
شبكة النبأ: على الرغم من أن الرئيس
الأمريكي باراك أوباما قد وضع جدولا زمنيا لانسحاب القوات الأمريكية
المقاتلة من العراق بحلول أغسطس 2010، تم البدء في تنفيذه في 30 يونيو
2009، إلا أن عودة العنف للعراق مجددا واحتمالات تجدد النزاعات العربية
– الكردية حول بعض المدن والمناطق العراقية ذات الوجود المختلط وعدم
كفاءة قوات الأمن العراقية والمزيد من التدخل الإيراني.. كلها عوامل
تضع خطة أوباما أمام مخاطر حقيقية، وتدفع إدارته إلى التفكير جدياً في
كيفية التعامل مع هذه المعضلات قبل تنفيذ الانسحاب بشكل كامل.
حول هذه الأخطار، كانت مؤسسة (راند) الأمريكية قد أعدت دراسة مطولة،
بناءً على طلب قدمه الكونجرس الأمريكي إلى وزارة الدفاع في أواخر عام
2008 كي تقوم المؤسسة بتقييم جدوى خطط الانسحاب المختلفة للقوات
الأمريكية من العراق. ولدى إعداد هذه الدراسة كان أوباما قد اختار
بديلا وسطا بين البدائل المطروحة حين حدد نهاية أغسطس 2010 موعدا
نهائيا للانسحاب. لكن وبغض الطرف عن المدى الزمني لانسحاب؛ فإن كافة
الخطط البديلة ترتبط بإشكاليات كبرى ومخاطر كامنة، ألقت مؤسسة راند
الضوء عليها في هذه الدراسة التي نشرترجمتها موقع اسلام اونلاين.
ثلاثة بدائل للانسحاب من العراق
البديل الأول: رحيل الوحدات المقاتلة بحلول نهاية شهر إبريل 2010:
في هذا البديل ستغادر كل الوحدات الأمريكية المقاتلة العراق خلال 12
شهرا من بداية الانسحاب (الذي كان مقدرا أن يبدأ في أول مايو 2009).
وستترك الوحدات المقاتلة 44.000 مقاتل أمريكي على أن يتم سحبهم بعد ذلك،
وستتكون القوات المتبقية من وحدات تقوم بالمهام الأساسية لتمكين ودعم
وتدريب قوات الأمن العراقية، فضلا عن قوات لدعم عمليات مكافحة الإرهاب.
وسوف تغادر هذه القوة المتبقية في موعد أقصاه ديسمبر 2011، وهو ما
يتوافق مع الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق.
يتيح هذا البديل للإدارة الأمريكية سحب كل الوحدات المقاتلة مبكراً
إذا ما اقتضت الظروف ذلك، كأن تكون هناك حاجة لقيام القوات الأمريكية
بعمل ما في منطقة أخرى من العالم، أو دعوة الحكومة العراقية إلى انسحاب
القوات الأمريكية بشكل سريع، أو الحاجة إلى الحد من النفقات العسكرية
بسبب الظروف الاقتصادية الأمريكية.
ووفق هذا البديل، ينتهي قيام الوحدات المقاتلة الأمريكية بتدريب
وتمكين نظيرتها العراقية في إبريل 2010. وستبقى قوة مقدراها (3.500 فرد)
تضم مدربي فرق التدريب المتحركة، إلى جانب 16500 مساعد لدعم عمليات
القوات العراقية حتى نهاية إبريل 2011؛ ويتم سحب هؤلاء المساعدين بعد
ذلك بحلول نهاية أمد الاتفاقية الأمنية في ديسمبر 2011. أي أنه بنهاية
العام 2011، سيكون آخر أفراد الجيش الأمريكي قد غادر العراق، كما سيكون
قد تم إغلاق كل القواعد الأمريكية أو تم نقل قيادتها لحكومة العراق.
