النظام البيئي في البصرة على شفى الإنهيار

بين الجفاف والملوحة العالية والتلوّث واليورانيوم المنضب...

 

شبكة النبأ: اتفقَ اختصاصيون في مجال البيئة والفلك والفيزياء والطب على أن تغيرات بيئية واضحة طرأت على النظام البيئي لمحافظة البصرة خصوصا والعراق عموما ستنعكس سلبا على حياة الناس في هذه المناطق من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والجمالية.

وقال مدير بيئة البصرة طه ياسين محمد، إن أهم التغييرات التي حدث في بيئة البصرة “ارتفاع نسبة الملوحة بمعدلات عالية جدا بسبب صعود اللسان الملحي إلى مياه شط العرب لقلة إيرادات المياه العذبة في نهري دجلة والفرات”.

وأوضح أن ذلك كان له “الأثر السلبي على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والجمالية للمحافظة، فضلا عن انعكاسها على صحة الإنسان بشكل كبير، كما أن البصرة كانت ساحة لثلاثة حروب عرضتها إلى دمار شامل في بناها التحتية، إضافة إلى الملوحة والجفاف وما خلفته الحروب من أنقاض أثرت كثيرا على حياة الناس”.

وأضاف محمد أن هنالك “إجراءات متبعة من قبل الحكومة المحلية لكن المشكلة اكبر بكثير من قدراتها، فالمشكلة مركبة من عناصر متعددة أولها شح المياه وملوحتها والجفاف واتساع رقعة التصحر والمخلفات الحربية وتلوث الهواء وهذه العوامل مجتمعة تؤثر على الحياة والنظام البيئي، الذي ينعكس بدوره على جميع جوانب الحياة”. بحسب تقرير اصوات العراق.

وفي السياق ذاته، قال جنان الصباغ مسؤول قسم الأمراض السرطانية في مستشفى ابن غزوان بالبصرة “باعتباري أحد المختصين بمجال السرطان في البصرة والمنطقة الجنوبية، أود أن أقول إن هناك واقعا لا يمكن السكوت عنه، وهو من المؤكد وثيق الصلة بالتغيرات البيئية التي حدثت في المنطقة”.

وأوضح الصباغ أن “السرطانات الشائعة في العالم هي سرطانات المعدة، والثدي الذي يحتل المرتبة الأولى في العالم، لكنه ينتشر ضمن أعمار معينة وهي متأخرة في الغالب، وهذه الأنواع كانت موجودة في العراق، ولكن في العقود الثلاثة الأخيرة حدثت فيها زيادة غير معقولة”.

وبين أن السرطان “هو ببساطة سلوك غير طبيعي للخلية، محكوم بفسلجة الإنسان، وهذا السلوك الشاذ للخلية يحدث في أعمار متقدمة تتراوح بين 60 إلى 70 عاما في بلدان العالم”، مستدركا بالقول “لكن نلاحظ أن ما عندنا  يحدث في أعمار تتراوح بين الـ20 والـ40 وهنا يكمن السؤال الكبير ما الذي حدث؟”.

وأوضح أن إحصاءات المراكز الصحية والمستشفيات وصحة البصرة والوزارة  تشير إلى أن هذا “المرض الذي هو السرطان وسرطان الثدي على وجه الخصوص تركز بين الثلاثين إلى منتصف الخمسينات من العمر”.

وأضاف أن نتائج دراسة أولية، ضمته إلى جانب الاختصاصي في الأمراض السرطانية جواد العلي والباحث البيئي خاجاك وارتينان، اعتمدت على مسح ميداني عشوائي شملت اغلب مناطق البصرة، أظهرت أن “نسبة الإصابة بالسرطان في البصرة ارتفعت إلى الثلاثة أضعاف خلال السنة الأخيرة”.  

وأردف قائلا “ربما يأتي ذلك بسبب تفاقم مسببات بيئية، كتلوث الماء والهواء والطبيعة بكاملها، ولعل في السنين الأخيرة أخذت الإصابة بهذا المرض منحى آخر، يدق نواقيس الخطر وخصوصا بين الفتيات دون سن العشرين وقبل مرحلة الزواج”.

