عندما استلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز
الحكم، تم الإعلان لأول مرة ان اليوم الوطني 23 سبتمبر عيد وطني وإجازة
رسمية ومناسبة احتفالية، وقد رد المتشددون على هذا القرار (تخصيص إجازة
رسمية للاحتفال باليوم الوطني) بالرفض على أساس أنه بدعة مخالفة
للشريعة!.
وقد شهدت السعودية طوال هذه السنوات جدالا واسعا حول ذلك لاسيما من
قبل المتشددين الذين يرون في الاحتفال بدعة وتشبها بالكفار، وفي هذا
العام خلال ذكرى مناسبة الاحتفال بالعيد الوطني وقعت أحداث غير مسبوقة
منذ نشأة المملكة في 23 سبتمبر عام 1932م. أحداث وأعمال تكرس حالة
الازدواجية والتشدد.
المتشددون أصدروا في هذا العام فتوى بتحريم إقامة فعاليات
المهرجانات المصاحبة لعيد الفطر والعيد الوطني، التي تشرف عليها
الحكومة وتصرف عليها أموالا طائلة، بزعم أنها تجلب المفاسد وتعطل مصالح
المواطنين، وقد وقع الفتوى عشرة من رجال الدين المتشددين، كما كان هناك
من طالب الهيئة (الشرطة الدينية) بالتدخل لإرهاب المواطنين والقائمين.
ولم يتوقف هؤلاء ومن يؤيدهم عند هذا الحد، بل كما هي عادتهم حاولوا
تمرير ان كافة الشعب السعودي يرفض الأجواء الاحتفالية، عبر تحريك أفراد
هذا التيار (الأقلية) المنتشرين في كل مكان بالمبادرة بالحديث نيابة عن
المجتمع السعودي، والتدخل بإيقاف ومنع أي مهرجان احتفالي في مدن وقرى
المنطقة.
والخطير في هذه الفتاوي المتشددة المخالفة لتوجهات الحكومة، انها
أدت إلى شحن الشباب المتشدد، المستعد للقيام بأي عمل لإيقاف ما يخالف
توجهاته الفكرية وهذا بلا شك خطير جدا، وله سلبيات فادحة على الوطن
والمواطنين، يحتاج من الحكومة الى موقف واضح.
وما حدث في مدينة الخبر رابع أيام العيد من أعمال تخريبية واعتداء
على الناس والممتلكات من قبل أشخاص ملثمين يقال إنهم من المتشددين
جاؤوا من مناطق أخرى خارج المنطقة الشرقية، للتعبير عن رفضهم لمظاهر
الفرح والبهجة بـعيدي الفطر والوطني، وكادت الأمور تتجه للأسوأ لولا
تدخل القوات الخاصة والقبض على المئات من المخربين، هذا العمل ما هو
إلا رسالة من التيار المتشدد للمسؤولين وللمواطنين.
وفي هذا العام وبالتزامن مع مرور ذكرى 79 عاما على تأسيس المملكة،
تم افتتاح جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاوست)،
في مدينة جدة بحضور عدد من الزعماء ورؤساء الجامعات العالمية، والملفت
في هذه الجامعة انه لأول مرة في السعودية سيسمح بالاختلاط بين الذكور
والإناث،، والسماح للنساء بقيادة السيارة داخل الجامعة التي تقدر
مساحتها 36000 متر مربع، وان تكلفة إنشائها تقدر بنحو 10 مليارات ريال،
ومن الأمور الملفتة أيضا وجود امرأة كمقدمة للحفل، وهذه الأمور
الاختلاط والسفور وقيادة المرأة للسيارة وتقديم المرأة للحفل يحدث لأول
مرة في السعودية خارج مواقع شركة ارامكو والمسموح داخل مواقعها بذلك،
وكأنها جزء لا تنطبق عليه قوانين المؤسسة المتشددة التي تحرم كافة هذه
الأعمال، وللعلم فان شركة ارامكو هي التي قامت بالإشراف على إنشاء
الجامعة.
هذه الجامعة وما يحدث داخلها سيكون خلف جدران عملاقة، وكأنها جزيرة
خارج الأراضي السعودية، ودورها مقتصر على من بداخلها كواقع شركة ارامكو
التي مر على وجودها أكثر من 75 عاما، وبالتالي فالتأثير والأصداء على
المجتمع السعودي ستكون صفرا، ورغم ترحيب الإعلام الداخلي بالجامعة،
وسخط أصحاب التوجهات المتشددة، فان الشعب السعودي التواق للعلم
والمعرفة والدراسة في جامعات نموذجية راقية، والخروج من العزلة والتشدد
والخلاف المذهبي والفكري والقبلي، كان يأمل تعميم القوانين التي داخل
الجامعة في خارجها لتعم الفائدة على المجتمع السعودي، لا لتكريس حالة
الازدواجية داخل المجتمع الذي يعيش بحالتين متناقضتين، عبر تحليل أمور
داخل الجامعة ما يتم تحريمه داخل المجتمع، وإخضاعه بالإكراه لإرادة
المتشددين. بلا شك إن افتتاح الجامعة بهذه المواصفات على الأراضي
السعودية نقلة نوعية، كما انها تعني بداية مرحلة جديدة بين الحكومة
والتيار الديني المتشدد.
أهم شيء في اليوم الوطني أن يكون المواطن في سلم أولويات الوطن
والحكومة، لينعم بالامن والامان والحياة الكريمة وينال حقوقه كاملة
ليكون سعيدا في وطن بدون ازدواجية وتشدد وتطرف.
عيد سعيد.. مبروك يا وطن ويا مواطنين. ودامت الأفراح. |