
شبكة النبأ: نشرة المرصد السياسي رقم
1588 هي الثانية في سلسلة من جزأين، تناقش الاتجاهات داخل حركة الإخوان
المسلمين، يتناول هذا الجزء احتمالية عودة الجماعة إلى العنف في مصر،
بينما تركز نشرة "المرصد السياسي 1585" على انقسامات الحركة داخل
الأردن.
وقد كتب في هذا الجزء مريم بن رعد، باحثة كيستون فاميلي في مشروع
فكرة في معهد واشنطن، ومحمد عبد الباقي، زميل كيستون زائر في مشروع
فكرة، مقالاً جاء فيه: وسط حالة عدم اليقين بشأن التوريث السياسي
الوشيك في مصر، شنت قوات الأمن المصرية حملة قمع ضد جماعة الإخوان
المسلمين، وهي جماعة المعارضة الأكبر في البلاد، في محاولة لكبح جماح
مشاركة الإخوان في الحياة السياسية المصرية. ومنذ أواخر حزيران/يونيو
المنصرم، اعتقلت الحكومة العشرات من الإسلاميين من المستويات المتوسطة
والبارزة، بمن فيهم زعيم مكتب الإرشاد بالحركة، عبد المنعم أبو الفتوح.
ويعارض هؤلاء الإسلاميون سعي الرئيس حسني مبارك للحصول على فترة
رئاسية سادسة ويرفضون ابنه جمال كبديل محتمل في انتخابات عام 2011.
وبعد ما يزيد على عقد من الاعتدال السياسي النسبي والنبذ الناجح للتطرف
لدى الجماعات الإسلامية الرئيسية، تهدد سياسة الإقصاء والاضطهاد التي
تتبعها القاهرة بالتحريض على العودة إلى الإسلام المتطرف في مصر.
الأخوان المسلمون في طريق مسدود
ويضيف الكاتبان، على الرغم من الحظر الرسمي الذي فرض على جماعة
الإخوان المسلمين المصرية بموجب القانون، إلا أنها حققت مكاسب سياسية
مهمة على مدى السنوات القليلة الماضية. ففي عام 2005، فازت الجماعة
بثمانية وثمانين مقعداً في البرلمان الوطني من خلال مرشحين "مستقلين"،
يمثلون أكبر تكتل معارض للرئيس مبارك. وقد عزز الدور المتنامي لجماعة
الإخوان المسلمين في الساحة السياسية من مواجهتها التاريخية مع النظام
ووجدت قوة دفع جديدة هذا الصيف بعد أن قامت قوات الأمن المصرية باعتقال
مئات من أعضائها وقادتها. ورغم أن الحملة الحالية تذكرنا بقيام
الرئيسين المصريين جمال عبد الناصر وأنور السادات بقمع الحركة
الإسلامية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي – مما أدى إلى
ظهور فصائل متطرفة أخرى – فإن هذه الحملة قد خلقت أزمة غير مسبوقة
لجماعة الإخوان المسلمين.
ونتيجة للتعديلات الدستورية التي أُقرت عام 2007، أصبح من الصعب على
الحركة خوض انتخابات برلمانية أو رئاسية. وفي الواقع، إن القانون
الانتخابي الجديد والمُقيد، الذي لا يسمح إلا للأحزاب السياسية المسجلة
بتنظيم حملات انتخابية، ويحظر قيام الأحزاب الدينية ويفرض شروطاً قاسية
على المرشحين "المستقلين"، يجعل من المستحيل تقريباً مشاركة الإخوان
المسلمين. وفي العام الماضي، أدت هذه القيود إلى رفض مشاركة أكثر من
800 من مرشحي الإخوان في انتخابات المجالس المحلية. كما فشلت الحركة في
الفوز في انتخابات نقابتي المحامين والصحفيين المهنيين.
