روسيا ميدفيديف تسير بخطى بوتين ورجال الإعمال يهيمنون على مصادر القرار

الكرملين يقدم دروسا في الديمقراطية وينتقد هجاء ستالين

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: أمر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف المسؤولين بتنظيم مؤتمر دولي عن "الدولة الحديثة والامن العالمي" رغبة منه في رفع أسهمه كسياسي اصلاحي بعد سنة قضاها في المنصب دون اصلاح فعلي يذكر.

كانت الفكرة هي اظهار كيف أن روسيا مثل دافوس يمكن أن تكون منتدى للنقاش المفتوح بين الخبراء الدوليين بشأن قضايا دقيقة مثل الديمقراطية والارهاب والنظام العالمي.

ولكن تمثلت النتيجة في ابراز النظام السياسي الروسي الخاص خلال المؤتمر الذي عقد لمدة ثماني ساعات في بلدة ياروسلافل القديمة التي تشتهر بجامعتها في عيد ميلاد ميدفيديف الرابع والاربعين.

أشاد الشيوعيون الحاضرون بجوزيف ستالين لمراعاته الجوانب الاجتماعية وانتقد محللون روس الديمقراطية بالاسلوب الامريكي وهاجم متحدث صيني "شرور" النزعة الانفصالية وقال أمريكي ان الزعيم الصيني الراحل دنج شياو بينج نموذج لادخال الديمقراطية.

وقال ايجور يورجنز الذي يرأس مركز بحث أسسه ميدفيديف للمؤتمر "مع وصول ديمتري ميدفيديف للسلطة كرئيس لروسيا انتقل نقاشنا للديمقراطية في بلادنا الى مستوى أعلى."

وأكد ميدفيديف الذي تولى السلطة في العام الماضي مرارا على حاجة روسيا الى الانفتاح وتحديث نظامها السياسي.

ولكن المعارضين يقولون انه لم يدخل تغييرات حقيقية تذكر على التركيبة التي تفرض رقابة صارمة والتي ورثها عن مثله الاعلى الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين الذي يشغل الان منصب رئيس الوزراء.

ولم توجه دعوة لاشد منتقدي الكرملين مثل بطل العالم السابق للشطرنج جاري كاسباروف أو رئيس الوزراء السابق ميخائيل كاسيانوف لحضور المؤتمر الذي عقد في استاد هوكي الجليد الذي بني على أحدث طراز في ياروسلافل. بحسب رويترز.

وفسر مسؤولون في الكرملين ذلك قائلين انهم طلبوا من كل " الشخصيات المعارضة الحقيقية الممثلة في مجلس الدوما (النواب") الحضور مثل الشيوعيين أو القوميين من الحزب الديمقراطي الحر الروسي لكن لم توجه الدعوة الى "مثيري المشاكل" أو "المتطرفين".

كما لم يكن هناك تمثيل للمنظمات غير الحكومية المستقلة التي تنتقد الكرملين وفرض طوق أمني على مقر المؤتمر على مشارف المدينة لمنع دخول المواطنين مما جعل الامر برمته يعطي انطباعا بأنه لا يعني أحدا.

وقالت شخصيات المعارضة القليلة التي كانت حاضرة بين 500 ضيف ان الاصلاح الديمقراطي الروسي ما زال في طور المناقشة. وقال جيورجي بوفت وهو أحد زعماء حزب القضية العادلة الصغير الموالي لرجال الاعمال "أعتقد أن عقد مؤتمر حول الديمقراطية أفضل من عدم عقد أي مؤتمرات."

وقال سيرجي متروخين زعيم حزب يابلوكو الحر الموالي للغرب ان الاوضاع بالنسبة لحزبه الذي يواجه صعوبات بالغة أصبحت أسوأ خلال حكم ميدفيديف. وقال "قبل ذلك كنا نحصل على فترات بث مجانية للانتخابات ولكن علينا الان دفع مقابل ذلك."

وعندما سئل عن حجم الدعم الذي يتوقعه لحزبه في انتخابات بلدية موسكو المقبلة استعان بقول مأثور لستالين قائلا "ليس المهم عدد الاصوات التي تحصل عليها بل المهم كيف يجري حسبانها."

وتحدث المشاركون عن الديمقراطية بصفة عامة داخل هذا الاستاد الذي كانت تكلفته باهظة وتحول الى مركز للمؤتمر. وتجنب الضيوف الاجانب الاشارة المباشرة الى روسيا.

