أطلقت حادثة الرئيس الامريكي جورج بوش في بغداد تعبئة غير متجانسة
وغرائبية على صعيد العالم العر بي بشكل عام والعراق بشكل خاص (مظاهرات
تضامن قسم واسع من روؤساء تحرير الصحف العربية يطالبون بالافراج الفوري
عن الصحفي العراقي المعتقل من قبل الحكومة العراقية فضلا عن اعلان
الرئيس السابق لهيئة الدفاع عن صدام حسين المحامي خليل الدليمي من عمان
ان 200 محاميا عربيا وأجنبيا أبدوا استعدادهم للدفاع عن ((منتظر
الزيدي)) اما المرجع العلامة محمد حسين فضل الله اعتبر ان مقاربات
السياسة الامريكية الخاطئة لقضايا الشر ق الاوسط ستؤدي الى الفشل
والمزيد من الاحذية!!
بهذا الحشد المتنوع بدأ الهوس ضد امريكا لصناعة (بطل) في الوعي
الجمعي العربي ضمن النسق المخيالي للثقافة العربية بصورة عامة والثقافة
العراقية بصورة خاصة وقد مثلت هذه الحادثة الجزء الحيوي من الثقافة
الشعبية السياسية المهيمنة فضلا عن ذلك اليات التخصيب الديني والسياسي
وقدرتها على استنفار الكتل الجماهيرية في الطبقات السفلى من المجتمعات
العربية والمجتمع العراقي بالذات لتصريف الطاقات السياسية بأتجاه الاخر
الافتراضي كعدو(الغرب , امريكا) بعيدا عن الانظمة السياسية السائدة في
العالم العربي، وعندما نتأمل مواقع الانترنت العربية والعراقية بالذات
نعثر على جانب شديد القسوة من الركاكة في المعنى وشبهه انعدام للوعي
النقدي وتشويش وخلط مثير للغثيان وعدم تفحص المأزق الاجتماعي والسياسي
والاخلاقي في العالم العربي والعراق بالذات.
اذ ان انحطاط الحقل الثقافي العراقي انتج ظاهرة بمستوى (منتظر
الزيدي) وهي ظاهرة مجتمعية منفلتة اخلاقيا وجزء من اليات التربية
الدكتاتورية العراقية ومؤشر على بلوغ الانحطاط المادي والمعنوي درجاته
القصوى ما يعطي دليل على تمزق الشخصية العراقية نتيجة تقاليد الاستبداد
السياسي الكلي والانحطاطات المعرفية وثقافة التجهيل الايديولوجي وتدني
الوعي الجمعي وتمثل اقصى صيغ الرذيلة في العراق، نقيض للانساني
والواقعي والعقلاني. حيث لم يجري لحد الان التساؤل عن الابعاد
القانونية والتاريخية والسياسية والاخلاقية لهذا الحدث.
فمنذ عام 2003 لم يضع المثقفون العراقيون مفهوم الاحتلال تحت
القراءة النقدية لمعرفة المتغيرات السوسيولوجية التي ادخلت على هذا
المفهوم الملتبس والغامض مرتبطا بالتعليلات التاريخية واشكالية الشرعية
حيث حقق (الاحتلال او الغزو) استحقاق وطني باسقاط نظام صدام
الدكتاتوري، العدواني،الاستبدادي، والتي عجزت القوى الوطنية العراقية
بكل تلويناتها من تحقيقه وذلك بسبب ستراتيجية السلطة الشمولية المعقدة
التي قامت عليها الدولة العراقية قبل عام 2003 حيث شيدت نظام متشابك من
البنى القرابية والايديولوجية الريعية والحزب الجماهيري المسلح
والاقتصاد المركزي والهيمنة على وسائل الاعلام والجيش والاجهزة
البوليسية (منظمات حزبية..مخابرات.. امن وطني وقومي..استخبارات....
اضافة الى التلاعب بالمؤسسات الاجتماعية التقليدية الاهلية مامنح هذه
الدولة درجة عالية من الضبط والقسوة ادي الى تشويه شخصية الانسان
العراقي وجعلت من الهوس ضد الاخر او الرهاب من امريكا احد المرتكزات
الايديولوجية للتلاعب بهذا الكائن ماانتج شخصية هشة
هزيلة،متخلفة،وجماعات رثة في التاريخ تتصور ان رفع رأس الامه( بحذاء)
بطوله وليس سقوط اخلاقي وجعل من هذه الظاهرة امر مقبولا وواقعي.
رغم ان هذا الحدث بحد ذاته جزء من الفشل الممهور بالجهل والعنف
والصلف.ووقوع انصاف الاعلاميين والمثقفين العراقيين والعرب في التباسات
سياسية كون التغيير الامريكي في العراق ادى الى عنف دموي هائل متناسين
حقيقة ان الانتقال العسير من نسق سياسي استبدادي كلي الى منظومة سياسية
اخرى لابد ان يمر عبر استنفار كلي للعنف من قبل القوى القديمة التي
انزاحت عن مسار التاريخ بسبب تغيرات العقد الاجتماعي وهي تقاتل بلا
منظومة اخلاقية تذبح المختلف دينيا وتهاجم العزل والمدنيين والاقليات
والاثنيات واخيرا اننا بحاجة الى محاكمة تاريخية عادلة للثقافة
العراقية حتى لاتحتفل مرة اخرى (( بحذاء )). |