وحش الطاوة هو وحش غير كل الوحوش فهو لم يسرق قوت الفقراء ولم يسرق
النفط ولم توجه له أية تهمة بالفساد المالي او السياسي او الاداري بل
على العكس فلقد أصبح هذا الوحش غذاء للفقراء على مدى سنين الحصار
وأشبعَ شعب حتى أصبح جزء من الفلكلور الشعبي وقيلت عنه النكت وصيغت
بحقه المدائح ومع ذلك هو لم يطلب أي منصب واكتفى بالقلوب عرشا له..
وتفاجأَ الجميع بعد عملية التغيير في العراق ان وحش الطاوة او
الاسود قد بدأ بالاختفاء من السوق وأصبح صديقا للمتمكنين فقط وقاطعَ
الفقراء لأن جيوبهم لا تستطيع تحمل تكلفته! فلم يتخيل أحد ان يصبح سعر
الكيلو الواحد منه دولار، او يصبح سعر أخته الطماطم بدولار وربع فهذه
هي الكارثة بعينها، وحينما استفسرنا عن الأسباب قيل لنا اننا كشعب
بدأنا باستيراد هذا المنتج من دول الجوار وأقلعنا عن زراعته كما بدأنا
باستيراد كل شيء بدءً من ملابسنا الداخلية وحتى اكبر واكثر الاشياء
اهمية، وكانت اجابات وزارة الزراعة شافية ومريحة جدا وهي ان ازمة
المياه ألقت بضلالها على الوضع الزراعي وأن الفلاح لا يزرع، والفلاح
بدوره يشكوا من الاهمال وغلوّ الوقود وانعدام توفّر الأسمدة وانتشار
الامراض الزراعية.. ودخلنا في دوامة أيهما كان أولاً البيضة أم
الدجاجة!.
فمن ذا الذي يترك العراك على المكتسبات السياسية وعلى الكراسي
ليهتم بقوت الناس وكأن قدر هذا الشعب هو التنقّل من ارهاب الى ارهاب،
فمن الارهاب المذهبي الى الارهاب الأمني فالارهاب الفكري وصولاً لإرهاب
لقمة العيش حتى ألفنا الإرهاب وأصبح جزءً من حيلتنا!.
فإذا كانت وزارة الزراع لا تستطيع النهوض بالواقع الزراعي للبلد
فهنالك الكثير من الشركات العالمية التي لها القدرة على ان تفعل في سنة
واحدة ما تعجز عنه الوزارة في مائة سنة، ثم اننا والملايين نتسائل
لماذا لا يتم استثناء لقمة الناس من المضاربات السياسية.
ثم اذا ما منعت دول الجوار توريد الخضار والمنتجات لنا فماذا سوف
نعمل هل ندخل معها في اتفاقيات (النفط مقابل الطماطة والباذنجان)، مثل
تركيا التي تسعى لمقايضة المياه مقابل النفط ومحاربة الـ(pkk)
الكردية..ام نموت جوعاً!؟
وكل هذا والحكومة لا تتحرك وكأنها عاجزة وأحزابنا السياسية الوطنية
غير مهتمة وفي الحقيقة معهم الحق فمعظم أعضائهم يعيشون في دول الجوار
ولا يهمهم ان عاش الشعب وإن مات ما دام هناك كراسي حُكم يجلسون عليها
ويتلقّون عشرات آلاف الدولارات كحقوق ولا أعرف حقوق عن ماذا! حقوق عن
غيابهم عن جلسات البرلمان وسكنهم خارج العراق، ام عن سكوتهم وتقاعسهم
عن واجباتهم في اصدار القوانين والقرارات المصيرية ومتابعة شؤون الشعب
الذي انتخبهم وأمّنهم على مصالحه...
(سياسيون والمفردة مشتقّة من كلمة سائس ومهمتهم ان يسايس بعضهم
البعض) ونخشى ما نخشاه ان يخرج علينا احدهم ذات يوم وهو يعلن بفرح عن
خطّة خمسيّة لنقل سكان العراق الى المريخ وذلك لأن البلد يعاني من أزمة
تصحّر وأزمة مياه، وأزمة أمان وأزمة فساد، وأزمة تضخم وأزمة بطالة،
وأزمة إنسانية وأزمة مع الجيران وأزمة كهربائية... وجميع المواطنين فيه
يعانون من أزمات قلبية وعصبية وقولونية لذلك تم إقرار قانون بترحيل
جميع المواطنين إلى المريخ ليتمتعوا هناك وليستريحوا من عناء الأرض...
فلا فرق أبداً بين المريخ وبين العراق! |