وفعل ميدفيديف نفس الشيء في كلمته الرئيسية. وتحدث عن كيف يجب عدم استغلال حق أي دولة في السيادة كمبرر لاقامة أنظمة منعزلة غير شفافة ومغلقة ولكنه لم يخض في تفاصيل.

وأشاد رئيس وزراء فرنسا فرانسوا فيون ورئيس وزراء اسبانيا لويس رودريجيث ثاباتيرو بميدفيديف بشكل مبالغ فيه لعقد هذا المؤتمر وأكدا في كلمتيهما على الرغبة في التعاون بدرجة أكبر مع روسيا وزيادة حجم الاعمال معها.

وفي ترجمة للروابط الدبلوماسية أظهر الكرملين مؤخرا تفضيلا لابرام صفقات مع شركات الطاقة الفرنسية والايطالية بدلا من الشركات البريطانية أو الامريكية الكبرى.

وغاب عن المؤتمر رئيس الوزراء بوتين الذي يلقى عليه بأغلب اللوم في تآكل الديمقراطية في روسيا على مدى العقد الماضي. وكذلك حلفاؤه المقربون مثل نواب رئيس الوزراء ايجور سيتشين والكسي كودرين وايجور شوفالوف.

وحضر كبير المسؤولين عن الشؤون السياسية في الكرملين فلاديسلاف سوركوف لكنه لم يلق كلمة.

لذا تركت الساحة لجليب بافلوفسكي خبير العلاقات العامة الذي تربطه علاقات بالكرملين ليشرح الوضع بقوله "منذ عهد الثوريين الروس كان ينظر للدولة الديمقراطية في روسيا على انها دولة ضعيفة بل أسوأ من ذلك كدولة منبوذة يعاقبها الشعب."

المساواة بين ستالين وهتلر

من جانب آخر دان وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف محاولات "المساواة" بين سياستي جوزف ستالين وادولف هتلر واعتبرها "ذروة نظرية انكار التاريخ" وذلك في ذكرى احياء اندلاع الحرب العالمية الثانية.

واكد وزير الخارجية في مقال نشرته صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الحكومية "حتى خلال الحرب الباردة لم يحاول احد ابدا المساواة بين النظام النازي ودكتاتورية ستالين".

واضاف لافروف "اعيدت كتابة تاريخ الحرب العالمية اكثر من مرة. لقد كانت عناصر من هذا المقاربة المستلهمة من اعتبارات ايديولوجية (...) حاضرة حتى في الاتحاد السوفياتي".

وتابع ان "محاولة المساواة بين التوقيع على معاهدة عدم التعدي الالمانية السوفياتية وانطلاق هتلر في الحرب العالمية الثانية بعد ذلك بقليل +بات ذروة نظرية الانكار التاريخية+".

واكد ان "العنصرين فصلا عن سياقهما التاريخي العام". وادت معاهدة ريبنتروب-مولوتوف المبرمة في 23 في آب/اغسطس 1939 الى تقاسم بولندا بين الاتحاد السوفياتي والمانيا النازية واجتياح الاتحاد السوفياتي ليتوانيا ولاتفيا واستونيا. بحسب فرانس برس.

ودان قرار صدر في الاونة الاخيرة عن منظمة التعاون والامن في اوروبا كانت اقترحته ليتوانيا وسلوفينيا، كل من النازية والستالينية على حد سواء: ودعا الى تخصيص يوم 23 اب/اغسطس لاحياء ذكرى ضحاياهما.

من جانبها تدين روسيا بانتظام الانتقادات حول دور السوفيات خلال الحرب العالمية الثانية التي اعتبرتها "محاولات تزوير التاريخ". وتعتبر موسكو انها حررت بولندا ودول البلطيق بينما هناك العديد في تلك الدول يرون في الاتحاد السوفياتي قوة احتلال.

واضاف لافروف ان هذه المحاولات "موجهة ضد روسيا التي يشكل وجودها في حد ذاته مصدر +توتر+ للذين بقوا على هامش (...) السياسة الاوروبية" في اشارة الى دول البلطيق.

ميدفيديف يقف في ظل بوتين

في سياق ذي صله يرى محللون ان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف امضى الاشهر الثمانية عشر الاولى من ولايته واقفا في ظل سلفه فلاديمير بوتين.

والآن وقبل عامين ونصف العام على انتهاء ولايته فان حملته للاصلاح السياسي والاقتصادي تذهب ادراج الرياح.

وفي حديث شكس مع اكاديميين وصحفيين زائرين يوم الجمعة الماضي أدلى بوتين باقوى تلميح لاحتمال عودته لمنصب الرئيس في عام 2012 وتصدرت تصريحاته عناوين الصحف يوم السبت في أنحاء العالم وداخل وروسيا وهو الامر الاهم لميدفيديف. ويبدو أن أهمية ميدفيديف آخذة في التضاؤل.

