التجمد والوصاية الكاملة.

 كما أرى أن المحافظة على تقليدية المجتمع أحيانا تظهر من بعض صانعي القرار في وطننا،نحن وطن متدين لاشك في ذلك،ونحن موطن الحرمين ويجب أن نكون قدوة للآخر وهذا أمر طبيعي،إنما لا ينبغي أن تكون هذه المثالية الافتراضية سيفا أبديا مسلطا على المجتمع لإغراقه في التخلف والتقليدية البغيضة،وهنا على صانع القرار أن يوازن بين الأمرين، بين متطلبات المرحلة وحاجة الشعب للتغيير والنمو والحراك المتنوع كسائر المجتمعات الإنسانية المتحولة، وبين المحافظة على مثالية وتدين الشعب باعتباره قدوة للشعوب الأخرى في عالمنا العربي والإسلامي.

وأعتقد أن حدوث هذا النوع من التوازن برأيي المتواضع جدا هو بداية لخلق مناخات متعددة للحراك ومناخات ينبع أو يولد فيها الشعور بالانتماء والحميمية للوطن،والشعور بالولاء نحوه،لكن تغييب أعداد كبيرة من الشعب من المشاركة الشعبية يجعلها تشعر بأنواع متعددة من الظلم وبالتالي تنهض إلى تحريك نفسها واستنهاض هممها في مثل هذه الحملات وسواه،حتى لا تشعر بالموت وهي لا تزال تنبض ببريق الحياة ورمقها.

 وعلى العكس من ذلك فأنني لا أجد في أن هذه الحملات يمكن ان تعكس جانبا سيئا ينبغي مواجهته من قبل الأوصياء على النساء أو حتى المجتمع بكامله،فنحن نحتاج إلى هذا النوع من الحراك حتى نستطيع رسم المستقبل،القادم لوطننا،لكن لا ينبغي أبدا مصادرة حرية الآخر في التعبير ذلك لأن الديمقراطية التي لا تقبل التعددية في الرأي لا تعد ديمقراطية فاعلة ومؤثرة، كما ان الناس لا يقبلون عليها ـ وأرى ان هذه الحملات هي صورة من صور وأشكال التعبير الحديثة عن الرأي - حيث لا تتوفر في السعودية الفرصة لإبداء الرأي بحرية،وهناك التشكيك في ولائية المواطن لوطنه لأنه عبر عن رأيه ورأي الملايين من الناس في حاجتها لهذا النوع من الحراك الخاص بحرية التعبير والرأي.

كما أرى أن قمع مثل هذه الحملات أو تجريمها من قبل الآخر هو بمثابة حكم بالإعدام على هؤلاء الراغبين في تنفس هواء الحرية والتعبير عما يريدون،وهنا أنت تصنع قنابل موقوتة وجاهزة للانفجار في أي وقت في وجه المجتمع الذي يُغيب ويهمش هذه الشرائح الهامة في المجتمع وبالتالي لا أرى ان لها أي انعكاس سيء على الدولة والمجتمع لأن هذه الحملات جزء من ضريبة التحول العالمي نحو الآخر والتفاعل معه والسعودية كوطن ودولة لا ترغب في أن تكون في آخر الركب التقدمي الناهض بقوة نحو الازدهار.

 وحتى لو كانت هذه الحملات ربما تحمل نوعا من العداء للوطن وللقيادة،فإنه لا يجب مواجهتها، وأنا كإعلامية وباحثة في العلوم السياسة والاجتماعية وكواحدة من بنات وأبناء هذا الوطن،أرى أنه من الأهمية بمكان إفساح المجال لكل فرص التعبير عن الرأي في شتى الصور،وعلى صانع القرار والمهتمين بالبحث العلمي السعي لدراسة مثل هذه الظواهر الجديدة البروز في المجتمع السعودي،ومن ثم إحداث الاستراتيجيات المستقبلية على ضوئها، إذ ليس كل صاحب رأي أو رؤية أو قائد حملة مغايرة هو عدو للوطن والأمة والمجتمع السعودي وقيادته وعدو للدين.

 وهنالك الكثير من الذين يُعتد بوطنيتهم وولائهم للسلطة والمجتمع والدولة والدين اليوم على حساب وطنية الآخر يقومون بتضليل صانع القرار لصالح بقائهم هم بالقرب منه لفترات طويلة، وحرمان الفئات الأخرى من الشعب من حقهم في المشاركة والتغيير وتسيير عجلة الإنتاج نحو الأفضل،فأبسط شيء ان يمارس الموطن حقه في التعبير بحرية وشفافية عما يختلج في نفسه من أفكار ورغبات وحاجات، قد يرى إنها ضرورية لبقائه على قيد الحياة ككائن منتج ومؤثر أيا كان شكل هذا التأثير محدودا أو غير ذلك.