وتتمثل المخاطر الكبرى لهذا البديل في عدم وجود عدد كاف من القوات
الأمريكية لتأمين الانتخابات العراقية التي تحل في ديسمبر 2009، فضلا
عن أنه بحلول إبريل 2010 ستنخفض قدرة القوات المتبقية على خوض المعارك.
وللحد من هذه المخاطر، على الولايات المتحدة القيام بالإجراءات التالية:ـ
• نقل بعض الموظفين الأمريكيين من الوحدات المقاتلة إلى أعمال تدريب
القوات العراقية.
• تمركز الوحدات المقاتلة الأمريكية في دولة قريبة من العراق
كالكويت لضمان قدرة القوات الأمريكية على رد الفعل السريع، وهو ما
يتطلب توقيع اتفاقية خاصة بين الولايات المتحدة والكويت لهذا الصدد.
• نقل بعض الوظائف الأمنية ومهام تدريب قوات الأمن العراقية إلى بعض
الشركات والوكلاء.
• ترك بعض أجهزة ومعدات الوحدات المقاتلة لدعم تدريب قوات الأمن
العراقية والعمليات المستقبلية.
البديل الثاني: تغيير مهمة القوات الأمريكية بعد أغسطس 2010:
يعكس هذا البديل هدف الإدارة الأمريكية في تغيير مهمة القوات
العاملة في العراق من العمليات القتالية إلى دعم ومساعدة قوات الأمن
العراقية بعد رحيل كل الوحدات المقاتلة في أغسطس 2010، حيث سينخفض عدد
القوات الأمريكية إلى 50000 جندي في ذلك الوقت، وستكون القوات الباقية
قوة انتقالية، تشمل ألوية تقديم المشورة والمساعدة، وأفراد لدعم وتدريب
القوات العراقية.
يساعد هذا البديل الرئيس أوباما في تحقيق وعده بانسحاب القوات
الأمريكية من العراق بشكل مسئول، وكانت الإدارة الأمريكية قد حددت 16
شهرا كوقت كاف لانسحاب منظم وآمن. ويتطلب تنفيذ تلك الخطة أن يتم البدء
بها في أوائل يونيو 2009، مع ملاحظة أن بقية عملية الانسحاب لا تتطلب
تخطيطا عاجلا.
ويستمر دعم قوات الأمن العراقية حتى نهاية أمد الاتفاقية الأمنية،
وذلك من خلال دور ألوية الدعم والمشورة الأمريكية إلى نظرائهم
العراقيين، إذ سيظل عدد المراقبين العاملين في القوات الباقية عند
حدودها قبل بدء الانسحاب أي حوالي 3.500 فرد، وذلك حتى فبراير2010.
وبعد الانسحاب الأولي لـ 12.000 فرد سيبقى في العراق 12 لواءً
مقاتلاً تقريباً لتوفير الأمن لإجراء الانتخابات الوطنية في نوفمبر
2009. ومن ثم سيتم وقف عملية الانسحاب حتى فبراير 2010. وبعد أغسطس
2010، من المتوقع أن تبقى في العراق ستة ألوية دعم ومشورة، فضلا عن عدد
صغير من قوات الأمن الأخرى. ويمكن لهذه الألوية التعامل مع حالات
الطوارئ غير المتوقعة لاسيما في ظل قدرتها على استعادة القدرات
القتالية بسهولة.
معنى ذلك أنه سيتم سحب حوالي 12.000 فرد من القوات المقاتلة وقوات
الدعم في الفترة بين مايو وأكتوبر 2009، أما باقي الأفراد وعددهم
130.000 فسيبقون حتى فبراير 2010، حيث سيتم استئناف عملية الانسحاب.
وعندما تنسحب الوحدات المقاتلة، ستتغير مهمة القوات إلى تقديم المعونة
والنصح للقوات العراقية.
ووفق هذا البديل سينخفض العدد الكلي للقوات إلى 35.000 تقريباً
بحلول مايو 2011، وهذا ما يتيح الوقت الكافي لاستكمال الانسحاب بحلول
ديسمبر2011. وستعتمد سرعة ذلك الانسحاب على الوضع في الميدان في ذلك
الوقت.
