الوقود الحيوي وتنامي ظاهرة احتكار الاراضي العالمية

بين توفير الطاقة النظيفة والمساهَمة في مجاعة العالم

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: فيما يحتدم الصراع بين طرفَي المعادلة المعقدة التي اوجدها مبدأ استخلاص الطاقة النظيفة (الوقود الحيوي) من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية والذي يؤدي بالنتيجة الى تفاقم المجاعة في انحاء العالم الفقيرة، يتنامى الطلب على الايثانول الحيوي وهو بديل متجدد للبنزين يصنع اما من الحبوب أو محاصيل السكر ويعتبر سبيلا لتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي يُعتقد أنها تسبب تغير المناخ.

النفايات.. مصدر لإنتاج الطاقة والحد من تغير المناخ!

وقال علماء في سنغافورة وسويسرا، حسب البحث المنشور في دورية "Global Change Biology: Bioenergy، إن استبدال البنزين بوقود آخر عضوي مستخرج من النفايات المعالجة، قد يخفض الانبعاثات الحرارية حول العالم بنحو 80 في المائة.

وأثار إنتاج الوقود العضوي من المحاصيل الزراعية جدلاً واسعاً لما يتطلبه من زيادة في إنتاج المحاصيل، التي قد تأتي على حساب انكماش الموارد الغذائية وتكلفته العالية على البيئة.

وقد يوفر الجيل الثاني من الوقود العضوي، كالإيثانول السيلولوزي cellulosic ethanol، المستخرج من نفايات الحضر، حلولاً ناجحة في خفض درامي لكم غازات الدفيئة، دون أي تأثير يُذكر على البيئة.

وقال البروفيسور المساعد، هيو تان، من "الجامعة الوطنية" في سنغافور، الذي قاد البحث: "نتائجنا تشير إلى أن الوقود المنتج من النفايات المعالجة، كالورق والكرتون، يقدم حلولاً واعدة لطاقة نظيفة."

وتابع: " في حال تطوير هذا الوقود العضوي، قد يوفر بالتالي احتياجات العالم من الطاقة، ويقلص من إنتاج الغازات والاعتماد على الوقود الأحفوري."

واستخدم فريق البحث مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، في تقدير كم النفايات المنتجة في 173 دولة، وقارنها ببيانات "إيرثتريند - Earthtrends" - موقع إلكتروني معني بقضايا البيئة - لتقييم حجم استهلاك البنزين في ذات تلك الدول.

واكتشف العلماء إمكانية استخلاص 82.93 مليار لتر من الجيل الثاني من الوقود العضوي من تلك النفايات، وباستخدام هذا المنتج كبديل عن الوقود التقليدي، سيتفاوت معدل تراجع انبعاثات غازات الدفيئة ما بين 29.2 في المائة و86.1 في المائة، لكل وحدة من الطاقة المنتجة.

وقال د. ليان بين كوه، من معهد ETH زيورخ، مشارك في إعداد الدراسة: "في حال استمرار هذه التقنية وتطويرها، بالتأكيد تلك الأرقام سترتفع.. وهذا ما قد يجعل من الإيثانول السيلولوزي أداة مهمة من أدوات الطاقة المتجددة مستقبلاً."

الاتحاد الاوربي يتجه للقمح الرخيص لانتاج الوقود الحيوي

ويُنتظر أن يؤدي تراجع حاد في أسعار القمح حدثَ بسبب وفرته الى تحويل المزيد منه الى وقود حيوي للسيارات في الاتحاد الاوربي.

ويتنامى الطلب في الاتحاد الاوربي على الايثانول الحيوي وهو بديل متجدد للبنزين يصنع اما من الحبوب أو محاصيل السكر كما يعتبر سبيلا لتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتي يعتقد أنها تسبب تغير المناخ.

وتتجه الانظار الان الى القمح لصنع الوقود الحيوي منه لتلبية الطلب وذلك مع ارتفاع سعر مادة السكر الخام البديل الى اعلى مستوياته منذ 30 عاما في وقت سابق من الشهر الحالي وكذلك ضعف واردات الايثانول الحيوي المستخرج من السكر القادمة من البرازيل.

وقال روب فيرهوت السكرتير العام للاتحاد الاوروبي للوقود الحيوي في بروكسل "قد تتجه هذه المصانع المرنة في المعالجة الى القمح والحصول على مادة خام بسعر زهيد للغاية."

وتراجعت أسعار القمح بشدة في باريس خلال الاسابيع القليلة المنصرمة مع زيادة حاصلات القمح لاكثر من المتوقع في فرنسا وألمانيا.

