بالفرح يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك، وطوال أيام الشهر الفضيل
يعيش الصائمون في حالة من الاطمئنان والفرح، وتسيطر عليهم الأجواء
العبادية والروحانية والرغبة للتزود من بركات الشهر الكريم، ولكن في
مساء يوم التاسع والعشرين من الشهر الذي يتوقع انها ليلة فرح وبهجة
ومحبة لأنها ربما تكون ليلة العيد، وفيما الكل مشغول بالبحث عن الهلال
فجأة تبدأ الأجواء تتغير والنفوس تتشنج وتتأثر والآراء تختلف، وشيئا
فشيئا تتبخر الأجواء العبادية ومنها حالة الاطمئنان والثقة والالفة
والمحبة والتسامح إذ ينقسم الناس ويحدث الاختلاف، وتتشتت العائلة
الواحدة، ويسيطر على الجميع حالة الشك والريبة المعاكسة لحالة
الاطمئنان والعبادة والفرح التي كانت مسيطرة على الأجواء طوال فترة
الشهر الفضيل!
لماذا هذا الانقلاب الروحي والوجداني، ومن يقف وراء ذلك. هل العلماء
أم عوام الناس، أم الترهيب الديني والفكري، أم فقدان الوعي بين أفراد
المجتمع؟
في هذا العام ونتيجة اختلاف الآراء حول إثبات رؤية الهلال بين
الفقهاء؛ حيث هناك من يرى بوجوب رؤية الهلال بالعين المجردة لإثبات
الرؤية، وهناك من يرى بجواز الاستعانة بالمكبرات المرئية والتلسكوب
والطائرات والأقمار الصناعية لإثبات رؤية الهلال، وهناك من يرى بجواز
الاكتفاء لقول علماء الفلك بولادة الهلال، ونتيجة لذلك الاختلاف وعدم
وعي المجتمع حدث انقسام، فتعددت أيام العيد على مستوى الأمة الإسلامية،
وحدث انقسام على مستوى الوطن وداخل الأسرة الواحدة، فهناك أفراد في
الأسرة عيدوا اطمئنانا لمن ثبت لديه الرؤية، فيما آخرون لم يعيدوا
وأكملوا صوم الشهر إلى الثلاثين.
رأس المشكلة هو عدم توافر الوعي الكافي لدى شريحة من عوام الناس حول
حق الاختلاف، وأهمية التسامح مع المختلف، واحترام الرأي والرأي الآخر
المستند على الدليل، وكذلك عدم الوعي وليس العلم والمعرفة بان إثبات
رؤية الهلال تثبت عبر الشهود والاطمئنان، بالإضافة إلى عدم إدراك
الكثير من الناس لأهمية إشاعة روح الفرح والبهجة وخلق أجواء العيد بين
أفراد العائلة الواحدة وبالخصوص للوالدين والأبناء وأهمية التضامن معهم،
وتطبيق ما تزود به الصائم من روحانية ومحبة وإخلاص ودروس أخلاقية ومنها
احترام الوالدين والتعاون مع أبناء المجتمع المؤمن.
أليس إدخال السرور والفرح على قلب الوالدين والمؤمنين عبادة؟.
وإذا كان الهدف من الصوم والعيد هو التقرب لله ونيل التقوى وتقوية
الأواصر الاجتماعية، فان معالجة الموضوع بسيطة جدا. أولا: الاتصاف بروح
التقوى والتسامح؛ وثانيا: على من يخاف الوقوع في المحظور أو الحرج أو
الشك أو التسبب في التشتت الأسري والاجتماعي، أن يقطع المسافة الشرعية
للإفطار حفاظا على الاستقرار العائلي والالفة الأسرية والتضامن
الاجتماعي، لا كما يحدث من تشويش وفوضى وكلام من هنا وهناك، فتحدث
بلبلة وزعزعة لروح الاطمئنان والأجواء الروحانية التي تتنافى مع طبيعة
الشهر الكريم، وقتل فرحة العيد في داخل الأسرة الواحدة.
ومن الأمور الغريبة التي وقعت في المنطقة إن بعض العلماء كانوا
مطمئنين بشهادة من ادعى رؤية الهلال «للعيد» ولكنهم لم يستطيعوا
الإعلان عن رأيهم وموقفهم الشرعي خوفا من علماء آخرين لا يرون نفس
الرأي، فعيدوا وأغلب الناس التي يصلون خلفهم صائمين!.
وهناك بعض العلماء لديهم قناعاتهم وطريقتهم الخاصة لإثبات الشهر،
وعدم اطمئنانهم لقول المدعين لرؤية الهلال مهما كان عددهم، بل يصرون
على صوم الشهر لمدة ثلاثين يوما.
ان هذه الحالة خطيرة وغير مقبولة، وتعبر عن حالة من عدم الثقة
والرعب والخوف والقلق والترهيب الفكري والاجتماعي التي يعاني منها بعض
علماء الدين، الذين يفضلون في أيام العيد السفر أو قطع مسافة لعدم
الوقوع في حرج،بينما نصيب عامة الناس غير الواعية للمسألة والقضية هو
الدخول في دائرة الشك والقلق والقيل والقال وقتل فرحة العيد.
إن من أهم أهداف شهر رمضان الفضيل توطيد العلاقة بين العبد وربه
والصفاء والاطمئنان الروحي، وتصفية النفوس وتقوية الروابط الأسرية
والاجتماعية، ونشر حالة الثقة وحسن الظن بين المؤمنين، ولكن للأسف
الشديد أننا نشاهد أجواء ملبدة بغيوم داكنة مرعبة مخالفة لأهداف ورسالة
الشهر الفضيل تخيم على روح الصائمين في نهاية الشهر الفضيل.
الصائمون المؤمنون لا يستحقون هذا الخلاف المتجدد كل عام، وكان من
باب الأولوية أن يعمل الجميع على إشاعة أجواء الفرح والسرور والمحبة،
وان يحرص العلماء على بث روح الوحدة والاتفاق والتعاون بين أبناء
المجتمع فهناك مخارج شرعية كثيرة والله سبحانه وتعالى رؤوف ورحيم،
فينبغي تشجيع أبناء المجتمع على ممارستها، فهناك مئات الأسباب تحتم على
الجميع الاتفاق والوحدة ونشر الفرح وتبادل التهاني والدعوات بالعيد
وقبول الأعمال والصيام والفوز بالجنان في الشهر الكريم المنصرم. |