وعلى الرغم من أن انسحاب الوحدات المقاتلة الأمريكية من العراق
بحلول شهر سبتمبر 2010 سيكون له بعض التأثيرات على أمن القوات الباقية
(وفق تطورات الوضع الأمني)، إلا أن هذا البديل -وعلى خلاف البديل الأول-
سيحفظ قدرة القوات الأمريكية على مشاركة وتدريب قوات الأمن العراقية من
خلال ألوية النصح والمشورة، بل وتقديم الأمن إذا ما استدعى الأمر ذلك؛
إذ يشكل وجود هذه الألوية سياجاً ضد احتمال تفجر العنف مرة أخرى، ومن
ثم فلا توجد حاجة لإجراءات التسكين الواردة في البديل الأول.
البديل الثالث: بقاء وحدات مقاتلة وغير مقاتلة إلى ديسمبر 2011:
في هذا البديل، تبقى الألوية المقاتلة في العراق حتى موعد الانسحاب
النهائي في ديسمبر 2011. يتميز هذا البديل بقدر كبير من المرونة بسبب
عدم وجود حاجة لتحديد موعد لانسحاب الوحدات المقاتلة أو لتغيير مهام
القوة الباقية قبل نهاية أمد الاتفاقية الأمنية في ديسمبر 2011. فضلاً
عن أن الجدول الزمني الطويل للانسحاب يوفر مرونة أكثر في تتابع مغادرة
الوحدات المقاتلة؛ فمع طول الوقت يكون من الأسهل التخطيط لانسحاب
الوحدات من المناطق الآمنة نسبياً أولاً، كما أن بقاء بعض الوحدات
المقاتلة حتى نهاية ديسمبر 2011 يسمح للقيادة في العراق بالقيام برد
فعل عسكري في حالة الضرورة، كما أنه يتيح الفرصة لترتيب عملية الانسحاب
بما يتناسب مع المتطلبات الأمنية.
وستستمر قدرة الوحدات المقاتلة الأمريكية على تدريب ومشاركة قوات
الأمن العراقية حتى نهاية أمد الاتفاقية الأمنية، لكن مع تخفيض عدد
الأفراد المساهمين في ذلك. وكما هو الحال في البديل الأول، يبقى عدد
المدربين في القوة في حدود 3.500 فرد حتى بداية مايو 2011.
ويشمل الانسحاب الأولي في ظل هذا البديل خمسة ألوية بعناصر الدعم
المرتبطة بها، ويعد ذلك كفيلا بإقناع العراقيين بأن واشنطن تنفذ تعهدها
بالخروج من العراق بشكل أكثر إثارة مما يوفره البديل الثاني، إلا أنه
يعني أيضا أن عدد الألوية المقاتلة المتوفرة لتأمين العملية الانتخابية
في نهاية عام 2009 سيكون أقل من ذلك المتوفر في البديل الثاني. ويمكن
القول إن بقاء ثلاثة ألوية مقاتلة في العراق حتى مارس 2011 وفق هذا
البديل يضمن أن تكون القوة الأمريكية الباقية في العراق ذات قدرات
عالية.
يسعى هذا البديل إلى سحب عدد كبير من الأفراد قبل الانتخابات
الوطنية العراقية لإثبات صحة نوايا واشنطن في الانسحاب، وعندما يتم
استئناف الانسحاب في فبراير 2010، فسيكون ذلك وفق معدل خطي يمتد حتى
نهاية 2011، أي إلى نهاية أمد الاتفاقية الأمنية. وسيعتمد معدل
الانسحاب على الظروف الأمنية في البلاد في ذلك الوقت.
