حول ملابسات بورصة أوسلو

أسئلة إلى وزير نفط كوردستان

علي الأسدي

نفت حكومة إقليم كردستان تورط وزير الموارد الطبيعية آشتي هورامي بتعاملات مالية مع شركة DNO النرويجية العاملة في مجال التنقيب عن النفط في إقليم كردستان،  كما جاء في الخبر الذي بثته وكالة سوا للأنباء يوم 21! أيلول الحالي. وأعرب خالد صالح مستشار رئيس الحكومة المنصرفة نيجرفان البرزاني في بيان له عن استغرابه لنشر بورصة أوسلو النرويجية هذه المعلومات "التجارية الحساسة من دون أية محاولة لطلب إيضاحات" من حكومة الإقليم، وأضاف صالح أن وزير الموارد الطبيعية في حكومة الإقليم آشتي هورامي كان يتعامل بصفته الرسمية كوزير وليس على أساس شخصي، لافتا إلى أن الأمر كان لمساعدة الشركة المذكورة على توفير رأس المال اللازم لمشاريعها في الإقليم، بحسب البيان.

وكانت وكالة رويترز للأنباء قد ذكرت يوم 24 أيلول الجاري أن بورصة أوسلو النرويجية قد بينت في تقرير لها الجمعة الماضي 18 أيلول الجاري إلى أن شركة النفط والغاز النرويجية DNO باعت سرا في العام 2008 أسهما بقيمة 35 مليون دولار إلى وزير الموارد الطبيعية في حكومة الإقليم، مضيفة أن إخفاء الشركة لأسماء مالكي الأسهم يعد خرقا للوائح البورصة النرويجية.  وبحسب الوكالة أن الشركة النرويجية قد اكتشفت أن بضعة ملايين من أسهمها المباعة للسيد هورامي قد أخذت طريقها إلى شركة جينيل التركية الخاصة. علما بأن السلطة الكردية تساهم ب75 % من قيمة أسهم الشركة.

وكانت القيمة السوقية لأسهم الشركة النرويجية في بورصة أوسلو قد هوت بنسبة 55 % من قيمتها يوم الخميس 17 أيلول الجاري بسبب افتضاح أمر الصفقة مما كلف الشركة وطبعا حكومة الاقليم المساهم الأكبر فيها خسارة قدرت بنحو 500 مليون دولارا أمريكيا بنتيجة الهبوط في قيمة أسهمها. وقالت هيئة الرقابة المالية النرويجية أنها طلبت من الشرطة التحقيق في حيثيات عملية بيع الأسهم التي وصفتها بغير المشروعة.

إن تصريح مستشار رئيس الحكومة المنصرف نيجرفان برزاني " بدل أن يكحلها عماها " كما يقول المثل الشعبي، فقد حاول إنقاذ وزير الموارد الطبيعية من شبهة التلاعب بأموال الشعب، مدعيا بأن الوزير لم يتصرف باسمه كشخص وإنما كوزير في حكومة. ولم يطرأ ببال مستشار الرئيس أن وزراء الحكومة لا يعملون ولا ينبغي أن يعملون بالسر، فكيف بهم وهم يضاربون بأموال الشعب العراقي. لم يكن المبلغ الذي دفعه السيد هورامي مقابل الأسهم المشتراة سرا من جيبه الخاص، بل من ميزانية حكومة إقليم كوردستان، فهل أجاز مجلس نواب الأقليم تلك الصفقة، وإذا لا، هل أحيط علما بها؟ وإذا كان الغرض من شراء تلك الأسهم هو المضاربة، ألم يفكر الوزير ورئيسه بتبعاتها على ميزانية الأقليم فيما لو هوت أسعار الأسهم المشتراة وفقدت قيمتها كما حدث الآن؟ وهل الحكومة الاتحادية ببغداد على اطلاع بعملية المضاربة تلك التي استخدمت فيها أموالا عامة تخص شعب العراق كله وليس شعب كوردستان وحده؟

إن ما تقوم به حكومة إقليم كوردستان من نشاطات تنقيب عن النفط والغاز وموارد طبيعية أخرى يكتنفه غموض محير، فالنشاطات محاطة بسرية وتعتيم إعلامي غير مبرر. فلو كان الغرض من السرية هو منع بغداد من التدخل في نشاطات تعتبرها حكومة الاقليم حقا خاصا بها، فلماذا إذا يغيب ويعتم على الشعب الكردي نفسه الذي تعمل حكومته باسمه ولمصلحته كما تدعي؟

إن الفضيحة الأخيرة تلقي الضوء على حقائق ربما كانت غائبة عن الرأي العام العراقي والكوردي خاصة، وتثير بنفس الوقت ظلالا من الشكوك المشروعة على نشاطات وعلاقات بعض المسئولين في حكومة إقليم كوردستان، التي تشكل الفضيحة الأخيرة إحداها وليست آخرها.

