المنظمات الدولية بين أسباب إخفاقها وضرورة استمرارها

 

شبكة النبأ: لا شك في أن أوباما بإعلانه سوزان رايس Susan E. Rice سفيرًا للولايات المتحدة الأمريكية بالأمم المتحدة، يدشن عهدًا جديدًا للسياسة الأمريكية تجاه الأمم المتحدة. وهو ما تُوج بإعلان الرئيس باراك أوباما عن "إيمانه بأن الأمم المتحدة محفل لا غنى عنه بالكامل"، مشيرًا إلى حقيقة بسيطة وهي أن "التحديات العالمية التي نواجهها تتطلب مؤسسات عالمية للعمل". وهو ما صرحت به رايس عقب اعتماد أوراقها لدى الأمين العام للأمم المتحدة بأن: "رؤية الرئيس أوباما جلية وهي أن أمننا وخيرنا يتعززان على النحو الأفضل بالتعاون والمشاركة مع الدول الأخرى.

ولا يوجد منتدى لذلك التعاون الفعال أهم من الأمم المتحدة". تلك الكلمات ترجمها أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ورئاسته الاجتماع الاستثنائي لمجلس الأمن كأول رئيس أمريكي. بحسب تقرير واشنطن.

وفي هذا الصدد نعرض لدراسة بعنوان "نحو جيل ثالث من المنظمات الدولية: سياسة أوباما نحو الأمم المتحدة Towards a Third Generation of International Institutions: Obama's UN Policy"، للكاتب توماس جي. ويز Thomas G. Weiss وهو رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة مدينة نيويورك، ومدير مؤسسة رالف بونش للدراسات الدولية director of the Ralph Bunche institute for International Studies. وقد أصدر مؤخرًا كتابًا بعنوان " ما الخطأ في الأمم المتحدة وكيف يمكن إصلاحه What's Wrong with the United Nations and How to Fix it".

الأمم المتحدة كيان لا غنى عنه

أشارت الدراسة إلى أن البيان الذي خرج عن اجتماع مجموعة العشرين بلندن في إبريل 2009 كان متفائلاً، حيث أعلن براون رئيس وزراء بريطانيا عن أن "رسالتنا اليوم واضحة ومؤكدة: نحن نؤمن بأن المشكلات العالمية تتطلب حلول عالمية". فعديدٌ من المشكلات المستعصية عابرة للدول، والتي تتنوع ما بين التغيرات المناخية، والهجرة، والأوبئة، والإرهاب، والاستقرار المالي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل. ولكي يتم مواجهة هذه المشكلات يتطلب الأمر التحرك على مستوى عالمي وليس فرديًّا أو ثنائيًّا أو حتى تعدديًّا. وهو ما يمكن أن توفره الأمم المتحدة كمنبر عالمي.

ووفقًا لهنري كيسنجر Henry Kissinger الفوضى المالية والسياسية الحالية في العلاقات الدولية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا، وتسلط الضوء على الفجوة بين المنظمات الاقتصادية والسياسية العالمية: "العالم الاقتصادي اتجه إلى العولمة. فمؤسساته وصلت إلى العالمية، وعملت من قبل قواعد أساسية تفترض وجود التنظيم الذاتي للسوق العالمي. الانهيار المالي كشف عن سراب. جعل من الواضح عدم وجود مؤسسات عالمية تخفف الصدمة وتغير الاتجاه".

وهكذا، فالمنظمة العالمية تتطلب التعزيز حتى تصبح كما وصفها أوباما منظمة عالمية وليس كمجموعة الدول السبع، أو مجموعة الدول الثماني أو في آخر التطورات مجموعة دول العشرين التي تشمل القوى الصاعدة، أو كالتحالفات المؤقتة أو رابطة الدول الديمقراطية League of Democracies التي جاء بها روبرت كاجان Robert Kagan، وإنما ككيان عالمي.

