بِمَ يُهَنِّئُنِيْ السَيّدُ المَالِكِيّ!!؟

محمّد جواد سنبه

بدون سابقة تعارف شخصي، بيني وبين السيّد رئيس الوزاء العراقي، تلقيت من سيادته رسالة تهنئة بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، عن طريق هاتفي الجوال، اعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركة. هذه الرسالة أثارت الكثير من استغرابي، ورسمت في ذهني عدداً من الافترضات منها؛ الافتراض الأوّل:

اذا كان السيّد المالكي يعرفني شخصياً فتلك مصيبة، لأنه يغمط حقي وهو يعلم من أكون.

الافتراض الثاني:

إذا كان السيّد المالكي لا يعرفني، فالمصيبة أعظم، لأنّ هذه التهنئة مخالفة للعرف السائد وما مألوف في مجتمعاتنا العربية. فقد تعارف الناس أنّ رئيس الدّولة أو الحكومة، يبعث في المناسبات الرسميّة العامّة، ببرقيّة تهنئة أوتعزية(لا سمح الله)، لعموم أبناء شعبه تنقلها وسائل الاعلام. أمّا بروتوكولياً، فيتمّ تبادل التهاني الشخصيّة، بين رئيس الدولة أو الحكومة وبين كبار المسؤولين فيها.

لكن يبدو في العراق الجديد، أنّ هذه القواعد قد خرقت وتبدّلت، فأصبح بعض المسؤولين العراقيين، يقتنصون المناسبات الواحدة تلو الأخرى، لينشروا صورهم البهيّة، على الصفحات الرئيسيّة للصحف المحليّة، وهم يزفّون للشعب العراقي التهاني والتبريكات(إذا كانت المناسبات مفرحة)، أو التعازي(اذا كانت المناسبات مترحة)، مشفوعة بامنياتهم له بالتقدم والرقي والازدهار. ظانّين بأنّهم قادرون على استغفال الشّعب، بوعودهم الورديّة التي باتت ((كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً))، فإنّهم بذلك يذكّرون الشّعب العراقي، بخيبة أمله بهم، وتعاسة حظه لانتخابه لهم.

أمّا الافتراض الثالث:

فلا يعدو عن كون رسالة التهنئة، عبارة عن إشارة تواصليّة(حسب مفهوم علم الاتصال)، القصد منها توجيه ذهن مستقبل الرسالة(المواطن العراقي)، للجهة القائمة بالاتصال(السيّد رئيس الوزراء)، لإحداث شيء من العلاقة الوديّة بين الطرفين، لأغراض تتعلق بالدعاية الكارازميّة لشخصية المرسل، والتي توظّف من الآن كمقدمة للدّعاية الانتخابيّة المقبلة. والنتائج المترتبة على هذا الافتراض سلبيّة، ولن تكن موفقة لصالح الدّعاية الانتخابية (إذا أريد منها ذلك)، لجملة أسباب منها:

1. لقد نفض الكثير من ابناء الشّعب العراقي، أيديهم من كلّ العهود والوعود، التي قطعت لهم سابقاً، من قبل أغلب المسؤولين، فقد كثرت الأقوال وقلّت الأفعال(مع الأسف الشديد).

2. فشل واضح في سياسة الحكومة الخارجيّة، وعجزها عن إدارة الكثير من الازمات مع دول المنطقة، والاخفاق في اقامة علاقات وديّة معها، تطمئنها من وجود عراق ديمقراطي جار أو قريب منها، وهذا الموضوع هو لبّ مشكلة الأزمة الأمنيّة العراقيّة.

3. استشراء الفساد المالي والاداري في دوائر الحكومة، حتى تجاوز وضعه، من وضع الظاهرة الطارئة، الى وضع الحالة المستدامة، وهذه الآفة تهدر أموال الشّعب العراقي بشكل كبير. وأحدث مثال امامنا، هروب ستة عشر ارهابياً من سجن محافظة صلاح الدين يوم 24 أيلول 2009، بينهم ممن حكم عليه بعقوبة الإعدام.

