
شبكة النبأ: في الوقت الذي تركز فيه
الولايات المتحدة على قمة مجموعة العشرين واجتماع الأول من تشرين
الأول/أكتوبر مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني،
تركزَ الاهتمام الإيراني على الاحتجاجات التي قد تزعزع الاستقرار في
إيران والتي جرت في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر وهو ما يوافق «يوم
القدس».
وسيكون هذا الاختلاف الكبير في جدول أعمال الدولتين -حيث ينصب
الاهتمام الإيراني على الاضطرابات الداخلية أكثر من الاهتمام بالقضايا
الدولية المتفاقمة -عاملاً رئيسياً في تعقيد الموقف فيما يتعلق
بالمفاوضات التي ستجري بين المجتمع الدولي وإيران في الأسابيع المقبلة.
وكتبَ كل مِن مهدي خلجي زميل أقدم في معهد واشنطن وپاتريك كلاوسون
وهو نائب المدير لشؤون الأبحاث في معهد واشنطن مقالا حول الموضوع جاء
فيه: منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، دأبت الجمهورية الإسلامية في
إيران على اعتبار آخر جمعة في رمضان بأنه «يوم القدس»، حيث تقام
احتفالية تضامن مع الرفض الفلسطيني واحتجاجاً على الولايات المتحدة
وإسرائيل. وقد أصبح «يوم القدس» رمزاً لمساعي الجمهورية الإسلامية
لتقديم نفسها كزعيمة الجالية الإسلامية في العالم في رفض ما تراه بأنه
مؤامرة غربية وإسرائيلية ضد الإسلام.
ويبين كاتبا المقال، يمثل «يوم القدس» هذا العام معضلة بالغة
للحكومة الإيرانية: فالسماح لمئات الآلاف من الإيرانيين بالاحتجاج في
الشوارع يعطي فرصة للمعارضة لبث شعاراتها. وكما قال حفيد آية الله روح
الله الخميني، حسن الخميني في السادس عشر من أيلول/سبتمبر: "«يوم القدس»
هو يومٌ عالمي، ولا يقتصر على القدس. فهو يومٌ للمستضعفين ليقاوموا فيه
الطغاة". وقد أدلى "الحرس الثوري للجمهورية الإسلامية" بتصريحات ألقى
باللائمة فيها على "النظام الصهيوني" لتآمره لإخراج الناس للتظاهر في «يوم
القدس» بهدف "تشتيت تحرك الشعب الإيراني ضد إسرائيل". ولأول مرة في
تاريخ الجمهورية الإسلامية مُنع الرئيس السابق علي أكبر هاشمي
رافسنجاني من إلقاء خطبة الجمعة في طهران في «يوم القدس». وربما كان
الأمل في البداية يتمثل باقتصار رافسنجاني على مناقشة العلاقات
الخارجية، بجيث يُظهر اتفاق القادة الإيرانيين حول هذه القضايا، ولكن
يبدو أن هذا التوجه قد أصبح محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للنظام. وبالفعل
فكر المحافظون الإيرانيون في الحصيلة المتوقعة ووصلوا إلى نتيجة بأن
الشعب قد يحتج ضدهم بدلاً من إسرائيل والغرب – وهو تطور من شأنه أن
يكشف الإدعاءات الفارغة التي يدعيها المتشددون بوجود تأييد شعبي لهم.
رؤية خامنئي 'المخملية' بشأن المفاوضات
ويذكّر الكاتبان، كان الخلاف حول «يوم القدس» – وليس حول المفاوضات
النووية – الموضوع الرئيسي للنقاش في الدوائر السياسية الإيرانية على
مدار الأسبوع الماضي. ولا يعكس هذا مجرد الهيمنة المعتادة للسياسات
الداخلية على العلاقات الخارجية – وهو موقف لا يقتصر بالتأكيد على
إيران – بل يشير أيضاً إلى مدى الحساسية التي وصل إليها الوضع السياسي
الداخلي في إيران.
