لماذا يحارب أوباما وحده!؟

علاء بيومي

استوقفني مقال لأستاذ قانون أميركي يدعى ستانلي فيش نشرته جريدة إنترناشيونال هيلارد تربيون في نهاية الشهر الماضي يتعجب فيه من إستراتيجية الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما السياسية والإعلامية والتي يظهر فيها وكأنه يحارب وحده لتطبيق سياسات إدارته الحالية.

فالرجل أفرط في وضع مصداقيته على المحك في أكثر من قضية سياسية صعبة ومهلكة (سياسيا) إذا صح التعبير.

فعلى سبيل المثال تدخل أوباما في قضية الشرق الأوسط ورفع صوته عاليا مطالبا بوقف كامل عن بناء المستوطنات الإسرائيلية واستمر في ترديد الطلب نفسه ومن خلفه بعض كبار مساعديه لعدة أشهر حتى تراجع مؤخرا، وبدا وكأن أوباما نفسه - أي الرئيس الأميركي - هو من تعرض للخسارة والفشل في إقناع الإسرائيليين وليس مبعوثه الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشل على سبيل المثال.

وعلى المنوال نفسه تصدر أوباما لقضايا مثل إصلاح النظامين المالي والاقتصادي الأميركي بعد الأزمة الأخيرة، وتصدى لقضية إصلاح النظام الصحي، وهي القضية التي فشل فيها من قبل بيل كلينتون وزوجته هيلاري عندما كانا يحتلان البيت الأبيض في التسعينيات، ولا أعلم أن كان لدى الأمريكيين أملا في إيجاد حل لهذه المشكلة في الأمل المنظور.

وتصدى أوباما لإستراتيجية حرب أفغانستان، وظهر مؤخرا على الإعلام الأمريكي وخلال أحد أيام الأحد للدفاع عن سياسته الخاصة بإصلاح النظام الصحي في جميع شبكات التلفزيون الأميركية الكبرى تقريبا فيما عدا فوكس نيوز اليمينية مما جعل البعض يتعجب من إفراط أوباما في الظهور الإعلامي والتساؤل حول جدوى هذا الإفراط في عرض الرئيس مما قد يجعله سلعة تغرق الأسواق يمل المشاهد منها ومن ثم يضعف الطلب عليه وييقل من قيمته.

وأخيرا ذهب أوباما إلى كوبنهاجن الأسبوع الماضي لدعم ملف شيكاغو لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية (2016) على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها أميركا ومدينة شيكاغو في الوقت الراهن، وقلة الميزانية التي رصدتها المدينة للإنفاق على الألعاب الأولمبية في ظل أزمتها الاقتصادية، وعاد خالي الوفاض لدرجة أن كبير مستشاريه دايفيد أكسلرود - وهو الرجل المسئول عن صناعة صورة أوباما - خرج إلى الإعلام ليؤكد أن خسارة شيكاغو في سباق استضافة المونديال لا تعد فشلا لأوباما أو لزوجته أو رفضا لهما.

وبالطبع يدرك أكسلرود أن وسائل الإعلام اليمينية في أميركا لن ترحم أوباما ولن تتسامح مع عودته الفاشلة من كوبنهاجن كما لم تتسامح مع أي من سياساته من قبل، فسوف تصور فشل كوبنهاجن كفشل لأوباما نفسه وكعلامة على رئيس أفرط في استخدام - أو في تصور - قدراته الشخصية وكاريزميته وقدرته على إقناع الآخرين، وفي اعتقاده بأن خطابه البراق قادر على حل مشكلات واقعية عويصة ناتجة عن مشكلات اقتصادية واسعة كمشاكل شياغو أو مشكلات سياسية وتاريخية معقدة ومركبة كمشكلة الشرق الأوسط، وهي اتهامات تعمق اتهام قديم لأوباما بالسذاجة وبالمثالية وبالخطاب البراق الذي لا يدرك الواقع ولا يتعامل معه.

فحتى دينيس روس مستشار أوباما لشئون الشرق الأوسط – والرجل الذي قال عنه أوباما أنه يستمد نصائحه الخاص بالشرق الأوسط منه - يدور كتابه الأخير (والذي مازلنا نقرأ في بداياته) حول خطر مثالية الليبراليين الأميركيين وتصورهم بأنه الصراع العربي الإسرائيلي هو جوهر مشاكل الشرق الأوسط وأن حله ممكن سريعا وسوف يقود لحل مشاكل المنطقة وأن الانفتاح على نظم كسوريا أو كإيران كافي وحده لتغيير سلوكها.