وكان القمح المادة الخام الاهم لانتاج الايثانول الحيوي في الاتحاد الاوروبي عام 2007 حيث مثل نسبة 39 في المئة من الانتاج. واستخدمت حبوب أخرى في نفس الغرض مثل الشعير والذرة والشيلم بنسبة الثلثين من الانتاج وفقا لاحصائيات الاتحاد الاوروبي للوقود الحيوي.ويجب أن يرتفع اجمالي انتاج الوقود الحيوي من الحبوب بشكل كبير. بحسب رويترز.

وسيكون من اللازم أن تبدأ شركة انساس تشغيل أكبر منشأة تكرير حيوي في أوروبا بشمال شرق انجلترا في وقت لاحق من العام الحالي. وستحول المنشأة نحو 1.1 مليون طن من القمح الى ما بين 400 و450 من الايثانول الحيوي.

وقال فرانك بروهنينج وهو متحدث باسم اتحاد صناعة الوقود الحيوي في ألمانيا "يمكنني توقع استخدام المزيد من الحبوب (في انتاج الايثانول الحيوي) لان الحبوب من الممكن الان الحصول عليها بأسعار زهيدة للغاية."

وقال فيرهوت المسؤول في الاتحاد الاوروبي للوقود الحيوي ان الطلب على الايثانول الحيوي في الاتحاد الاوروبي يجب أن يرتفع العام الحالي الى أكثر من 4.0 مليار لتر بعدما كان نحو 3.5 مليار العام الماضي وذلك لان الدول الاوروبية أصبحت تستخدم كميات أكبر من الوقود الحيوي.

وأضاف "يرتفع سقف أهداف زيادة استخدام الوقود الحيوي في غالبية الدول عاما بعد اخر وهناك نقص في الامدادات من البرازيل. سيضمن هذان العاملان بالطبع أن نستغل قدرة أكبر."

الوقود الحيوي يهدد البشر والحيوانات في دلتا كينيا

"قد نضطر للرحيل في اي وقت، لانهم سيجففون المنطقة في مرحلة ما ولن يبقى لنا سوى الفقر"، هكذا يعرب الصياد برنار اونيونغو (65 سنة) عن قلقه ازاء ظاهرة التهافت على الاراضي الزراعية الافريقية التي تتهدد نمط حياة السكان.

ويعاني برنار و20 الفا من سكان منطقة دلتا نهر تانا في شمال شرق كينيا بسبب مشروع زراعي قطري وثلاثة مشاريع تهدف لانتاج الوقود الحيوي، تمتد على عشرات الاف الهكتارات. وقد اكتشف هؤلاء اخيرا ظاهرة "احتكار الاراضي" العالمية. بحسب فرانس برس.

والمياه في تلك المنطقة مورد حيوي ووافر وقد حولت المنطقة جنة على الارض تشكل نموذجا نادرا لتناغم انشطة الانسان من صيد وزراعة وتربية مواشي مع ثروة حيوانية كبيرة من تماسيح وفرس نهر وطيور على انواعها.

ويواجه هذا التوازن النادر تهديدا محدقا بسبب عدد من المشاريع للحكومة الكينية او حكومات اجنبية من اجل زراعة قصب السكر والجاتروفا لانتاج الوقود الحيوي.

واكثر المشاريع تقدما هو الذي تنفذه شركة "مومياس" للسكر (ام اس سي) الكينية، بالتعاون مع الوكالة الحكومية المكلفة ادارة الموقع.

واكد مصدر مقرب من الرئاسة الكينية لوكالة فرانس برس ان كينيا وقطر وقعتا بروتكول اتفاق نهاية العام 2008 يقضي بتخصيص 40 الف هكتار من الاراضي لقطر لاهداف زراعية في مقابل انشاء مرفأ حديث على جزيرة لامو المجاورة.

ويؤكد السكان المحليون انهم لا يعترضون على هذه المشاريع التي من شأنها در العائدات الا انهم يرفضون كليا مشروع "ام اس سي" لانهم يعتبرون انه سيتسبب بتهجير 22 الف شخص وتجفيف الاراضي الغنية بالماء.

وخسر السكان المحليون معركتهم الاولى على الرغم من دعم المنظمات غير الحكومية، اذ رفضت محكمة ماليندي العليا شرق البلاد الشكوى ما سمح باسئتناف العمل على المشروع الذي كان مجمدا منذ اواخر العام 2008.

وسكان الدلتا ليسوا الوحيدين المعنيين اذ ان نهر تانا يستقطب مع شبكة من البحيرات الصغيرة عشرات الالاف من رؤوس الماشية من شمال شرق كينيا اثناء موسم الجفاف.