وعادة لا يعاني قادة الدول الاخرى في العالم من حرج فترة " البطة العرجاء" الا في العام الأخير من ولايتهم. بحسب رويترز.

وجاءت تصريحات بوتين بعد يوم واحد من كشف ميدفيديف لرؤيته للاصلاح الاقتصادي والسياسي في روسيا مما يكسب التوقيت اهمية خاصة.

وقال الكسندر رار مدير برنامج روسيا واوراسيا في المجلس الالماني للعلاقات الخارجية "ما حدث ان بوتين ذكر ميدفيديف بان له حدودا لا ينبغي ان يتخطاها واختار ان يفعل هذا في هذا المنتدي."

وواجه ميدفيديف صعوبة بالغة في تعزيز صورته كرئيس يعرف مشاكل روسيا ويمكنه معالجتها.

ونشر ميدفيديف خطابا يقع في خمسة الاف كلمة على موقع www.gazeta.ru على شبكة الانترنت وجه فيه نقدا شديدا لبلاده لتعتيمها على تقادم صناعتها والاعتماد المفرط على صادراتها من الطاقة والفساد والبيروقراطية التي تعرقل الابتكار واتساع نطاق ادمان الخمور.

وذكر انه يتعين على روسيا تهيئة مناخ يشجع على الابتكار وتحويل الصناعة لانتاج سلع يريد المستهلكون شراءها ودعم سيادة القانون والديمقراطية وتشجيع الروس على البحث عن حلول لمشاكلهم بانفسهم بدلا من التطلع للحكومة بشكل دائم.

وكتب ميدفيديف "أولا دعونا نجيب على سؤال بسيط للغاية ولكنه في غاية الخطورة في ذات الوقت. هل سنواصل القبول باقتصاد بدائي وفساد مزمن وعادة احالة كل مشكلة للحكومة او لقوى خارجية او لاي شخص عدانا؟"

ويقول محللون ان انتاجية اكثر الصناعات كفاءة في روسيا مثل قطاع الطاقة على سبيل المثال تصل تقريبا الى ثلث نظيرتها في الولايات المتحدة.

غير ان انتعاش أسعار النفط لحوالي 70 دولارا للبرميل أعطى دفعة لعائدات التصدير كانت روسيا في أشد حاجة اليها وغطت على المشاكل الاقتصادية.

وقال مارشال جولدمان من مركز ديفيز لدراسات روسيا واوراسيا بجامعة هارفارد "ما نراه من رخاء يعتمد الى حد كبير على أسعار النفط. وعلى المدى الطويل يعرقل هذا اي محاولة لبناء صناعة اخرى. انه يعني روبلا قويا مما يجعل الواردات مغرية جدا ويقوض محاولات بناء صناعة محلية."

وتابع "انه يأتي بعدد كبير من الوظائف في (قطاع) الطاقة ويدمر الكثير من الوظائف في قطاعات اخرى. هذا أكثر اهمية على المدى الطويل وبصفة خاصة حين تخرج من موسكو وسان بطرسبرج والمناطق المنتجة للنفط."

وهنا في ياروسلافل على بعد أربع ساعات بالقطار شمال شرقي موسكو يبدي السكان المحليون قلقهم من اغلاق مصانع وفقد وظائف.

وفي الشهر الماضي تجمع 1500 عامل من مصنع افتوفاز للسيارات في مدينة توجلياتي جنوب شرقي موسكو للاحتجاج على خفض الاجور والاستغناء عن عمال. ويوم السبت قال اركادي دفوركوفيتش كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس ان معدل البطالة قد يرتفع في الخريف. وبلغ معدل البطالة 8.3 في المئة او 6.3 مليون شخص في يوليو تموز.

واختار بوتين ميدفيديف خليفة له وأدي الاخير اليمين القانونية في أوائل 2008 بعد انتهاء ولاية بوتين وتوليه منصب رئيس الوزراء. ومنذ ذلك الحين يراقب الجميع عن كثب قيادتهما المزدوجة.

وتتجاوز شعبية بوتين الشخصية شعبية ميدفيديف كثيرا رغم ان تبعات الازمة الاقتصادية تفاقمت بسبب السياسات التي انتهجها بوتين خلال ولايته. وقال جولدمان "ثمة احساس بان بوتين يصدر امرا فيتوقف المد."

