نهاية البداية لاستراتيجية اوباما لحل الصراع العربي الاسرائيلي

 

شبكة النبأ: قد لا يكون الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد ترأس بداية النهاية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني مؤخراً في نيويورك، لكن يبدو أخيراً بأنه قد وصل إلى نهاية بداية محرجة لدبلوماسيته الشرق أوسطية.

فعندما تسلّم اوباما وكبار مستشاريه الحكم قبل تسعة أشهر، كانوا حريصين على قول وعمل ما لم يقوله ويعمله جورج دبليو بوش. فبدلاً من تغيير النظام، والفاشية الإسلامية، و "أنت إما معنا أو ضدنا" ركّزَ أوباما بدلاً من ذلك على تغيير السلوك، والتعاطي، والتركيز على "المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل".

وفي هذا الشأن كتبَ روبرت ساتلوف، وهو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، وقد تولّى منصبه هذا في كانون الثاني/يناير عام 1993 مقالاً جاء فيه: كانت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية إحدى أكبر التحولات السياسية التي جاءت في وقت مبكر من فترة رئاسته. فقد قال أوباما إنه يريد وجود نشاط من اليوم الأول، على النقيض من التصور-- مهما كان ذلك خاطئاً-- بأن بوش انتظر حتى مؤتمر أنابوليس، أي بعد مرور سبع سنوات على توليه الرئاسة، ليغمر نفسه في عملية صنع السلام الشاقة. وكانت النتيجة قيام أوباما بتعيين السناتور السابق جورج ميتشل كمبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الاوسط في اليوم الأول لإدارته، والتزامه الشخصي لدفع عملية صنع السلام إلى الأمام.

ويستدرك ساتلوف بالقول، لقد كان تعيين ميتشل خيار سليم كما أن شعور الرئيس بوجود حالة ملحة لذلك هي في حد ذاتها تثير الإلهام. ومع ذلك، فإن الاستراتيجية التي اعتمد عليها مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وفريق ميتشل حول بداية عملية دبلوماسية بمشاركة الرئيس الفلسطيني الضعيف محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي القديم الجديد من حزب الليكود بنيامين نتنياهو، كانت كل شئ باستثناء كونها استراتيجية.

وأثناء فترة رئاسة كل من بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، بدأت "الوصفة" المتعلقة بعملية صنع السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بإعطاء جرعة كبيرة من الشراكة الأمريكية الإسرائيلية. وبما أن عملية السلام تتمثل، في جوهرها، بمطالبة الإسرائيليين بالتخلي عن الأراضي التي هي أصول ملموسة مقابل وعد للسلام الذي هو بحكم طبيعته شئ غير ملموس وقابل للإلغاء، فإن بناء ثقة إسرائيل في التحالف الاستراتيجي مع واشنطن كان يعتبر منذ فترة طويلة شئ أساسي.

واضاف ساتلوف، لقد اعتمد فريق أوباما نهجاً مختلفاً، بحيث أثر على فعالية عملية السلام، واصبح نجاحها مشكوكاً فيه، وبحاجة إلى طاقة جديدة. [وقد تمثل هذا النهج] على إعطاء صدمة لهذه العملية عن طريق تأمين حدوث تنازلين كبيرين جداً. الأول، نجاح البيت الأبيض في كسب إلتزام إسرائيلي علني بتجميد تام في أعمال البناء في "الأراضي المحتلة"، ثم، قيام الإدارة باستعمال نفوذها لاستغلال ذلك التنازل لكسب اتفاق من المملكة العربية السعودية، التي هي الوصي اللدود على مشاعر المسلمين، باتخاذ خطوات لم يسبق لها مثيل نحو التطبيع مع إسرائيل.

