
شبكة النبأ: من بين الاقتراحات السياسية لدرء بروز إيران كقوة نووية
عسكرية هي الفكرة المتمثلة بأنه ينبغي على المملكة العربية السعودية
استخدام مكانتها -كأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم ورائدة فعالة في
كارتل منتجي النفط في منظمة أوبك- للضغط على طهران.
وكتب الباحث سايمون هندرسون، زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة
الطاقة في معهد واشنطن مقالا هاما حول الموضوع جاء فيه: إن المملكة
قلقة بشكل متزايد من أن تؤدي القدرة على إنتاج أسلحة نووية إلى إضفاء
مكانة إقليمية مهيمنة لإيران. بيد إن أي أمل بقيام المملكة العربية
السعودية بالتدخل لوقف هذا الاحتمال، من خلال ضخ إمدادات نفط اضافية
لخفض الأسعار وتقليل عائدات النفط الإيراني، ربما ليست في محلّها.
تاريخياً، ادعت المملكة العربية السعودية بأنها لن تستخدم دورها
الريادي في سوق النفط لأغراض سياسية. ففي مقابلة نشرت في صحيفة الـ "فايننشال
تايمز" في حزيران/يونيو 2001، قال ولي العهد آنذاك الأمير عبد الله: "إن
النفط هو من السلع الاستراتيجية التي يتوقف عليها ازدهار الدول
الصناعية فضلاً عن البلدان النامية. إن سياستنا النفطية هي سياسة حكيمة
تسعى إلى إقامة توازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين. إن الكلام عن
النفط خارج هذا الاطار لا يخدم أي غرض".
ويشير الكاتب، مع ذلك فإن أشهر ما يعرف عن المملكة العربية السعودية
بأنها تزعمت دول عربية أخرى منتجة للنفط في خفض امدادات النفط إلى
الولايات المتحدة خلال حرب يوم الغفران في عام 1973، وقامت في وقت لاحق
بقطع جميع شحنات النفط. وقد وصف وزير الخارجية الأمريكية آنذاك هنري
كيسنجر استخدام سلاح النفط لتقليص الدعم الأمريكي لإسرائيل التي كانت
ترد على الهجوم المصري والسوري بأنه "ابتزاز سياسي". ومرة أخرى، في آب/أغسطس
2001، وبعد بضعة أسابيع فقط من المقابلة في الـ "فاينانشيال تايمز"،
ورد [في الصحف] بأن المسؤولين السعوديين، الذي كانوا يعدون لعقد اجتماع
بين عبد الله والرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جورج دبليو بوش، أوضحوا
بأنه ما لم يتغير الدعم الامريكي لإسرائيل، هناك إمكانية لتداخل موضوع
امدادات النفط [في السياسة المستقبلية].
أولويات السياسة السعودية
ويتابع الكاتب، على الرغم من الخوف من الخطط الإيرانية والتحامل
تجاه المذهب الإسلامي الشيعي في إيران، تنحرف السياسة الخارجية
السعودية - بصورة غريزية - بعيداً عن العداء المفتوح تجاه إيران. فمن
الناحية التقليدية، تقوم سياسة المملكة على ثلاث دعامات: الإسلام،
والنفط، والعالم العربي. وترى الرياض نفسها زعيمة لكل ركيزة من هذه
الركائز وهي مصممة على الحفاظ على هذا الدور. ومع ذلك، ربما تشكل قيادة
المملكة للعالم الاسلامي القلق الأكبر من بين هذه المجالات الثلاث.
وفي المواضيع المتعلقة بالإسلام، تحتفظ كل من السعودية وإيران
"بقشرة خارجية" من الأدب والتربية على الرغم من العداوات التاريخية بين
السنة والشيعة. ويمتد هذا النقيض إلى الوهابيين السعوديين المتشددين،
الذين لا يعتبرون الشيعة مسلمين حقيقيين، بل [أصحاب مذهب] يستحقون
الإعدام. وقد لمح عدد قليل من الزعماء الدينيين الإيرانيين بأن العائلة
المالكة السعودية ليست راعية مناسبة للأماكن الإسلامية المقدسة
الرئيسية، مكة والمدينة. إن النتيجة من كل ذلك هي الوصول إلى حالة
مواجَهة بين الطرفين، مع احتمال اتخاذ إجراءات عن طريق شن حرب بالوكالة
بين الأغلبية الشيعية والطائفة السنية الأصغر حجماً في العراق المجاور.