على أية حال، فإن عدم تحديد موعد لانسحاب كل الوحدات المقاتلة (باستثناء
ديسمبر 2011) يعطي القيادة في العراق القدرة على التطبيق المرن لإعادة
الانتشار وفق المتطلبات الأمنية. ومع بقاء القوات المقاتلة، فلن تتغير
مهامها إلى التدريب، ومن ثم تظل قادرة على التعامل الفعال مع حالات
الطوارئ.
وعلى خلاف البديل الأول، ستكون قوات الدعم والتدريب الأمريكية أقل
اعتمادا على القوات الأمنية العراقية في تحقيق الأمن لأن بعض الوحدات
المقاتلة الأمريكية ستبقى حتى نهاية عملية الانسحاب، أي حتى نهاية أمد
الاتفاقية الأمنية تقريبا. ويعني هذا ضمناً أنه لن تكون هناك حاجة
لاتخاذ إجراءات تسكين كتلك التي وصفت في البديل الأول.
لكن تجدر الإشارة إلى أن هذا البديل يتكلف أكثر من البديلين الأول
والثاني لاسيما فيما يتعلق بتكلفة بقاء فريق كبير من القوات الأمريكية
في العراق لفترة أطول، كما أن هذا البديل يحمل فرصة ألا تكون الولايات
المتحدة قادرة على استخدام القوات في مكان آخر، فضلا عن أن بقاء قوة
أمريكية كبيرة في العراق خلال صيف 2011 قد يدفع العراقيين للاعتقاد بأن
واشنطن تواصل احتلالها للبلاد. وللتغلب على ذلك قد يكون من المناسب
إطلاق حملة إعلامية لتوضيح أسباب بقاء وحدات مقاتلة أمريكية حتى اكتمال
أمد الاتفاقية الأمنية.
العوامل المؤثرة في الانسحاب
يقصد بذلك العوامل التي تترك آثارها على تطبيق أي خطة لانسحاب
القوات الأمريكية من العراق مثل تقسيم الانسحاب إلى مراحل، والتسلسل
الجغرافي لانسحاب الوحدات، ومدى تطور قوات الأمن العراقية، وأثر
الاستفتاء العام على الاتفاقية الأمنية.
1 ـ جداول إعادة تدوير الوحدات
لا يحتاج تطبيق أي من البدائل سالفة الذكر إلى إعادة تدوير الوحدات
التي سيعاد انتشارها؛ فوفق النمط المعتاد، ستتم إعادة تدوير الوحدات
العسكرية بشكل كامل كل 12 شهرا. إن الانسحاب من العراق يختلف عن
الإدارة العادية للوحدات من وإلى العراق، أي أن الوحدات التي ستنسحب من
العراق لن يعاد انتشارها، ولكنها سترحل بكامل معداتها، وهو ما يؤدي إلى
خلق عبء كبير على النظامِ اللوجيستي.
2 ـ تتابع الانسحاب
يحتاج تتابع انسحاب القوات الأمريكية من العراق النظر لحالة الأمن
في مختلف أنحاء البلاد. ففي ظل التوتر بين الحكومة العراقية والجزء
الشمالي الكردي شبه المستقل، يقترح أن تغادر القوات الأمريكية تلك
المنطقة بمعدل أبطأ. ووفق المنطق ذاته وبسبب الوضع الحرج لبغداد، من
المفترض أن تغادرها القوات الأمريكية بمعدل بطيء.
وفي ضوء السلام الهش في أغلب البلاد، يجب أَن تكون القوات
الأمريكية الباقية في العراق مرنة بما فيه الكفاية للاستجابة للظروف
الأمنية المتغيرة.
3 ـ وضع قوات الأمن العراقية
هناك مؤسستان عراقيتان مركزيتان في تحقيق الاستقرار والأمن في
البلاد هما: الجيش العراقي والشرطة الوطنية. لذا لابد من زيادة
كفاءتهما بشكل كبير قبل ديسمبر 2011 حتى يمكن تنفيذ خطط الانسحاب
الأمريكي، لاسيما وأن القوات الأمريكية ستتولى تدريب هذه القوات. وبدءا
من ديسمبر 2008، وصل ثلثا الجيش العراقي تقريبا إلى المستويات العليا
للجاهزية، إلا أن جاهزية الشرطة الوطنية لا تزال أقل. وتتأثر سرعة
تحسين كفاءة أجهزة الأمن العراقية بعدة عوامل منها: عدد المدربين
الأمريكيين، وحضور الوحدات والمساعدين المقاتلين الأمريكيين، ومعدل
تحسن القوات.