وعلى الصعيد الداخلي، مرت جماعة الإخوان المسلمين بأزمة كبيرة تحول
دون عمل أعضائها وقيادتها بنفس الطريقة السابقة. فقد ظهرت اختلافات
أيديولوجية خطيرة داخل صفوف الحركة – وخصوصاً بين المحافظين
والإصلاحيين و"الجيل الجديد" – في حزيران/يونيو 2008 أثناء انتخابات
مكتب الإرشاد، عندما قاد المحافظون حملة لإقصاء الإصلاحيين من المكتب
وتهميش نفوذهم داخل حركة الإخوان المسلمين. وبالإضافة إلى ذلك، تم
اعتقال نائب رئيس الحركة وأكبر ممول لها، خيرت الشاطر، في عام 2006.
تتخذ جماعة الإخوان المسلمين عدداً من الخطوات لمواجهة هذه الحملة.
فعلى سبيل المثال، ووفقاً لوسائل الإعلام المصرية، تخطط الحركة للحد من
مشاركتها في الانتخابات البرلمانية القادمة وإقامة هياكل تركز على
المجتمع المدني لتعزيز قبضتها الاجتماعية والدينية على المجتمع المصري.
ويأتي هذا التطور وسط تكهنات بأن جماعة الإخوان تتفاوض على اتفاق مع
الحزب الديمقراطي الوطني الحاكم تنسحب بموجبه الجماعة من استطلاعات
الرأي في عام 2010 مقابل إطلاق سراح العديد من أعضائها المحتجزين.
وبالرغم من أن الإجراءات التي اتخذتها القاهرة قد تحد من تمثيل
الجماعة في الحكومة على المدى القصير، إلا أن استراتيجية الاضطهاد قد
تؤتي بنتائج عكسية على المدى الطويل. فاعتقال العناصر المعتدلة في
جماعة الإخوان المسلمين قد يؤدي إلى قيام صراع بين الفصائل، مما يدفع
الأعضاء الأصغر سناً إلى تبني الاحتجاج العنيف أو الدعوة إلى عصيان
مدني. ومن المحتمل أن يشهد البعض في الحركة، العودة إلى العنف كوسيلة
للخروج من المأزق الحالي. وتوقعاً منها لرد هذا الفعل المعاكس، حثت
قيادة جماعة الإخوان المسلمين بالفعل شبابها على الالتزام بالوسائل
السلمية والسياسية والقانونية في صراعهم ضد النظام.
الإسلام المتطرف: هل يشهد عودة؟
ويتابع كاتبا المقال بالاستنتاج، قد يسهم القمع الشديد والوضع
الاقتصادي الصعب بشكل متزايد الذي يواجهه معظم المصريين في إعادة
التطرف للمجتمع المصري بشكل عام والقطاع الإسلامي بشكل خاص. وسوف يبدو
المجتمع المصري أرضاً خصبة، مع [نجاح] التأثير الأيديولوجي والاجتماعي
للسلفية بالتمسك بزمام الامور. فبالإضافة إلى جاذبية العقيدة السلفية
بين جيل الشباب، جاء انتشارها نتيجة عودة العمال المغتربين إلى البلاد
بعد أن عملوا طوال عقود من الزمن في المملكة العربية السعودية ذات
الحساسيات الوهابية. وقد وصل هذا الاتجاه المتطرف والمتزمت إلى جميع
الفئات الاجتماعية، كما اتضح من الأعداد المتزايدة للنساء اللواتي
يرتدين النقاب. وبالإضافة إلى تأثير الأئمة المتطرفين في المساجد،
أصبحت قنوات التلفزيون الفضائية، ذات النغمة السلفية الواضحة (مثل قناة
الناس على سبيل المثال) تحظى بشعبية كبيرة في مصر، ولا شك أنها تكسب
مجندين جدد في هذه العملية.
وفي حين أن هذه الديناميكيات تثير بعض القلق، فربما يكون الدليل
الأكثر إقناعاً على عودة حركة الإخوان المسلمين المصرية إلى التطرف هو
انتماء المجموعة الذي لم يسبق له مثيل للمؤسسات المتشددة المدعومة من
إيران مثل «حماس» وحزب الله، ودعمها العام لها. وفي الاشهر الأخيرة،
أصدرت جماعة الإخوان المسلمين المصرية بيانات قوية دعماً لهذه المؤسسات،
مما أثار هجوماً مضاداً من قبل الحكومة.