بمعني أخر يبدو أن هناك أصوات متعالية من داخل الحزبين الليبرالي والجمهوري تقول لأوباما أنك مثالي أكثر من اللازم وساذج وعليك التحلي بقدر من الواقعية والخباثة إذا صح التعبير.

المثير هنا - كما يشير ستانلي فيش – هو أن أوباما لا يفتقد للمساعدين الكبار، بل على العكس، أوباما أحاط نفسه بعدد من أشهر السياسيين الأميركيين، فلديه هيلاري كلينتون وجوزيف بايدن في قضايا السياسة الخارجية ولديه مستشارين كبار في المجال الاقتصادي من ورثة عهد كلينتون ومن ألمع خبراء وأساتذة الاقتصاد في أميركا، والكونجرس الأميركي عامر بالقيادات الديمقراطية المسيطرة عليه حاليا والتي قادت الديمقراطيين خلال انتخابات 2006، ولكن ورغم كل ذلك يبدو أوباما وكأنه وضع نفسه منفردا في فوهة البندقية يطلق نفسه تكرار في كل قضية كبرى تتبناها إدارته، أو يطلقه الديمقراطيون في كل قضية إذا شاءوا، وكأنه الرصاصة الأولى أو الوحيدة للديمقراطيين.

وهو أمر يثير التساؤل، ويدفع المرء إلى أعادة تنظيم أفكاره حول أوباما وشخصيته وأسلوبه في الحكم والذي يتعارض بوضوح مع شخصية الرئيس السابق له - جورج دبليو بوش – والذي توارى دائما خلف مساعديه الكبار مثل ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وحتى كونداليزا رايس.

ولتفسير تلك المفارقة يجب الإشارة إلى أن أوباما فاز بأغلبية واضحة في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة والتي جرت في ظروف استثنائية وتاريخية، ظروف انهيار عسكري واقتصادي واضح لأمريكا، وقد أجمع الخبراء الأميركيون على أن انتصار أوباما الكاسح عن منافسه القوي للغاية جون ماكين هو مؤشر واضح من قبل الأميركيين بأنهم يثقون في أوباما ويريدونه أن يقود ويحكم.

ثانيا: رأى البعض أن أميركا على مفترق طرق هام، فالبلد يمر بأزمة، وصفها البعض بأنه أزمة كبرى لليبرالية الأميركية.

فالليبرالية في أميركا في تراجع منذ أواخر الستينيات، واليمين في تصاعد ومعه ازدادت الفجوة بين الفقراء والأثرياء، وتردت البنية التحتية الأميركية، وتراجعت الخدمات الحكومية وعجزت أميركا عن تبني برامج الإصلاح الاقتصادي والصحي وتبنت سياسات خارجية عسكرية مكلفة للغاية، لذا رأى البعض أن الانهيارات الأخيرة والتي تبلورت بوضوح خلال انتخابات 2008 والتي خاضتها أميركا في ظل أزمة اقتصادية عالمية بدأت داخل أمريكا نفسها، وفي ظل خسائر حربية على جبهتين هما أفغانستان والعراق، تعني أن اللحظة مواتية أمام أوباما لإحياء الليبرالية الأميركية من خلال سياسات "عهد جديد" سياسات تعيد لليبرالية الأميركية روحها، سياسات تكبح جماع من عسكروا الرأسمالية الأميركية وأطالوا أنيابها في الداخل والخارج، وتعيد بناء ما هدمته سياسات اليمين على المستويين الأميركي والدولي.

ثالثا: يبدو هنا أن أوباما حاول فعلا طرح بعض الأفكار الجريئة على صعيد بناء علاقة جديدة مع العالم الإسلامي وإصلاح النظام الاقتصادي الأميركي وإصلاح نظام الرعاية الصحية الأميركي وتحويل عجلة الحرب الأميركي من العراق إلى أفغانستان.

ولكن ورغم كل ما سبق لم يقنع أوباما المتشائمين بالتخلي عن تشاؤمهم فقد رأى البعض منذ البداية، ومن خلال قراءة أسماء مساعدي أوباما أن غالبيتهم من الوجوه القديمة التي لم تعرف يوما بمهادنتها أو بانتمائها لتيار الحمائم على غرار هيلاري كلينتون وكبير موظفي البيت الأبيض في عهد أوباما رام إيمانويل.