4 ـ الاستفتاء على الاتفاقية الأمنية
تنص الاتفاقية الأمنية على إجراء استفتاء شعبي عام للتصديق على
بنودها في موعد أقصاه يوليو 2009 (المحرر: لم يتم إجراء هذا الاستفتاء
حتى الآن). وفي حال تم رفض الاتفاقية، تلتزم القوات الأمريكية
بالانسحاب خلال 12 شهرا، وهذا ما يجعل بدائل الانسحاب الثلاثة سالفة
الذكر غير مهمة، بل سيلزم ذلك القيادة بأن يكون الانسحاب مركزا وسريعا.
وعلى أية حال، يرى المتخصصون أن فرص رفض الاتفاقية الأمنية في
الاستفتاء العام قليلة لأسباب ثلاثة: (1) لابد من تطوير إطار تشريعي
لإجراء الاستفتاء، (2) حتى إذا ما أُجري الاستفتاء، لا توجد أي مؤشرات
على أنه يتم رفض الاتفاقية، و(3) من المتوقع تأجيل إجراء الاستفتاء على
الأقل عدة أشهر، من المتوقع أن تمضي خلالها القيادة قدما في تحضيرات
الانسحاب.
5 ـ الاعتبارات اللوجيستية
بالرغم من أن إعادة انتشار الوحدات الأمريكية من العراق تعد مشكلة
لوجيستية كبيرة وتتطلب توفير موارد ومقدرات ضخمة، فمن غير المحتمل أن
تعيق تلك المشكلة التخطيط للانسحاب الإستراتيجي والميداني، لاسيما فيما
يتعلق بتدفق القوات إلى خارج العراق بشرط أن يأتي قرار انسحاب الوحدات
المقاتلة قبل عام كامل على الأقل من موعد الانسحاب النهائي.
6 ـ قضايا الأمن والاستقرار
هناك ثلاثة فئات رئيسية من الأخطار قد تهدد أمن العراق واستقراره
الداخلي أثناء وبعد انسحاب القوات الأمريكية:ـ
• المتطرفون، الذين يرفضون النظام السياسي الصاعد، والذين قد
ينتهجون العنف للزج بالعراق في حالة من الفوضى.
• مجموعات المعارضة المسلحة، والتي تشارك الآن في النظام السياسي،
إذ يمكن أن تتجه لاستخدم القوة للحصول على المزيد من المكاسب السياسية
والسيطرة على المزيد من المصادر والموارد.
• قوات الأمن العراقية المسيسة، إذ تبدي الحكومة العراقية استعدادها
لاستخدام هذه القوات لسحق منافسيها السياسيين.
وبناءً على ذلك، يجب أَن تركز خطط الانسحاب الأمريكي بشكل أساسي على
المحافظة على الفاعلين الرئيسيين في العملية السياسية ومنعهم من الوصول
إلى الرغبة في استخدام القوة. وتحتاج الحكومة الأمريكية مقاييس لتقييم
أداء الحكومة وقوات الأمن العراقيين لمعرفة متى يكونان نافعين أو ضارين
بالنسبة لتحسين الأمن والاستقرار في العراق.