ولفت الصباغ إلى أن إحصاءات قسم سرطان الثدي في مشفاه تشير إلى “إصابة 137 امرأة عام 2003 بينهن 40 امرأة دون سن الثلاثين منهن تسع فتيات دون العشرين، وفي عام 2004 كان عدد النساء المصابات بهذا المرض 126 امرأة بينهن 41 امرأة دون سن الثلاثين، وفي عام 2005 ارتفع العدد إلى 145 امرأة بينهن 11 بين 15 إلى 20 عاما. وقد سجل المستشفى عام 2007 نحو 262 إصابة بينها 14 إصابة لفتيات دون العشرين”.

من جانبه، رأى المتخصص في التلوث البيئي نايف محسن أن البيئة “هي كل ما يحيط بالإنسان من عوامل حية وعرضية، والإنسان هو جزء من النظام البيئي الذي هو بشكل عام هواء وماء وتربة، لذا فإن أي تغيير يطرأ على هذه العناصر ينعكس على حياة الإنسان”.

وبين محسن أنه “في السنوات الأخيرة ظهرت ظاهرة الغبار وهو عبارة عن دقائق صغيرة تنزاح عن سطح التربة في منطقتنا، أو حتى من منطقة شرق آسيا، وتأتي إلى البصرة بتأثيرات مضرة بالصحة العامة كالربو والاختناق وغيرها”.

وتابع أن “ملوثات الهواء التي انتشرت في السنين الأخيرة كغاز أول اوكسيد الكاربون المنبعث من المولدات بسبب نقص الكهرباء، وهو اخطر الغازات لأنه يتحد مع الدم أسرع من الأوكسجين بنحو 200 مرة، وهذا الأمر ينطبق أيضا على السيارات التي تطرح غاز الرصاص من عوادمها، فضلا عن اكاسيد النتروجين التي تطرحها المحطات الكهربائية”.

وأضاف قائلا “أما بالنسبة للماء فهو المكون الآخر للنظام البيئي وفيه مشاكل رئيسية، وهي الشح التي هي مشكلة عالمية بسبب الاحتباس الحراري وقلة الاطلاقات المائية من دول المنبع، وبالتالي تناقص منسوب المياه في شط العرب للحد الذي تصل فيه الملوحة في جنوب البصرة إلى 30000 وحدة، وهو ما يؤدي إلى انتقال الأمراض البكتيرية”. وتشير الدراسات الكيماوية إلى أن نسبة الأملاح المسموح فيها بالمياه لا تتعدى 1000 وحدة.

ولفت محسن إلى أن “الملوثات من مخلفات المعامل وبسبب غياب الرقابة فضلا عن المخلفات الزراعية في استخدام المبيدات والأسمدة علاوة على مياه البزل، هي عوامل أخرى تنعكس على صحة الإنسان”.

وشدد على أن “التربة يجب أن تكون نظيفة، وما نشاهده من نفايات المنازل والمستشفيات والسكراب هي بمثابة عمليات تدمير منظمة للبيئة التي تجعل من الأرض ملوثة ومشوهة”، موضحا أنه “بسبب كل هذه العوامل نشطت الأورام السرطانية وكثر ظهورها في البصرة”.

اليورانيوم المنضب والتلوّث أبرز الأسباب

إلى ذلك، قال الباحث البيئي خاجاك وارتينان لوكالة أصوات العراق “قمنا أنا ومجموعة من المختصين وبالتعاون مع جامعة المانية، بإجراء بحث ميداني ودراسة أولية على البيئة وجغرافية الأمراض السرطانية بالبصرة”.

وأوضح أنه “خلال الـ15 سنة الأخيرة كان اليورانيوم المنضب هو الشيء الدخيل على بيئتنا، وقد تبين ذلك من خلال قيامنا كفريق بحثي منذ ثلاث سنوات، إذ نقوم بعملية مسح عشوائي في مناطق مختلفة من البصرة، وخلال هذه السنة تحديدا قمنا بمسح عشوائي شمل 1435 عائلة والمفروض أن يشمل المسح عشرة آلاف عائلة”.

وأضاف “تبين أن هناك زيادة في الحالات السرطانية نسبة إلى ما كانت عليه سابقا، وهي تساوي ثلاثة أضعاف الحد الطبيعي أو الحد المقرر”، لافتا إلى أن “هذه الدراسة تبقى مجرد دراسة أولية حتى الوصول لنهاية البحث والوقوف على آخر الأرقام”.