لقد كان هناك بعض المنطق لذلك النهج. فإن جلب الدول العربية للمشاركة في هذه العملية كان خطوة حكيمة؛ ويكاد يكون من المؤكد بأن لا يقوم الفلسطينيون المنقسمون فيما بينهم باتخاذ الخطوات الضرورية لتحقيق السلام دون وجود دعم عربي على نطاق أوسع. كما أن استهداف النشاط الاستيطاني هو بالتأكيد مفيداً لكثير من العرب، الذين رأوا بأن [استيطان] أعداد متزايدة من الإسرائيليين في الضفة الغربية يناقض ما كان من المفترض أن يوعده اتفاق سلام.

وتابعَ ساتلوف، لكن الشيئ اللافت للنظر، هو أنه قبل توجه الرئيس الأمريكي إلى القاهرة، حيث أعلن بأنه قد "حان الوقت لوقف هذه المستوطنات" وقبل أن تقوم وزيرة الخارجية الأمريكية بوصف عملية تجميد البناء في المستوطنات كـ "ضرورية"، لم يبدو بأن أحداً، سواءاً في البيت الأبيض أو في وزارة الخارجية -- التي تقع في منطقة "فوغي بوتوم" في العاصمة واشنطن – قد طرح بعض الأسئلة الواضحة. ماذا يعني التجميد من الناحية الفعلية -- عدم مصادرة أراضي [في الضفة الغربية]؟ عدم قيام مستوطنات جديدة؟ عدم القيام بأعمال بناء في المستوطنات القائمة؟ هل تنطبق مثل هذه الخطوات أيضاً على تجميد أعمال البناء في القدس، العاصمة التي لا تعترف بها واشنطن، كما هو الحال في بعض المخافر الأمامية النائية على قمة التلول؟ وهل أن فترة التجميد المتفق عليها والتي ستنقضي في نهاية المطاف، ستعني موافقة ضمنية من قبل واشنطن على البدء في أعمال البناء مرة أخرى؟

وعلى الصعيد السياسي، إن عدم التفكير ملياً في فكرة التجميد كان دامغاً بصورة أكثر. هل كان التجميد ضرورياً حقاً لإعادة بدء المفاوضات، إذا أخذ بنظر الإعتبار بأن الفلسطينيين – ابتداءاً من ياسر عرفات وكل الذين جاؤوا بعده – لم يندموا على التفاوض مع إسرائيل على مدى السنوات الستة عشر الأخيرة بدون أن تتخذ حتى ولو خطوة واحدة لتجميد بناء المستوطنات؟ وما أن راهنت واشنطن وتكلمت بوضوح عن مطالبتها بتجميد كامل -- بما في ذلك، كما قالت هيلاري كلينتون، بدون أي "استثناءات تتعلق بالنمو الطبيعي" -- فهل سيقبل العرب أي شيء أقل من ذلك؟ ألم سيؤدي قيام واشنطن بالتفاوض المباشر مع إسرائيل حول موضوع التجميد إلى عدم شعور الجانب العربي بالحاجة إلى المساهمة في أي شيء يتعلق بهذه العملية؟

لقد كانت النتيجة كارثة دبلوماسية. فبعد أن كان كل من أوباما وكلينتون قد طالبا علناً في حزيران/يونيو المنصرم بتجميد المستوطنات – ولكن قبل أن تتوصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إسرائيل – توجه الرئيس الأمريكي إلى الرياض لكي يطلب من العاهل السعودي الملك عبدالله بأن يتحرك إلى الأمام فيما يتعلق بالقيام بتطبيع تدريجي مع إسرائيل. ولكن الملك رد الرئيس بدون الموافقة على طلبه. وفي هذا الصدد، كتب السفير السعودي السابق في واشنطن في صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً، "إن قيام السعوديين باتخاذ خطوات نحو تطبيع العلاقات قبل أن يتم إرجاع هذه الأراضي إلى أصحابها الشرعيين من شأنه أن يقوض القانون الدولي، ويغض الطرف عن [أعمال] لا أخلاقية". ترجمة: "سوف لن ندفع أي شيء لمساعدتكم أنتم الأمريكان لكي تنجحوا في تحقيق تجميد عملية الاستيطان. انتم لوحدكم".