7 ـ القضايا الإقليمية
لابد من التركيز على خمسة من دول الجوار الإقليمي للعراق بغرض
التعرف على كيفية تأثير الانسحاب عليهم والعكس، وهذه الدول هي: إيران،
والسعودية، وسوريا، وتركيا، وإسرائيل. تلعب الأربعة دول الأولى أدوارا
أكبر فيما يتعلق بقدرتها على التأثير سلبا أو إيجابا في الانسحاب، وعلى
الرغم من أن إسرائيل ليست فاعلا رئيسيا فيما يتعلق بالانسحاب، فإن
تحركاتها الإقليمية وتأثير الانسحاب على دور إيران الإقليمي يؤثران على
المصالح الأمريكية الإقليمية بمعناها الأوسع. وعلى الرغم من أن الأردن
والكويت تجاوران العراق أيضاً، لكنهما لا تملكان الدافع أو القدرة على
التدخل في الشئون العراقية كما هو حال الدول السابقة الذكر.
ويجب ألا يؤدي الانسحاب إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة،
إذ من المتوقع أن تواجه منطقة الشرق الأوسط عددا من التحديات الجدية في
أعقاب الانسحاب الأمريكي من العراق، بعض هذه التحديات وجد ونما بسبب
وجود القوات الأمريكية في العراق، في حين وجد بعضها بشكل مستقل عن
الحضور الأمريكي في العراق.
ومن المتوقع ألا يكون تأثير الانسحاب كبيرا على التحديات الإقليمية
الرئيسية، مثل انتشار الإرهاب، بل إن مثل هذا الانسحاب قد يؤدي إلى
تحسن فرص التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب. من ناحية
أخرى من الممكن أن يؤدي ذلك الانسحاب إلى زيادة فرص تقديم الدعم
الإقليمي، خصوصاً من الدول الخليجية الغنية، والمساهمة بقدر أكبر من
المصادر لتحقيق الاستقرار في العراق ودعم المنظمات الدولية التي تساعد
اللاجئين العراقيين.
وفي كل الأحوال، سيقيم جيران العراق نتائج الانسحاب الأمريكي في ضوء
مصالحهم الخاصة، فمثلا يعد الخطر الكردي مشكلة كبيرة لتركيا بسبب العدد
الكبير للسكان الأكراد بها، فيما يشكل الأكراد تهديدا أقل لكل من إيران
وسوريا. وبالمثل ترتبط تهديدات أخرى بمخاطر انتشار الطائفية بسبب
الأقليات الموجودة في بعض الدول العربية مثل الشيعة الذين يشكلون
تحديا أمام الأنظمة الحاكمة في الدول الخليجية.
نتائج الدراسة
توصلت الدراسة لمجموعة من النتائج يمكن إجمالها على النحو التالي:
• وضع جداول زمنية للانسحاب: يمكن للولايات المتحدة الوفاء بمواعيد
الانسحاب المحددة في 30 إبريل 2010، و31 أغسطس 2010، و31 ديسمبر 2011.
على أن هناك بعض المخاطر اللوجيستية فيما يتعلق بموعدي 30 إبريل 2010،
و31 أغسطس 2010، إلا أنه من الممكن إجمالا الالتزام بالمواعيد النهائية
المحددة.
• النزاع العربي - الكردي المسلح: يأتي التهديد الأعظم على تحقيق
الاستقرار والأمن العراقيين من الصراع العربي - الكردي المسلح على
المناطق المتنازع عليها.
• إيران: تمتلك إيران إمكانيات محدودة ولكنها مؤثرة في إمكانية
زعزعة استقرار العراق، فضلا عن الدافع لتحقيق ذلك. وبغض النظر عن توقيت
الانسحاب الأمريكي، فإنه سيتأثر بشكل ملحوظ بالعلاقات الأمريكية
الإيرانية.
• قوات الأمن العراقية: لتحقيق الاستقرار طويل المدى في العراق لابد
من تطوير هيكل ومهارة ومبدأ محاسبة هذه القوات.
• المصالحة والتنمية: يتطلب نجاح الانسحاب الأمريكي جهودا مستمرة من
جانب الولايات المتحدة وغيرها للترويج للمصالحة والتنمية في العراق.