ويشير الكاتب، بكونها الزعيمة الفعلية لمنظمة أوبك، من غير المرجح
أن تخوض الرياض معركة مع عضو آخر. فخلال الحرب الإيرانية العراقية بين
الأعوام 1988-1980، واصل كارتل منتجي النفط دوره بصورة عادية تقريباً،
وذلك بحضور وزراء النفط من الدولتين اجتماعات اوبك على الرغم من أن كلاً
منهما كانتا تستهدفان المنشآت النفطية للدولة الأخرى.
ويذكّر الكاتب، في أغلب الوقت لم يكن العالم العربي واضحاً في
سياسته تجاه إيران منذ أن أطاحت الثورة الاسلامية بشاه إيران عام 1979.
ولسنوات عديدة، كانت سوريا الصديقة الوحيدة لإيران، حيث أصبحت دمشق في
عام 1982 حليفاً قوياً لطهران كوسيلة من قبل إيران لحرمان منافستها،
العراق [أثناء الحرب الإيرانية العراقية]. ومع الإطاحة بنظام صدام حسين
وتنصيب حكومة تتكون من غالبية شيعية في بغداد، أصبح العراق أيضاً حليفاً
لإيران. ولكن على الجانب الآخر من "قائمة الحسابات"، ازداد العداء
العربي تجاه إيران في الأشهر الأخيرة، مع قيام كل من مصر والمغرب
البعيدة جغرافياً عن المنطقة، باتهام طهران وبصورة غاضبة بالقيام
بأعمال تخريب. إن القيادة السعودية في العالم العربي غير مفروضة بصورة
كبيرة وهي أقل بكثير من الأدوار التي تدعيها الرياض لنفسها في أوبك
والإسلام. وتتخذ الجامعة العربية بانتظام مواقف مظهرية فيما يتعلق
بقيام إيران باحتلال ثلاث جزر صغيرة - تطالب بها دولة الامارات العربية
المتحدة - في الخليج العربي في عام 1971، ولكن تحافظ على معظم طاقاتها
من أجل إدانة إسرائيل.
إشارات حساسة
ويبيّن الكاتب، هناك علامة واضحة على رفض السعودية قبول نظرة
الولايات المتحدة حول سياسة الطاقة (بالرغم من أنه لم يتم ذكر إيران)
كما جاءت في مقالة في "فورين بوليسي" في أيلول/سبتمبر 2009، من قبل
السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة ورئيس الاستخبارات العامة
سابقاً الأمير تركي الفيصل، حيث سخر من دعوة البيت الابيض "للإستقلال
في مجال الطاقة" وشبهها بتقبيل طفل خلال فترة الانتخابات. وأعقب الأمير
تركي ذلك في افتتاحية في صحيفة "نيويورك تايمز" في 13 أيلول/سبتمبر دعت
إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967
كشرط لعرض أي لفتات متبادلة من قبل المملكة. وقد أكدت تلك المقالة
أساساً التقارير التي أفادت بأن الملك عبد الله قد رفض طلبات الرئيس
باراك أوباما خلال زيارته إلى الرياض فى حزيران/يونيو المنصرم، بشأن
قيام الدول العربية باتخاذ لفتات تصالحية وعلنية تجاه إسرائيل، مثل
السماح بتحليق طائرات مدنية ومنح تأشيرات سياحية.
على الرغم من أن تركي الفيصل كان قد شغل مناصب "متقلبة العمل
الوظيفي" -- ورد في وسائل الإعلام بأنه أقيل من منصبه من قبل الملك عبد
الله كرئيس جهاز الاستخبارات العامة وبعد ذلك "أعفي من مسؤوليات" أخرى
بعد أن فضل السكن في واشنطن، لصالح الأمير بندر بن سلطان الذي كان
مبعوثاً لفترة طويلة – إلا أنه لا يزال واحداً من أكثر الناطقين باسم
العائلة المالكة الذين يتكلمون بوضوح. وبسبب شغله منصب أول ممثل
للسعودية بعد إنشاء قنوات خلفية مع جهاز مخابرات الموساد الإسرائيلي،
فإنه ذو علم ودراية جيدة بقضايا [مختلفة تهم السعودية]. وعلى الرغم من
أن تركي قد يتحدث باسم إحدى الفصائل الملكية التي تكافح من أجل الخلافة
في المملكة، من المرجح أنه يعبر عن وجهات نظر الملك بصورة علنية.