على مدار عشرين عاماً، كان يحذر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في
إيران، آية الله على خامنئي، من الأخطار التي تتهدد الجمهورية
الإسلامية من الغزو الثقافي الغربي. فلقد صرح بأن الغرب سيعمل على
إثارة "ثورة ناعمة" شبيهة بتلك التي حدثت في تشيكوسلوفاكيا في عام
1989، والتي شهدت السقوط السريع جداً للحكومة التي كانت تبدو وكأنها
راسخة. ومن منظور خامنئي إن الأحداث التي وقعت على مدار الأشهر الثلاثة
الماضية تظهر صدق نبوءته. وكانت الجهود الأولى للحملة الانتخابية
للمرشح الذي لا يحظى بشعبية، حسين موسوي، مخيبة للآمال؛ ولكن في نهاية
الحملة الانتخابية، وخاصة بعد المناظرة التلفزيونية بين موسوي ومحمود
أحمدي نجاد، عبر مئات الآلاف من الإيرانيين عن مشاعر قوية في تأييدهم
له. وقد يجد أي شخص يؤمن بنظرية المؤامرة دليلاً على وجود قوى ذات نفوذ
تقف خلف موسوي. وبالفعل، كانت هناك قوى وراءه، ولكنها تمثلت بتأييد
الرئيسين السابقين محمد خاتمي ورافسنجاني – وليس الغرب.
ورداً على ذلك، قرر خامنئي سحق هذا الأمل: فقد أمر بالتلاعب
بالأصوات بشكل سافر لكي يؤكد بأنه لن يُسْمَحَ لأي انتخابات بتغيير
النظام؛ ثم ظهر ليعلن عن تأييده للمواقف السياسية لأحمدي نجاد، بدلاً
من أن يبقى بعيداً عن النزاع. وعلاوة على ذلك، قام مراراً بإلقاء
اللائمة على المحتجين بطرق أججت المشاعر ضده وضد النظام الذي يمثله.
وباختصار، كان خامنئي خائفاً جداً من حدوث ثورة مخملية ناعمة، بحيث
أثار واحدة منها.
وبالنسبة لخامنئي ربما تكون الاحتجاجات قد أكدت رؤيته التي طالما
عبر عنها وهي أن المسألة النووية هي مجرد ذريعة للغرب للمضي قدماً في
مؤامرته للإطاحة بالجمهورية الإسلامية. وفي المحاكمات الصورية التي
أعقبت الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر من حزيران/يونيو
المنصرم، كان المدعون العامون يلقون تهماً شديدة حول مؤامرة واسعة
النطاق تورط فيها إصلاحيون إيرانيون وحكومات غربية. وفي هذه المحاكمات،
تم اتهام علماء الاجتماع الألمان ماكس ڤيبر (1920-1964) ويورجن
هابيرماس، بالإضافة إلى أستاذ العلوم السياسية البريطاني جون كين
بتحريض الإصلاحيين الإيرانيين على قلب نظام الحكم. وقد قلل خامنئي الآن
من هذا الإتهام: حيث قام في الشهر الماضي بمهاجمة تدريس العلوم
الإنسانية، قائلاً أن "تدريس تلك العلوم الأكاديمية في الجامعات يؤدي
إلى التشكيك في المبادئ الدينية والعقائدية". ويعتقد خامنئي أن العلوم
الإنسانية هي أدوات استعمارية في يد الغرب لاحتلال عقول المسلمين.
وفي ظل هذا الجو، يبدو أن القلق يساور خامنئي من أنه إذا تم حل قضية
الملف النووي الإيراني، سيجد الغرب ذريعة أخرى للمضي قدماً في هدفه
الحقيقي المتمثل في الغزو الثقافي. وبالنسبة لخامنئي، من شأن أي تنازل
في قضية الملف النووي أن يعمل على إذكاء المساعي الغربية للإطاحة به.
فبغض النظر عن عدد المرات التي تؤكد فيها واشنطن عن استعدادها للعمل مع
نظام خامنئي الإسلامي، ليس من المحتمل أن يصدق خامنئي أي كلمة من ذلك.
ولذا لم يبد أي اهتمام في حل الخلافات العالقة مع الغرب. وفي خطبة
الجمعة الماضية، قال خامنئي: "إن عداء أمريكا وبريطانيا والصهاينة
لإيران هو مصدر فخر واعتزاز للأمة الإيرانية، وهذا أمر لا ينبغي أن
يخيفنا أو يجبرنا على التخلي [عن السياسة التي نتبعها] تجاه العدو".
ومع ذلك، فإن خامنئي مصيب في نقطة واحدة: ستكون جميع الحكومات
الغربية سعيدة لرؤية المتشددين الإيرانيين يفقدون السلطة وأن تتحول
الجمهورية الإسلامية إلى نظام أكثر ديمقراطية.