وفي أيار/مايو 2009، على سبيل المثال، وبعد اعتقال خلية كبيرة لحزب
الله في مصر، اتخذت جماعة الإخوان المسلمين موقفاً لا يحظى بشعبية
والمتمثل بدعم جهود الميليشيا اللبنانية لمساعدة حركة «حماس»، رغم
انتهاك حزب الله الواضح للسيادة المصرية. كما أن المرشد الأعلى لحركة
الإخوان المسلمين المصرية محمد مهدي عاكف عارض القاهرة بشكل مباشر
بإعلانه في مؤتمر صحفي بأن حزب الله "لا يهدد الأمن القومي المصري".
وفي وقت سابق من هذا العام، وأثناء عملية «الرصاص المصبوب» التي
قامت بها إسرائيل، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً حول غزة، طالبت
فيه من بين أمور أخرى، بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، وفتح معبر
رفح المؤدي إلى غزة، وقطع إمدادات الغاز والنفط عن إسرائيل، وقيام جميع
الحكومات العربية "بتعزيز المقاومة ودعم [«حماس»] بكل الوسائل
الممكنة". وذهب نائب المرشد الأعلى، إبراهيم منير، خطوة أبعد من ذلك،
وقام بانتقاد علاقات نظام مبارك مع واشنطن، حيث قال لمحطة تليفزيون
العالم بأن النظام المصري "يريد أن يبعث برسالة إلى الكيان الصهيوني،
الذي يدعم [مصر]، وإلى الغرب، وخصوصاً أمريكا، بأنه لا يزال هناك دور
لـ [مصر] فيما يسمى بالحرب ضد الإرهاب".
وختمَ الكاتبان مقالهما بنتيجة مفادها، يقوم نظام مبارك على مدى
عقود بتقييد الحريات الفردية، ولم يسمح سوى للحزب الوطني الديمقراطي
التابع للحكومة والمعارضة الإسلامية المصرية بالمنافسة على الساحة
السياسية. وبالنسبة للإسلاميين فإن المساحة القليلة الموجودة للتأثير
بصفة شرعية على السياسات الداخلية من خلال وسائل غير عنيفة قد أُغلقت
أمامهم في أعقاب القيام بحملة القمع الأخيرة. وفي سياق أزمة اقتصادية
لا مثيل لها والشكوك المحيطة بالتوريث السياسي، قد تأتي هذه السياسة
بنتائج عكسية.
أثناء خطابه التاريخي في القاهرة، أعرب الرئيس الأمريكي باراك
أوباما عن رغبته في دمج الإسلاميين "المسالمين والملتزمين بالقانون"
و"المعتدلين" في شراكة مع واشنطن. ومع ذلك، لا تزال الطريقة التي
ستتعامل بها إدارة أوباما مع هؤلاء "المعتدلين"، قضية بالغة الحساسية
ومسألة ذات حدين.
وخلص الكاتبان الى القول، من الواضح أن قبول التزام الإسلاميين –
المعتدلين أو المتطرفين – باحترام القواعد السياسية لا يشكل خياراً.
كما أن رد القاهرة – بسحقهم تماماً – قد ينجح على المدى القصير لكنه
يطرح فيما بعد العديد من التحديات. وبدلاً من ذلك، يجب على إدارة
أوباما إعادة تحديد الأولويات في مجال حقوق الإنسان وإيجاد سبل لتمكين
الديمقراطيين ومنظمات المجتمع المدني باعتبارها أفضل آلية طويلة الأجل
لمكافحة عودة التطرف في مصر. ومع ذلك، فإنه نظراً لانشغالات السياسة
الخارجية الأكبر للإدارة، من غير المرجح أن تقوم بذلك. وفي الوقت نفسه
سوف تتعمق الصعوبات التي تواجهها مصر مما سيترتب عليه عواقب سلبية
بالغة على البلاد والمنطقة على حد سواء. |