وربما يؤدي الاختلاف بين كلمات بوتين وميدفيديف وما يركز عليه كل منهما الى انقسامات مماثلة داخل الصفوة الحاكمة. ويختلف تقييم التقدم الاقتصادي في روسيا حسب من تتحدث اليه سواء من فريق بوتين او فريق ميدفيديف.

والخط الذي ينتهجه بوتين وحلفاؤه ان روسيا ستخرج من الازمة المالية العالمية أقوى.

وقال رئيس الوزراء الروسي يوم الجمعة "مهمتنا تنويع الاقتصاد وزيادة الكفاءة والاستثمار في الثروة البشرية .. الرعاية الصحية والتعليم وما الى ذلك. ينبغي ان نخرج (من الازمة) أقوي."

ويرى ميدفيديف ومستشاره دفوركوفيتش ان ثمة الكثير من العمل ينبغي انجازه.

ويقول دفوركوفيتش "معظم الصناعة التحويلية في روسيا تنتمي للقرن السابق من حيث ما تنتجه. المهم انتاج سلع يشتريها الناس."

وبالنسبة لدفع الاصلاح قال دفوركوفيتش "الرئيس مستعد للقتال من اجل مايعتقد انه الشيء الصحيح لروسيا الآن."

وحين سئل عن المدة المتاحة لميدفيديف لاحداث تغيير اجاب " بالنظر للرزنامة.. عامين ونصف عام."

وكان تفسير رار للتعليق واضحا "يعرب دفوركوفيتش عن امله في ان تتاح الفرصة للشعب للحكم خلال عامين ونصف العام."

وبناء على احدث استطلاعات رأي لم يلق ما يقوم به ميدفيديف استحسانا اذ أشار 60 في المئة ممن استطلعت اراؤهم الى ان تركيز السلطة في يدي بوتين شيء طيب. وفي غياب اي قاعدة يستمد منها القوة يظل ميدفيديف معتمدا على رعاية بوتين.

رجال الأعمال ستفقد السيطرة

من جهته قال مستشار كبير للكرملين ان الأزمة المالية العالمية ستؤدي الى تقليص سيطرة فئة قليلة من أصحاب الأعمال على الاقتصاد الروسي.

وحذر أركادي دفوركوفيتش المستشار الاقتصادي للكرملين من أن تعافي الاقتصاد الروسي لايزال غير قابل للاستمرار على الرغم من زيادة معدل النمو الشهري للاقتصاد.

وقال دفوركوفيتش لخبراء روس في حلقة نقاشية "الناس سيفلتون من الازمة لكن ليس القلة المسيطرة من أصحاب الاعمال."

وتوقع أن ينتقل النفوذ الاقتصادي خلال سنتين أو ثلاث سنوات من ما يقرب من عشرة او نحو ذلك من القلة المسيطرة من رجال الاعمال الى أيدي مئات من اصحاب الشركات. وظهرت القلة التي يشير اليها دفوركوفيتش خلال عمليات البيع السريعة لممتلكات الدولة فيما بعد حقبة الاتحاد السوفيتي في التسعينات.

وأدى الركود الاقتصادي الى تراكم الديون على أقوى رجال الاعمال في روسيا مما أجبرهم على بيع بعض أصولهم وزاد من احتمال سقوط بعضهم.

وفسر محللون وأكاديميون في حلقة النقاش تعليقات دفوركوفيتش عموما بأنها تظهر جهود الكرملين لزيادة الانتاجية وتشجيع الاستثمار وأنها ليست تحذيرا مقنعا.

وأعطى الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف يوم الخميس تقييما متحفظا للاقتصاد الروسي ووعد بتحديث الصناعة ومحاربة الفساد وتقليص دور الدولة.

وكتب بموقع على الانترنت يقول "الاقتصاد غير الفعال والمحيط الاجتماعي شبه السوفيتي والاتجاهات السكانية الضعيفة ومنطقة القوقاز غير المستقرة. هذه مشكلات كبيرة جدا حتى بالنسبة لروسيا." بحسب رويترز.

واستبعد دفوركوفيتش أن تواجه روسيا خطر اضطراب اجتماعي واسع. وتجمع الشهر الماضي 1500 من سائقي شركة أفتوفاز في مدينة توجلياتي جنوب شرقي موسكو للاحتجاج على تخفيض الرواتب وفقدان الوظائف.

وقال "أشك في احتمال وقوع أي اضطراب اجتماعي واسع. وفي معظم الحالات هناك طرق للاستمرار في معدلات الانتاج الحالية وهناك سبل لخلق فرص عمل جديدة."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/أيلول/2009 - 29/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م