وأشارت الدراسة إلى أن أجندة واشنطن فيما يخص الأمم المتحدة لابد ألا تقف على عمليات إعادة الإعمار التي تلت الصراعات في أفغانستان والعراق، ولكنها لابد أن تشمل أيضًا محاربة الإرهاب، مثل: مشاركة المعلومات، مراقبة أنشطة غسل الأموال، ومواجهة الأمراض المعدية، والحفاظ على البيئة المستدامة، ومراقبة حقوق الإنسان، وتوفير المساعدات الإنسانية، ومواجهة الفقر العالمي، وإعادة جدولة الديون، وتعزيز التجارة، والتي يمكن أن نضيف إليها عمليات القرصنة البحرية.

وفي هذا الإطار أكدت الدراسة على حقيقة تاريخية عادة ما يتم إغفالها: وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية كان لها السبق في أن تكون أول دولة تصدق على ميثاق الأمم المتحدة، بعد موافقة مجلس الشيوخ في 28 من يوليو 1945، وذلك بعد شهر من توقيع 51 دولة حضرت مؤتمر سان فرانسيسكو. وقد حان الوقت الآن لأن تتولى الولايات المتحدة الأمريكية هذه المسئولية مرة أخرى.

أسباب قصور عمل الأمم المتحدة

وقد ذكرت الدراسة عددًا من الأسباب التي سببت قصورًا في مهام الأمم المتحدة ، أولها: نظام ويستفاليا وحرص كل الدول على سيادتها وهو ما جعل الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية تعرقل أعمال الأمم المتحدة بحجة حفاظها على سيادتها. بينما المشكلة الثانية تدور حول التقسيم الاصطناعي بين دول الشمال الصناعية والدول النامية في الجنوب، والذي بدأ في الخمسينات والستينات كان من ضمن انعكاساته ظهور حركة عدم الانحياز، ومجموعة ال77 الخاصة بالدول النامية، وقد ظلت هذه التكوينات سجينة خطابتها التي خلقت عقبات لا يمكن التغلب عليها.

أما المشكلة الثالثة، وهي الأمراض الهيكلية الناتجة عن تداخل التشريعات وغياب التنسيق ومركزية التمويل بين وكالات الأمم المتحدة وأجهزتها. وأخيرًا، الإجراءات البيروقراطية المعقدة. فعادة ما يكون النجاح وليد الصدفة وليس عن توظيف أفضل الأشخاص لأسباب صحيحة وهياكل مؤسسية تهدف إلى تحقيق التعاون.

وصفة لإصلاح جهاز الأمم المتحدة

عرضت الدراسة عددًا من السبل التي يمكن من خلالها إصلاح الأمم المتحدة، أولها، إعادة تعريف المصالح القومية في ضوء تعزيز مفاهيم المواطنة العالمية الجيدة وتعزيز المسئوليات الدولية واحترام التعهدات الدولية.

وقد عبرت رايس بوضوح عن حاجة واشنطن لأخذ زمام المبادرة في الحالات التي تحتاج إلى تدخل الضمير بدلاً من تكرار أخطاء مثل قرار كلينتون المؤسف بالخروج من رواندا في 1994. خاصة في ظل وجود حالات مشابهة في اللحظة الراهنة مثل الكونجو، ودارفور، وزيمبابوي، وفي هذا الصدد أشارت الدراسة إلى أن جون بريندرجاست John Prendergast الذي يشن حملات لمنع الإبادة الجماعية، أطلق على المتخصصة في شئون أفريقيا رايس، ووزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون، ومستشار الأمن القومي جيمس جونز Gen.

James Jones، "فريق الحلم dream team"حيث رأى بأنه فريق واعد بتحويل الخطاب إلى عمل.