4. لقد تكفّل الزمن وتجدُد الأحداث، بكشف الحقائق التي حرص الكثير من المسؤولين الحكوميين، على تعميتها عن أنظار الشّعب العراقي، وأسوق منها مثالين للتذكير فقط، هما:

‌أ- في الفترة التي سبقت4 كانون الأوّل 2008، (تاريخ مصادقة مجلس الرئاسة العراقي، على الإتّفاقيّة الأمنيّة، المبرمة بيّن العراق وأمريكا، كانت تصريحات أرفع المسؤولين، تؤكد بأنّ توقيع الاتفاقيّة سيُخرج العراق من طائلة البند السابع، ومن هذه التصريحات تصريح للنائب السيّد علي العلاق(من كتلة الإئتلاف العراقي)، في برنامج (بالعراقي)الذي بثته فضائية الحرّة، في العاشرة مساءأً من يوم 14/1/2009، حيث قال السيّد العلاق، في هذا البرنامج بإصرار: ((يبدوانا الوحيد في هذه الجلسة الطيّبة ممن يقرّ بخروج العراق من الفصل السابع))... وقال في هذا اللقاء مؤكداً:((...السيّد رئيس الوزراء، في عدّة مناسبات كرر أنّ العراق قد خرج من الفصل السابع، واعتبرَ ذلك إنجازاً))(للمزيد من التفاصيل مراجعة مقالي الموسوم بعنوان((خَرَجْـنَا مِن الفَصْلِ السَابِـعِ.... أمّ لَـمْ نَخْرُجْ ؟.))، المنشور في جريدة البينة الجديدة العدد 741 في 21/1/2009). واليوم 23 أيلول 2009 صرّح السيّد رئيس الجمهورية جلال طالباني، عند زيارته لنيويورك لتمثيل العراق في الدورة 64 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بأنه سيطرح في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قضية رفع العقوبات عن العراق(أي اخراج العراق من بند الفصل السابع)، وإطفاء ديون العراق، ومساعدة العراق لإيقاف الإرهاب. وفعلا طلب السيد الطالباني، في كلمته أمام الجمعية العامة، يوم 24 أيلول هذه المطالب. ألا يعدّ ذلك تناقضاً بين الأقوال والأفعال؟.

‌ب- عجز مجلس النواب،الذي يعتبر صانع التشريعات والقوانين لدولة ديمقراطية حديثة، عن إصدار الكثير من القوانين، التي ترسي دعائم القانون والنظام، والتي تسهم باستقرار الوضع العراقي.

5. فشل اقتصادي كبير وتفشّي حالة البطالة، وارتفاع كبير في مستوى الأميّة، وتدني مستوى تأهيل المدارس والجامعات، وارتفاع أعداد العوائل، التي يؤشردخلها بأنّها دون خط الفقر(حسب احصائيات المنظّمات الانسانيّة المختصّة في هذا المجال).

6. تردي الخدمات بشكل عام، وزيارة واحدة لأي محافظة مستقرّة أمنياً، ستثبت بجلاء أنّ الوضع فيها، أقرب ما يكون إلى وضعها إبّان فترة النظام البائد.

7. فشل الخطة الاستثمارية الموعودة، وفشل الحكومة في استقطاب رأس المال المحلي والأجنبي، لتنفيذ المشاريع الاستثماريّة الكبيرة في العراق، وكما كانت تعد الحكومة بذلك.

8. تفاقم أزمة شحّة المياة في نهري دجلة والفرات، وازدياد المشاكل البيئية بوتيرة متصاعدة، وفشل كبير في معالجة أزمة السكن الخانقة في عموم العراق.