واضاف ساتلوف، لقد كان لموضوع انشغال واشنطن على وقف النشاط الاستيطاني صدىً قوياً في دولة واحدة على الأقل من دول الشرق الأوسط ألا وهي إسرائيل. لقد تمكن هوس التجميد في الولايات المتحدة من تحويل التردد الإسرائيلي العميق على الصعيد القومي حول الحكمة في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية إلى قيام دعم وطني حول حق اليهود في العيش في عاصمتهم القديمة. فعن طريق قيام الإدارة بإعطاء ردود فعل إيجابية بأنها تريد تجميد عملية الاستيطان حتى بصورة أكثر من العرب أنفسهم، وتريد إيقاف أعمال البناء حتى في عاصمة إسرائيل، نجحت واشنطن في جعل شعبية نتنياهو أكثر تقبلاً [في بلاده] مما كانت عليه عندما جاء إلى السلطة في آذار/مارس. وقد انخفضت شعبية أوباما بين الناخبين الإسرائيليين إلى أرقام أحادية-- قبل أن يُظهر فيما إذا كانت لديه قوة الشخصية للتعامل مع طموحات إيران النووية، التي تشكل التهديد الاستراتيجي "الحقيقي" في المنطقة. إن الدخول في شجار مع إسرائيل دون الحصول على أي شيء من العرب في المقابل لكي يظهره لها، لم تكن هي السياسة التي تمنى الرئيس أن يحققها.

ويستذكر ساتلوف، مؤخرا [وأثناء اجتماع الجعية العامة للأمم المتحدة] في نيويورك غيّرَ أوباما أخيراً من مساره. ففي الوقت الذي كان فيه محمود عباس سعيداً بمشاهدة الأمريكيين يتفاوضون نيابة عنه خلال الأشهر القليلة الماضية، أعلن الرئيس الأمريكي أن استئناف محادثات السلام لن يتوقف بعد الآن على التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل حول تجميد الاستيطان، الأمر الذي سبب ذعراً لعباس. وأضاف بأن الولايات المتحدة تريد أن تقوم الأطراف المعنية بالبدء في إجراء مفاوضات في أقرب وقت ممكن ودون شروط مسبقة.

وفي خطوة مليئة بالسخرية، طلب من وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون على وجه التحديد -- التي كانت قد عبّرَت في حزيران/يونيو عن موقف الإدارة الأكثر تشدداً بشأن المستوطنات – أن تقدم له تقرير في منتصف تشرين الاول/اكتوبر المقبل حول إحراز تقدم نحو استئناف محادثات السلام. وبقدر ما تطبق كلمات الرئيس على الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين الذين كانوا يجلسون على مقربة منه، بقدر ما تطبق عليه حينما تحدث في فندق "والدورف استوريا" قائلاً: "لقد حان الوقت لإظهار المرونة والفطرة السليمة، والشعور بالإحساس حول أهمية الحل الوسط الذي هو ضروري لتحقيق أهدافنا".

ويختم ساتلوف مقاله بنتيجة مفادها، تعبّر إشارة الواقعية هذه عن أيماءة ايجابية. فلم يكن أوباما أول رئيس يتسلم منصبه ويأتي بسياسة متأصلة بإخلاص ايديولوجي أكثر من كونها تحليل نزيه، ولكن في هذا الموضوع، على الأقل، فإنه قد غير سياسته بسرعة أكبر من رؤساء آخرين. وفي الواقع، هناك سطر آخر من ملاحظاته في "والدورف استوريا" يشير إلى أنه قد يسير الآن على الطريق الصحيح فيما يتعلق بعملية السلام، حيث قال "إنني ملتزم بالمضي قدماً في الأسابيع والأشهر والسنوات القادمة". نعم، يا سيدي الرئيس، وحتى مع وجود أفضل النوايا، فإن تحقيق السلام في الأراضي المقدسة هو في الواقع عمل لسنوات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/تشرين الثاني/2009 - 15/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م