من ناحية أخرى، العمل على تجنب الحديث عن الشمال والجنوب وهو ما أكدته رايس في جلسة الاستماع "التقسيمات القديمة" للقرن العشرين التي لا يجب أن تعوق واشنطن في القرن الواحد والعشرين. ففي المستقبل، على واشنطن أن تبني جسورًا عبر الانقسامات التي أصبحت في واقع الأمر على نطاق أوسع في فترة إدارة الرئيس بوش. حيث تبدأ إدارة أوباما من مستوى منخفض للتعاون خلفه بوش ومن هنا لابد أن يبحث عن شرعية أكبر وائتلافات أكبر داخل المؤسسات الدولية لقضايا مثل: التغير المناخي، تطوير التمويل، والإرهاب. كما يستطيع أيضًا بذل الجهود لجلب الفاعلين غير الحكوميين من المجتمع المدني، والشركات عبر الوطنية، مثل القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية المتنوعة في شراكة أكثر قوة مع الأمم المتحدة.

على الجانب الآخر، رغم أن الأمم المتحدة هي المؤسسة الوحيدة التي يشيع فيها موضوع الإصلاح إلا أنه لم يتم اتخاذ خطوة مفيدة. فمن المؤكد أن هذه المهمة ليست مستحيلة، فيمكن الاتفاق على وسائل بديلة لتمويل المنظمة الدولية، مثل، فرض نسبة ضئيلة من الضرائب على التحويلات المالية، وتذاكر الطيران. غير أن واشنطن قاتلت مثل هذه التدابير في الماضي لأنها ستتيح للأمم المتحدة هذا النوع من الحكم الذاتي الذي تتطلبه.

ولابد، أيضًا، من اتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة تنشيط الخدمة المدنية والموظفين في منظومة الأمم المتحدة الأمر الذي يتطلب العمل والتمويل من جانب الحكومات. فهناك طرق عديدة لجذب مزيدٍ من الموظفين الأصغر سنًّا مع زيادة معدل دوران الموظفين، وعدد أقل من العقود الدائمة مع توفير تطور وظيفي أفضل للمنظمة الدولية في القرن الواحد والعشرين. فالناس الذين يعملون لحساب الأمم المتحدة يمثلون 90% من نفقات المنظمة. ويعد تعزيز الأداء والإنتاجية عن طريق تحسين الإنتاج والكفاءة يجب أن يكونوا على رأس قائمة إدارة أوباما.

أوباما و جيل ثالث من المؤسسات الدولية

أكدت الدراسة على وجود ملامح مرحلة جديدة في السياسة الأمريكية تجاه المنظمة الدولية، ففي إبريل 2009، تراجعت واشنطن عن مقاطعتها لمجلس حقوق الإنسان، وأعلنت أنها ستكون مرشحة للانتخابات، وهو ما رحبت به نيوزيلندا التي انسحبت في وقت لاحق عن ترشيحها لأحد المقاعد المخصصة للغرب. بالإضافة إلى ما عكسه قرار الرئيس أوباما في الأسبوع الأول من توليه منصبه عن إعادة تمويل صندوق الأمم المتحدة للسكان والذي كان مؤشرًا واعدًا لإصرار الرئيس على تعزيز دور الولايات المتحدة الأمريكية في العالم من خلال المشاركة الفعالة في الجهود المتعددة الجنسيات والمؤسسات.

وكذلك الاعتماد على الميزة النسبية التي توفرها الأمم المتحدة في عملية بناء السلام في العراق، فضلاً عن أخذ زمام المبادرة في الأعمال التحضيرية في منتصف 2010 لمنع انهيار معاهدة منع الانتشار النووي، التي يمكن تسريعها بشكل كبير من خلال تنفيذ الاتفاق مع موسكو لخفض الصواريخ النووية بنسبة الثلث وهو ما تم طرحه للمناقشة بين أوباما والرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف في لندن. فضلا عن الأخذ على محمل الجد الأهداف الإنمائية للألفية، والاهتمام بالاجتماع المنعقد في كوبنهاجن في ديسمبر 2009 لمواجهة مرحلة ما بعد اتفاقية كيوتو الخاص بخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.

وفي النهاية تؤكد الدراسة على أهمية تعزيز هذه البداية الجيدة بالإعلانات الصريحة عن الالتزام باتفاقيات جنيف واتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/تشرين الثاني/2009 - 18/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م