التداعيات السياسية
ويبيّن كاتبا المقال، إن الخوف من قيام ثورة مخملية ناعمة، يرافقها
انقسام عميق داخل صفوف النخبة الإيرانية، يُعقد بشدة الجهود القائمة
للتفاوض مع إيران. وإذا ما وضعنا في اعتبارنا آراء خامنئي عن الغرب،
فربما لا يجد فائدة كبيرة في حل المعضلة النووية. وحتى لو قرر التعاطي
مع الغرب – وليس هناك ثمة دليل أنه سيفعل ذلك – فإن صياغة إجماع بين
النخبة الإيرانية المنقسمة فيما بينها انقساماً شديداً تمهيداً لمثل
هذا التغيير في الاتجاه لن يكون عملاً سهلاً.
وبالنسبة للمعسكر الإيراني المتشدد: على مدار أسابيع، كان أحمدي
نجاد يخوض مناوشات مع أعضاء مجلس الشورى الإيراني حول ترشيحاته لوزرائه،
وتظهر التقارير أن هناك استياءاً عميقاً بين صفوف الأجهزة الأمنية،
المتمثلة في كل من الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات، اللذين كان
يطهرهما أحمدي نجاد من العناصر غير المرغوب فيها. وفي ظل هذا الجو
المشحون بالريبة والكره المتبادل، من شبه المؤكد أن يتم انتقاد أي
مبادرة للتسوية مع الغرب بصورة شديدة باعتبارها خيانة للمبادئ الثورية
الإيرانية.
ومع ذلك، طالما سعى أحمدي نجاد إلى استغلال المفاوضات الدولية
لتعزيز مكانته، كما يتضح من رسائله إلى مختلف زعماء العالم وطلبه إقامة
مناظرة مع الرئيس باراك أوباما. ويبدو أن الهدف الرئيسي للرئيس
الإيراني يتمثل في استغلال برنامجه لتعزيز أجندته الأيديولوجية
والتصادمية المناوئة للغرب، الأمر الذي يتماشى مع وجهة نظره بأن
الدبلوماسية العامة هي الميدان الرئيسي لنضال المتشددين الإسلاميين.
وقد يعتقد أحمدي نجاد أيضاً بأن على الغرب أن يقدم تنازلات لصالح قبول
المطالب الإيرانية، وهو ما يعني إبرام صفقة تسمح لإيران بالحفاظ على
برنامجها النووي. ومع ذلك، لا يمتلك خامنئي نفس الدرجة من الثقة، فهو
أكثر قلقاً من أوجه الضرر التي ستلحق بإيران في أي مفاوضات مع الغرب.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المتشددين الإيرانيين هم خصوم غير تقليديين،
قد يستجيبون لاستراتيجيات التفاوض النمطية بطرق غير مألوفة. وقد ينتاب
المتشددون الإيرانيون الخوف من الجزرة التي يقدمها لهم الغرب باعتقادهم
بأن العروض التي تقدمها هذه الجزرة من أجل قيام تعاون أوثق، ما هي إلا
مؤامرة لإثارة انقلاب ناعم عن طريق تلك الجماعات في المجتمع الإيراني —
من المثقفين ورجال الأعمال والشباب والنساء – التي يخشى منها
المتشددون. وبالمثل، قد يرحب المتشددون بما قد تقدمه العصي الغربية،
حيث سيعتقدون بأن العقوبات أو الضربة العسكرية لن تلحق ضرراً كبيراً
وقد تحشد الدعم الوطني لهم.
ويختم الكاتبان مقالهما بنتيجة مفادها، على الرغم من أن التوقعات
الحالية لقيام تواصل ناجح مع إيران ضعيفة، ليس أمام الغرب خيارات تذكر
سوى تجربة ما لديه. وقد يقرر زعماء إيران – رغم انعدام ثقتهم العميق
تجاه الغرب – بأن تجاهل عرض من قبل رئيس أمريكي يحظى بشعبية كبيرة مثل
أوباما والذي يبدو من الواضح بأنه يرغب في التعاطي مع إيران، فيه درجة
كبيرة من المقامرة.
وعلى أية حال، فقد تضررت إيران بشدة من جراء التباطؤ الاقتصادي
العالمي، وسياسات أحمدي نجاد الأيديولوجية والاقتصادية والعقوبات
الغربية. وبالإضافة إلى ذلك، يلوح في الأفق التهديد بقيام إسرائيل بعمل
عسكري ضد إيران. وعلى الرغم من هذه العوامل، لا ينبغي أن تنتاب المرء
أية أوهام: فالغرب لا يعتزم هز قناعة المتشددين الإيرانيين والمتمثلة
بأن الغرب ينوي التقرب من إيران للإطاحة بجمهوريتها الإسلامية. |