المشاركة السعودية في قمة مجموعة الـ 20
ويضيف كاتب المقال، إن أي فرصة لنجاح الرئيس اوباما في الضغط على
السعودية حول إيران خلال اجتماعات الامم المتحدة أو في قمة مجموعة الـ
20، قد تقلصت بسبب غياب الملك عبد الله المحتمل. وبدلاً من ذلك، سيقوم
العاهل السعودي يوم الأربعاء 23 أيلول/سبتمبر -- الذي هو أيضاً يوم
العيد الوطني السعودي -- بافتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم
والتكنولوجيا الجديدة [«بيت الحكمة الجديد»]، وهو مشروع تعليمي مفضل [للتخصص
في جميع أنواع العلوم والتقنيات]. وفي حالة غيابه من قمة مجموعة الـ
20، ربما قد تمثَّل المملكة من قبل وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل (شقيق
الأمير تركي)، وهو رجل ذكي ولكنه يتمتع بنفس القدر من عدم المرونة
ويؤيد [سياسة الملك].
وفي الوقت نفسه، يبدو أن المملكة العربية السعودية راضية من سعر
النفط الدولي الحالي، الذي لا يزال بحدود 70 دولاراً للبرميل الواحد من
خام برنت المتداول على نطاق واسع. ويعتبر المحللون بأن أموال المملكة
النقدية السائلة "مريحة" في هذا السعر، كما من المحتمل أن تكون كذلك
بالنسبة لإيران أيضاً -- لسوء الحظ، في نظر صناع السياسة الأمريكية.
ويبدو أن القلق السعودي الأوسع نطاقاً هو ليس تجاه إيران، بل من الخطر
الناجم عن أي زيادة حادة في سعر النفط التي يمكن أن تهدد الانتعاش
الاقتصادي العالمي والدور السعودي في أسواق الطاقة على المدى البعيد.
وكان وزير النفط السعودي علي النعيمي قد تحدث بعد اجتماع الوزاري
لمنظمة اوبك في فيينا في 10 أيلول/سبتمبر الحالي، حيث قال: "نحن سعداء
من [سعر النفط] الحالي، وسيبقى على هذا المستوى لفترة من الوقت".
مخاوف سعودية أخرى
ويبين الكاتب، إن إحدى الأفكار السياسية المتداولة في واشنطن هي أنه
بإمكان المملكة العربية السعودية أن تساعد في تأمين دعم مجلس الأمن
لاتخاذ إجراءات بشأن إيران من خلال الاستفادة من علاقاتها المتنامية مع
الصين والمتعلقة بشؤون الطاقة. فالسعودية هي أكبر مزود للنفط للصين،
قبل إيران التي تأتي في المرتبة الثانية. بالإضافة إلى ذلك، تدير شركة
أرامكو السعودية مشروع مشترك لمصافي النفط في الصين. ويتركز الجدل بأنه
بإمكان المملكة العربية السعودية أن توفر للصين فرص تجارية أفضل في
المملكة من تلك التي عرضتها إيران للصين (تقوم بكين بتشجيع شركاتها
النفطية المملوكة للدولة على الاستثمار في الخارج كجزء من استراتيجية
أمن الطاقة).
ويستنتج الكاتب، مع ذلك من المستبعد جداً إمكانية حدوث ذلك. فأرامكو
السعودية تحتفظ بغيرة على احتكارها في التنقيب عن النفط وانتاجه. وعلى
الرغم من أن الفرص المتاحة في قطاع الغاز الطبيعي -- حيث تتجه النية
إلى زيادة الإمدادات للسوق المحلية السعودية – هي حقيقية، إلا أن
الأسعار المنخفضة المحددة بشكل مصطنع قد تجعل الاستغلال غير مجدياً
اقتصادياً. كما تلوح أيضاً في الأفق بعض التحديات الدبلوماسية:
فالمملكة العربية السعودية كانت قد غضبت من قيام بكين بمناقشة التكاليف
المتعلقة بمصافي التكرير المستثمرة بصورة مشتركة في الصين، بينما تدل
منطقة الحفريات للتنقيب عن الغاز في المملكة، التي منحتها الرياض
للصين، بأنها منطقة معقدة من الناحية الجيولوجية وغير واعدة
[اقتصادياً].
الخاتمة
ويختتم الكاتب بالقول، على الرغم من أن هيمنة المملكة العربية
السعودية على سوق النفط في العالم - مدعومة بطاقتها الانتاجية الفائضة
حالياً - تمنحها إمكانات كبيرة لتهديد إيران، إن لم يكن في الواقع
الضغط عليها، إلا أن سجلها الماضي يجعل من غير المحتمل حدوث ذلك. وقد
أدى الضغط حتى الآن، إلى استياء السعودية. ولكن، في حالة عدم تحقيق
تقدم في الجوانب الأخرى المتعلقة بالتحدي النووي الإيراني، تحتاج إدارة
أوباما إلى إعادة صياغة مقترحاتها للضغط على المملكة العربية السعودية
من أجل اتخاذ إجراء بشأن إيران. |