كما حذر البعض - من أمثال بول كروجمان أستاذ الاقتصاد الأميركي المرموق والفائز بجائزة نوبل 2008 - أوباما من أن النظام الأميركي نفسه لن يسمح له بالتغيير، وكان ذلك في معرض حديث كروجمان عن سياسات إصلاح النظام الصحي، حيث تعجب كروجمان في مقال نشر له مؤخرا من أن معارضي إصلاحات أوباما ينحدرون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ورأى الرجل أن المفارقة السياسية السابقة لا يفسرها إلا سطوة اللوبيات والتي وضعت أعضاء الكونجرس تحت سيطرتها وطوعتهم لخدمة مصالحها، وبهذا بدت حملات أوباما السياسية البطولية وكأنها درب من دروب الانتحار السياسي، فالرجل يحارب وحده، ومساعديه وأبناء حزبه يتوارون خلفه لسبب غير مفهوم، فهل طغى عليهم بكاريزميته المشهودة؟ أم أنهم تركوه ليحارب ويموت سياسيا وحده؟ والجميع يدرك أن النجاح فيما يصنعه صعب إن لم يكن مستحيلا.

ولعل إشفاق البعض على أوباما وهو ما دفع الرئيس جيمي كارتر مؤخرا إلى اتهام بعض معارضي أوباما بالعنصرية وبأنهم يعرضون أوباما ليس لسياساته، ولكن لأنهم لن يقبلوا طواعية بالانصياع خلف قيادة رجل أبيض.

هناك أيضا حديث لم ينته بعد عن تراجع نفوذ أميركا وسلطتها حول العالم وقدرتها الاقتصادية داخليا فالبلد يمتلك أكبر عجز تجاري في العالم ويستدين من الصين بكميات مهولة ويعاني من مستويات بطالة تاريخية ومستقبل اقتصادي غامض، كما أن الجيش الأميركي وهو مصدر القوة السياسية الأميركية يعاني من المهانة العسكرية يوميا في العراق والتي فشل فيها وفي أفغانستان والتي يفشل فيها حتى الآن، وبهذا تبدو دعامتا الإستراتيجية الأميركية الرئيسيتان (الجيش والاقتصادي) في تردي غير مسبوق، وتدهور دفع بعض كبار مراكز الدراسات الإستراتيجية الأميركية إلى الحديث عن دخولنا بالفعل عالم ما بعد القطبية الأحادية.

وهكذا تبدو أميركا المرهقة بالأعباء الاقتصادية والعسكرية غير قادرة على فرض أجدتها الداخلية أو الخارجية.

أضف إلى ذلك أن دراسة أوباما نفسه ومواقفه خلال حملته الانتخابية توضح منذ البداية أنه ليس بالمثالية التي يتصورها البعض فيه، فالرجل قنط من العراق ويريد تركها في أسرع وقت دون تعويضه عن ما ارتكب في حقه من جرائم، كما أن لا ينفتح على الآخرين إلا بحساب وبمعايير مزدوجة تفرق بين الدول والجماعات وبين العلمانيين والمتدينين، كما أنه طوى ملف الديمقراطية ودعم أميركا لها خلف ظهره، وفضل التعامل مع النظم الديكاتورية توافقا مع مصالح أميركا، هذا ناهيك عن مساعديه وفشله في العثور على وجوه جديدة تمثل التغيير الذي يتحدث عنه، هذا يعني أن الفكرية الأوباماوية حملت منذ ولادتها بذور متناقضة وبعض أسباب فشلها.

هذا يعني أننا أمام مشروع أوباومي للتغيير شارف على معرفة حدوده، وأن الشهور الثلاثة المقبلة سوف تكون مفصلية، فسوف نعرف مدى تقبل الكونجرس الأميركي والمعارضة الجمهورية لخطط الإصلاح الصحي والاقتصادي وحرب أفغانستان، ومدى قدرة الاقتصاد على التعافي وقدرة أوباما على فرض أجندته في القضايا السابقة.

وفي اعتقادي أن كلام كروجمان صحيح وأن النظام السياسي الأميركي نفسه لن يسمح لأوباما بالتغيير وأن سرعان ما سيدرك أوباما حدوده وهي نتيجة غير سارة لكثير ممن تمنوا التغيير، كما أخشى من أن مساعدي أوباما الديمقراطيين المحنكين سياسيا يدركون هذا من البداية وأنهم تركوه يحارب وحده مدركين أن مصيره الفشل والذي يقد يعفيهم أنفسهم من تحمل مسئولية طالما ظهر أوباما في المقدمة يحارب وحده.

www.alaabayoumi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 7/تشرين الثاني/2009 - 17/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م