التوصيات
تنقسم المخاطر المرتبطة بالانسحاب الأمريكي من العراق إلى أنواع
ثلاثة: (1) مخاطر تواجهها القوات الأمريكية أثناء الانسحاب، (2) مخاطر
تواجه الأمن والاستقرار العراقيين نتيجة انسحاب القوات الأمريكية، و(3)
مخاطر تواجه الاستقرار السياسي والعسكري الإقليمي.
ويمكن تلخيص أهم التوصيات الصادرة عن الدراسة للتعامل مع هذه
المخاطر على النحو التالي:ـ
1 ـ النزاع العربي - الكردي:
تعد تطلعات حكومة إقليم كردستان نحو تحقيق المزيد من الاستقلال
والحكم الذاتي هي التهديد الأكبر لوحدة العراق، ويمكن أن يتسبب ذلك في
نزاع داخلي خطير بل وتدخل من جانب بعض دول الجوار للعراق بعد رحيل
القوات الأمريكية. وللحد من هذا الخطر، يمكن اقتراح الآتي:
• تقسيم انسحاب الوحدات المقاتلة إلى مراحل بحيث تبقى الوحدات
القريبة من المناطق المتنازع عليها لأطول فترة ممكنة، وإن كان على
الولايات المتحدة ألا تثير أية توقعات خاطئة بين الزعماء الأكراد بأن
قواتها قد تبقى بعد 31 ديسمبر ،011.
• استكشاف إمكانية إنشاء قوة مراقبة عسكرية أو عملية حفظ السلام
تابعة للأمم المتحدة على الحدود بين كركوك والمناطق العربية فور مغادرة
القوات الأمريكية،
• تنسيق الإستراتيجيات الدبلوماسية للمنطقة مع تركيا، فضلا عن إيران
وسوريا إن أمكن.
2 ـ الفتنة الإيرانية:
لدى إيران العديد من الجماعات الموالية لها داخل العراق، ومن ثم
فلديها القدرة على التأثير فيه بشكل كبير، ولمحاولة الحد من تأثير
العامل الإيراني، يجب على الولايات المتحدة:
• إقامة حوار مع إيران، والربط بين إقامة علاقات ثنائية بين واشنطن
وطهران من ناحية وبين سلوك إيران في العراق من ناحية أخرى،
• زيادة الرقابة على المجموعات المدعومة إيرانياً داخل العراق عبر
قطع تدفق الأموال إليها.
3 ـ عودة "أبناء العراق" إلى العنف:
لدى العديد من الجماعات العراقية القدرة على التسبب في زعزعة جدية
في المجتمع العراقي. ولمواجهة ذلك على واشنطن:
• بذل مساع دبلوماسية لضمان وفاء الحكومة العراقية بالتزاماتها
مقابل "أبناء العراق"،
• تدريب "أبناء العراق" وتوفير فرص اقتصادية جديدة لهم،
• العمل مع الحكومة العراقية لإحباط أي إجراءات محلية مربكة، مثل
النزع الإجباري للسلاح أَو التمييز ضد البعض في الإسكان أَو المرافق
الأخرى.
4 ـ قوات الأمن العراقية:
يعتمد مستقبل العراق على مهارة قوات الأمن التابعة له خصوصاً الجيش
والشرطة، لذا يتوجب على الولايات المتحدة:
• إبقاء الموظفين الأمريكيين العاملين بمنظمات الأمن العراقية في
البلاد لأطول فترة ممكنة،
• نقل مهام الأمن الداخلي من الجيش إلى الشرطة،
• إعادة صياغة قواعد بيع المعدات العسكرية للعراقيين بحيث لا يكون
من الضروري تسديد دفعات نقدية مقدماً، على الأقل عند انخفاض أسعار
النفط،
• تحسين كفاء قادة الجيش العراقي عبر زيادة ميزانية تدريب الضباط
العراقيين في الولايات المتحدة،
• تشجيع الجيش العراقي على إبعاد بعض من قواته من الأعمال القتالية. |