ويوضح هادلي بيشا، رئيس المنظمة غير الحكومية التي تعنى بالبيئة، "ايست افريكان وايلد لايف سوسايتي" انه "منذ سنوات طويلة يلجأ الرعاة الى الدلتا لاسيما في موسم الجفاف (...) وان ازلنا الدلتا سندمر نمط العيش هذا".

الانتاج اليومي للايثانول في امريكا يرتفع 3.7 %

وقالت ادارة معلومات الطاقة الامريكية ان الانتاج اليومي من الايثانول في الولايات المتحدة ارتفع حوالي 3.7 في المئة في يونيو حزيران وسط زيادة في الطلب على الوقود البديل للسيارات.

واضافت الادارة التابعة لوزارة الطاقة في تقريرها الشهري للامدادات البترولية يوم الجمعة ان المنتجين انتجوا حوالي 694 ألف برميل يوميا من وقود الايثانول في يونيو ارتفاعا من حوالي 669 ألف برميل يوميا في مايو ايار. بحسب رويترز.

وقالت الادارة ان منشآت خلط الوقود ومصافي التكرير قامت بخلط حوالي 669 ألف برميل يوميا من الايثانول في البنزين في يونيو ارتفاعا من حوالي 642 ألف برميل يوميا في مايو.

وتحسنت هوامش الارباح لصناعة الايثانول في اوائل يونيو مع انخفاض اسعار الذرة وهو مدخل التكلفة الرئيسي لصنع الايثانول في الولايات المتحدة.

البطيخ.. الوقود المستقبلي للسيارات!

وفي نفس السياق، يزعم علماء أمريكيون أن عصير البطيخ قد يكون أحدث صيحة في عالم الطاقة المتجددة لتشغيل السيارات.

وقال باحثون من وزارة الزراعة الأمريكية إن البطيخ المرفوض، جراء شكله غير المتناسق أو إصابته بآفات، وتصل نسبته إلى واحدة من بين كل خمس بطيخات، قد يستخدم لإنتاج  الوقود العضوي.

وبلغت كمية البطيخ المرفوض، ويجري حرثه مجدداً في الأرض، 360 ألف طن متري، في الولايات المتحدة وحدها عام 2007، وفق "سانيس ديلي."

وتعتمد التقنية المقترحة على تخمير السكر الذي يحويه البطيخ إلى إيثانول، علماً أن عصير تلك الفاكهة يمثل قرابة نصف وزنها، يمثل السكر منها عشرة في المائة. وقدر العلماء إنتاج نحو 26 ليتراً من الإيثانول من كل طن متري من ثمار الفاكهة الصيفية.

وقال الباحث الزراعي وين فيش: "كل فدان ينتج ما بين 30 إلى 60 طن من البطيخ، وخمس ذلك أمر مدهش... يمكنل تخيل كم العصير الذي يمكن إنتاجه من ذلك."

ورغم أن حقول البطيخ لن تحل معضلة الوقود التي تعاني منها الولايات المتحدة، إلا أن فيش قال إنها "تمثل جزء صغير للغاية من لغز ضخم. بحسب سي ان ان.

وفي السابق، أوصى علماء دوليون بوقف استخدم الوقود العضوي المستخلص من محاصيل زراعية في سياق مكافحة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتفشي الجوع.

وأشار ثلاثة من كبار خبراء الغذاء في كونسورتوم للأبحاث الدولية، في معرض مطالبهم بتعليق استخدام الوقود العضوي، إلى حاجة دول العالم لإعادة النظر في برامج تحوير استخدام بعض أنواع المحاصيل الزراعية، كالذرة وحبوب الصويا، إلى وقود عضوي، بالنظر إلى أزمة الغذاء العالمية.

وقال جواشيم فون برون، مدير "معهد أبحاث سياسة الغذاء العالمية"، ومقرها واشنطن إن امتناع الدول الكبرى عن استخدام الوقود العضوي هذا العام سيؤدي لتراجع أسعار حبوب الذرة بقرابة 20 في المائة والقمح بنحو 10 في المائة ما بين 2009 -2010. وتعد الولايات المتحدة من أكبر منتجي الوقود العضوي.

ونادى الخبراء بتركيز الجهود على منتجات زراعية أخرى سوى الحبوب، وقال بروفيسور علوم التربة بجامعة ولاية أوهايو: "نحن بحاجة لإطعام البطون قبيل إطعام سياراتنا. افتقار الأمن الغذائي يتهدد مليار شخص، ونحن ليسوا في موقف يتيح لنا رفاهية تجاهل هؤلاء والاهتمام بالبنزين."

وشدد فون برون أن الولايات المتحدة والدول الأخرى بين مطرقة مكافحة ارتفاع أسعار النفط وسندان محاربة جوع العالم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 7/تشرين الثاني/2009 - 17/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م