فقد تكون هناك صفقات خاسرة منيت بها جهات مسئولة عاملة في نشاطات المضاربة بالمال العام، ففي غياب الشفافية والرقابة البرلمانية والحكومية لا يمكن استبعاد أي شيء. ويحق لأي مواطن عراقي أن يسأل من أين جاء السيد آشتي هورامي بمبلغ 35 مليون دولا ليدفع ثمن الأسهم التي ابتاعها، هل هي من موارد الميزانية المخصصة لاقليم كوردستان من قبل الحكومة المركزية؟ إن اقتطاع المبلغ المذكور منها لاغراض الاستثمار في المضاربات المالية المحفوفة بالمخاطر هو نوع من المقامرة، وهو لذلك لا يعتبر تصرفا مسئولا أو عقلانيا، لأنها أموال الغرض منها تعمير كوردستان وتغطية نفقات العاملين في أجهزتها. لقد نوه البعض خلال انتخابات ! الاقليم الأخيرة عن وجود فساد في عقود النفط، وأن مسئولين في الحكومة قد استحوذوا بطرق غير مشروعة على نسبة في موارد النفط المتأتية نتيجة العقود الأخيرة مع الشركات الأجنبية، ولا يوجد تفسير لتلك الحصة غير أنها ثمنا لخدمات لصالح الشركات التي فازت بعقود نفطية ضمنت فيها حصة الأسد على حساب المصلحة العامة.

لقد تداولت وسائل الاعلام الخبر بحذر كونه طرح خلال الحملات الانتخابية خاصة وأن التصريح قد ورد على لسان قائمة منشقة عن التحالف الكردستاني، ومع أن الجهات الحكومية قد كذبت الخبر في حينه إلا أن الخبر قد ثبتت صحته أخيرا، وأن قائله دلل على مصداقيته بعد أن انكشفت فضيحة البورصة النرويجية في أوسلو. ولا يعرف كم من الصفقات المماثلة وربما أسوء ما زالت طي الكتمان، وأن إزاحة الستار عنها لن يستغرق طويلا.

إن موضوع الخلاف مع بورصة أوسلو ليس المضاربة بأسهم الشركة النرويجية بالذات، فوظيفة البورصة أصلا هي المضاربة في الأسهم وهو نشاط شرعي معترف به، ويتم التعامل يوميا بملايين الأسهم تصل قيمتها مليارات الدولارات الأمريكية، إنما الخلاف حول دواعي اللجوء إلى السرية في تداول أسماء المتعاملين.

نطرح هنا سؤالا محددا، لماذا ابتاع السيد هورامي الأسهم، فهو ليس وسيطا، وأن ما قام به هو من اختصاص الوسطاء حصريا؟ إن "الشركة التركية جينيل " التي تسلمت تلك الأسهم مقابل مبالغ تحتاجها الشركة النفطية النرويجية للقيام باستثمارات في كوردستان، كما أدعى مستشار السيد نيجرفان برزاني كان بأمكانها أن تشتريها هي نفسها من البورصة، فأسهم الشركة النرويجية معروضة للبيع والشراء لأي جهة. والسؤال الآخر، لماذا يقوم السيد هورامي بجمع الأموال للشركة النرويجية، أليس للشركة وسائلها للحصول على المال لتمويل استثماراتها في كوردستان أو في غيرها من البلدان؟

 بحسب وكالة رويترز أن القسم الأكبر من أسهم الشركة النرويجية للنفط تمتلكه حكومة كوردستان ( 75 % )، وإن عملية ابتياع الأسهم لصالح الشركة التركية قد تم لجعل الشركة التركية شريكا فيها وفي نفط كوردستان، وهو حلم طالما راود الأتراك لزرع مصالح اقتصادية لهم في الإقليم تمهيدا لمصالح سياسية أقوى مستقبلا. وكما يعرف المختصون إن التعاون الاقتصادي غير التملك الاقتصادي، والشراكة في النشاطات الاستثمارية لانتاج النفط غير الشراكة في ملكية احتياطاته، والشراكة في نشاطات انتاج ونقل النفط والغاز تختلف عن حقوق الامتياز التي تخول الشركات الاجنبية التحكم في كمية وكيفية انتاجه والتصرف به. فالمفترض أن حكومة الإقليم هي صاحبة الامتياز في انتاج النفط والغاز الذي هو ملكية عامة للشعب ولا يمكن إشراك طرف أجنبي في تلك الملكية بحسب الدستور العراقي.