إن خنق صور الحريات لا يعني أبدا توفير الحماية للمجتمع،بل يعني الإضرار البالغ بسلامة المجتمع ونموه وتحركه الطبيعي، وارى أن تعاطي المجتمع مع قضاياه بهذه الصور من صور التعبير المتعدد يمنح الدارسين وصانعي القرار الفرصة لفهم المجتمع وتحوله،وتطور صور التعبير فيه والتعاطي معه وفقا للمعطيات الجديدة.

هذه الحملات وإن كان بعضها مؤثرا بشكل قد يراه البعض أنه بسيط ومؤقت،هو يؤسس لثقافة الحوار وتعدده وتطوره مع اختلاف وسائل التعبير،وتظهر هذه الحملات كما سبق ان نوهت في المجتمعات التي تغيب عنها الديمقراطية في التعامل ويستشري فيها التهميش والقمع المجتمعي،ولذلك نرى أن كل المهمشين في العالم اليوم يسعون إلى بناء أنفسهم سعيا لأمل رقيهم في المستقبل القادم،كما ان هؤلاء المهمشين هم من يقودون العالم اليوم،وان كل أشكال الصراع في العالم بدأت بمناهضة هؤلاء المهمشين لمن يقصونهم ويحرمونهم من جميع فرصهم في التعبير والمشاركة الشعبية.

هذه الحملات ستبقى مستمرة ومتطورة ومتعددة سواء من قبل السعوديين أو سواهم حول العالم،حتى لو كان الآخر يرى أنها ذات تأثير محدود ومؤقت باعتبارها لا تعدو كونها مجرد شعارات يطلقها محدثوها نتيجة للاحتقان والعثور على فرصة لإثبات الذات وتوجيه الرسائل للآخر ليقول هؤلاء إننا هنا موجودون مهما سعيتم إلى ابتكار أشكال جديدة لتهميشنا.

كما أن مطلقي هذا النوع من الحملات ليس بالضرورة أنهم يسعون إلى تعبئة الرأي العام حولها للقيام بادوار التوقيع،وإنما في أحايين كثيرة يكون الاطلاع كافيا لخلق ثقافة وأفكار التغيير والمطالبة بالمشاركة الشعبية الديمقراطية على مستوى حرية الرأي والتعبير.

وبرأيي فأن تفاقم القضايا السكانية والاجتماعية والاقتصادية وظهور التفاوت في المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والديني والمذهبي بين الموطنين في المجتمع السعودي،تستقطب المطلعين على هذه الحملات التي تستطيع ان تكشف وتظهر وترصد هذا التفاوت،وتجعل الرغبة في التنافس محمومة بين مؤيدي ورافضي هذا النوع من الحملات خصوصا مع وجود أنظمة حكم لا تنهض على المشاركة الشعبية التي تملك في سياقها الذاتي منابع ومواطن التغيير والتأثير.

كما أن قياس مناعة المجتمع ضد هذه الحملات الترويجية الراغبة في التغيير غالبا،نحو الجديد،أو تلك المحافظة على التقليدية التي لا تطمح نحو التغيير وتخشاه،قد لا يعد مؤشرا دقيقا لرصد وتحديد مدى نجاح هذه الحملات أو تقهقرها في بلدنا السعودية. وفي غيره من البلدان المتنوعة الأجيال،والمتعددة الرغبات والمطالب،تجاه المخاطر الداخلية والخارجية.

 وهنا نرى في استشرافنا للمستقبل لتطور هذه الظاهرة في ظل استمرارية هذه الحملات أن السعي للتغيير لتحقيق ديمقراطية الرأي وحرية التعبير والقرار في السعودية ليس مستحيلا، بل أننا نلحظ أن له حظوظه، وحضوه قابلة للاستمرارية والتطور نظرا لأسباب داخلية وخارجية متشابكة يمكن أن تسهم في حدوث بعض النزاعات المتنوعة بين مطلقيها والجماهير التي تستقبلها وتؤمن بعدالة مطالبها.

* رئيس تحرير صحيفة سعوديات نت إعلامية وباحثة سعودية مستقلة

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/تشرين الثاني/2009 - 22/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م