9. فشل أمني كبير، بالرغم من التصريحات المتكررة، للمسؤولين في وزارتي(الدفاع والداخليّة)، بأنّ جاهزيتهما قادرة على مسك الوضع الامني بشكل تامّ.

10. انبثاق مشاريع أرهقت ميزانيّة العراق، وبدّدت أموالاً طائلة، وهي لا زالت في طريقها الاستعراضي، دون أنْ تنتهي لنتيجة محدّدة، والظاهر ان هذه المشاريع غير خاضعة للتقييم، لذا فانها ستبقى مستمرة على هذا المنوال لفترة طويلة من الزمن؛ منها مشروع المصالحة الوطنيّة، وقانون المسائلة والعدالة، ومجالس الاسناد، وزجّ العشائر العراقيّة، كقوى سياسية تسهم في استقرار وضع العراق مستقبلاً. فيجب اعادة تقييم نتائج هذه المبادرات، ولا غرابة إذا قلت أنّ هذه المشاريع لها انعكاسات سلبيّة، على عمليّة بناء المواطن الصالح، لأنّ توزيع الأموال والهبات بدون مسوّغ واقعي يستند إلى الدّقة والصّحة في المشروعيّة، تفسد الضمائر ولا تصلحها في كثير من الأحيان، وتجعل المستفيد منها يدور في فلك المصالح النفعيّة الخاصّة، وينسى دوره الجماعي المطلوب في بناء المجتمع والوطن.

11. التخبّط في فهم العلاقة الجيواستراتيجيّة، بين العراق ودول المنطقة، وعدم فهم العلاقة الجيواستراتيجيّة لتلك الدول مع العراق، والعجز عن قراءتها بنظرة وطنيّة عراقيّة، لا حسب المنظور الامريكي وإملاءآته، فبدون ذلك سيبقي العراق بعيداً عن التمتع بوضع أمني وسياسي واقتصادي مستقر.

12. على ضوء دستور غير متفق عليه، وقوانين غير تامّة، وظهور بوادر لتقسيم العراق أرضاً وموارداً، والاستمرار بمنهج ترحيل المشاكل الى المستقبل، ووجود ما يسمى بالكتل السياسيّة غير المتفاهمة، وغير المنسجمة مع الكتل السياسيّة الأخرى، والتي يخضع بعضها لإملاءآت خارجيّة، كل هذه العوامل وغيرها، لا تشجّع لرسم معالم عراق مستقر، ينعم بالاستقلال والأمن والرّخاء.

هناك ملاحظة لابدّ من ذكرها: من المعروف أنّ شركة الإتّصالات، التي أرسلت عبر شبكتها رسائل تهنئتكم، قد استوفت منكم مبالغ تلك الرسائل، وفي هذه الحالة تبرز ثلاثة احتمالات.

الإحتمال الأوّل: إذا كانت الاموال المستوفاة مقابل تلك الخدمة، من مالكم الخاص، فذلك تبذير، وكان من الأجدر أنْ تصرفوها على فقراء العراق بنيّة (الصدقة المطلقة دفعاً للبلاء عنكم وعن المتعلقين بكم).

الإحتمال الثاني: إذا كانت تلك المصروفات، من المال العامّ، فتلك خيانة واضحة للأمانة.

الإحتمال الثالث: إذا كانت جهة معيّنة، قد تبرّعت بتسديد تلك الأجور نيابة عنكم، فتلك رشوة. أسأله تعالى أنْ يجنبكم ومحبيكم كلّ مفسدة.  

فيا دولة رئيس الوزراء المحترم، بِمَ تُهَنِّئُنِي، ووطني وشعبي يئن تحت الآم الضيّم والحرمان، ويعيش اليأس والخذلان. لقد نكأتَ جُرحاً في قلبي، ضمّدته بالأحزان، وغلفته بالنّسيان، وأخفيته عن العيان، وأسررته عن البيان، أقول هذا والله المستعان.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/أيلول/2009 - 8/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م