وما لم تفصح السلطات في كردستان عن فحوى اتفاقها مع " الشركة التركية جينيل " أو غيرها من الشركات النفطية تظل العقود الموقعة مع تلك الشركات موضع شكوك مشروعة. فكما هو متداول في وسائل الاعلام وما تؤكده وزارة النفط الاتحادية إن كل العقود التي أبرمتها وزارة الموارد الطبيعية في كوردستان مع الشركات النفطية الاجنبية هي من نوع اتفاقيات الشراكة في الانتاج حيث تعطى نسبة كبيرة من الأرباح للشركات قد تصل إلى 55 %، هذا فضلاً عن ان الشركات التي تم ابرام العقود معها شبه مجهولة وغير معروفة في السوق النفطية العالمية، وقد تأسس بعضها في كردستان، او أنها كانت موجودة مسبقاً ولكنها عملت في مجال نقل النفط وليس لها إلمام باستخراج النفط، هذا إضافة إلى أن أسماء بعض هذه الشركات مدرجة في القائمة السوداء لعلاقتها بكوبونات النفط لدى حكومة النظام السابق.

الموضوع المهم الآخر المثير للشك هو السعي المحموم من جانب مسئولين في حكومة الاقليم لاستقطاب الرأسماليين الأتراك ومن خلالهم على ما يبدو جنرالاتهم في صفقة أقل ما يقال عنها أنها غامضة. إن المراقب لذلك التهافت نحو الشركات التركية لابد ويعتبرها صفقات مقايضة للنفط العراقي مقابل الصمت التركي عن إجراءات للاستقلال عن بغداد.

 إن ما يدعم هذا التصور الذي نأمل أن يكون خاطئأ ومبالغا فيه هو التعتيم على هذه المسألة بتصريحات في العلن على لسان مسئولين كبارا في الاقليم بأن العقود التي وقعت مع الشركات الأجنبية النفطية هي لمصلحة الشعب العراقي وليست لمصلحة شعب كردستان وحده، في حين لا يعرف الشعب العراقي أو الشعب الكردي تفاصيل تلك العقود أو الأسس التي تمت وفقها.إضافة إلى ذلك كله هناك وقائع على الأرض تسير باتجاه آخر، وهو ما استنتجه الكاتب والصحفي السيد نزار آغري في مقاله " شراكة كردية – تركية في نفط الشمال " المنشور في عدد الحياة 26 / 06 /2009 والذي! جاء فيه نصا:

" أن الكلام الجميل عن أن النفط المستخرج من كردستان يعود للعراق كله يتناقض مع ما يجري على أرض الواقع.فقد أكد رئيس لجنة الصناعة والطاقة في برلمان كردستان أن تصدير نفط كردستان سيدر في المستقبل ملايين الدولارات على الاقليم، وأن المشروع سيخلص اقليم كردستان من التبعية الاقتصادية للعراق". ويعتقد الكاتب أن تصدير النفط من وجهة نظر الساسة الكرد سيعزز موقع الإقليم في المعادلات السياسية، ومن خلال هذا المشروع الاستراتيجي سيصبح إقليم كردستان غنياً بانتاج النفط و«سيكون قادراً على إدارة أموره بنفسه».

ويذهب الكاتب في تحليله إلى القول :" أن اللاعب الرئيس في العملية كلها هو تركيا التي كانت حتى وقت قريب، تنظر الى أي خطوة كردية من هذا القبيل بعين الريبة. إن تركيا هي بالفعل الفائز الأكبر في كل هذا. وانفتاحها المفاجئ على إقليم كردستان العراق لا يعود إلى صحوة في الضمير، بل إنه يرجع، في رأي كثرة من المراقبين، إلى المنافع الكثيرة التي تجنيها الشركات التركية من تصدير النفط من الإقليم الكردي. وهناك من يعتقد أن «اتفاقاً سرياً» قد تحقق بين حكومة إقليم كردستان العراق وتركيا بموافقة أميركية.

وفي هذا الصدد يشير محللون سياسيون الى احتمالات أن تكون الولايات المتحدة أعطت ضمانات لتركيا بمساهمة حكومة كردستان العراق في ضبط إيقاع متمردي حزب العمال الكردستاني مقابل أن تصبح أنقرة حاضنة للمشروع النفطي الكردي ".

ولا يسعنا هنا  تعليقا على ما أورده الصحفي نزار آغري إلا القول : أن ألله وحده يعرف حجم الثمن الذي طلبته أنقرة من القادة الأكراد، وحتى تتكشف الحقيقة سنظل ننتظر لحظة كتلك التي تكشفت فيها  فضيحة بورصة اوسلو ولنقل " فضيحة جمعة أيلول السوداء ".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/أيلول/2009 - 8/شوال/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م