ورأى وارتينان أنه “في المرحلة الحالية لا نستطيع أن نحدد بشكل نهائي، ما إذا كان السبب القاطع لهذه السرطانات هو التغيرات البيئية التي تحدثنا عنها، أو أن نوع السرطان الفلاني سببه الإشعاعات أو المخلفات العسكرية أو بسبب ملوحة الماء أو الجفاف”.

وتابع قائلا “نحن نحتاج الى زمن أطول لكي نحدد أن النظام البيئي في البصرة قد تغير فعلا، على الرغم من أن الكثير من المعطيات تشير الى أن الظواهر التي تحدثنا عنها مثل الإشعاعات من المخلفات العسكرية والملوحة والجفاف والتصحر ساهمت في ارتفاع نسبة هذه الأمراض”.

وتساءل وارتينان عن مدى تغير النظام البيئي قائلا “صحيح أن هناك جفاف وتصحر وشح وملوحة في المياه، وصحيح أن هناك نفايات وسكراب مخلفات حربية. ولكن هل تغير النظام البيئي؟، لدينا حالة بيئية جديدة ولكنها لم تصل إلى الحد الذي يصح أن نطلق عليه تغيرا في النظام البيئي، فالوقت ما زال مبكرا لاعتماد هذا الرأي”.

أما اختصاص في التلوث البيئي واثق أيوب، فقال إن أكثر أسباب التلوث البيئي في البصرة “هو ملوحة المياه والأنقاض والسكراب وهي من مخلفات الحروب والذي تنبعث منه الإشعاعات لتكون السبب المباشر في التشوهات الخلقية للأجنة”.

وأوضح ايوب لوكالة اصوات العراق أن البيئة في البصرة “تعرضت هذا العام إلى تغيرات فلكية، فلم تشهد البصرة سابقا مثل هذه الموجة من الحر وشح المياه وملوحتها ما أدى إلى تفشي الأوبئة”. وخلص إلى أن محافظة البصرة “محاطة بعوامل تلوث هائل”.

وتشير مصادر شبه رسمية إلى أن ما استعمل على العراق من قذائف وإطلاق اليورانيوم المنضب خلال حرب الخليج الثانية اثر غزو العراق للكويت عام 1991 وخلال ستة أسابيع قارب 940,000 إطلاقه عيار 30 ملم و14,000 قذيفة مدفع ودبابة من مختلفة العيارات، وهو ما يقارب 300 طن.

فيما تشير مصادر عسكرية عليمة إلى أن ما استعمل على محافظة البصرة من أسلحة اليورانيوم خلال عام 2003 من القوات البريطانية فقط هو 1.9 طن ولكن تقديرات أخرى تشير إلى أنه يقارب الـ 100 طن.

وكشف عضو في مجلس محافظة البصرة الأسبوع الماضي، بأن المجلس سيعلن المحافظة منطقة منكوبة في جلسته المقبلة لشدة ما يعاني أهلها من ملوحة المياه وعسر الحياة فيها.

وناشد عبد الكريم الدوسري الرئاسات الثلاث في العراق “الجمهورية والحكومة والنواب” والأمم المتحدة، وكافة مؤسسات المجتمع المدني لمساعدة أهالي محافظة البصرة بوضع حل عاجل لمشكلة ملوحة المياه فيها.

وكانت دائرة زراعة البصرة قد أطلقت في وقت سابق تحذيرا إلى الجهات المعنية بسبب تزايد نسبة الملوحة في مياه شط العرب، الأمر الذي أدى إلى هجرة سكان جنوب البصرة وهلاك بساتين النخيل والحناء والحيوانات الداجنة.

وقال مدير زراعة البصرة المهندس عامر سلمان إن دائرته على وشك إعلان مدينة البصرة منطقة منكوبة في مجال المياه لان نسب الملوحة بلغت وضعا يجعل من المدينة غير قادرة على زراعة أية محاصيل أو تربية أي من الحيوانات. وتقع مدينة البصرة، مركز محافظة البصرة، على مسافة 590 كم إلى الجنوب من العاصمة بغداد.

الحكومة تعِد بحلول سريعة

من جانبه وعَد رئيس الوزراء نوري المالكي خلال زيارة قام بها إلى البصرة، ورافقه فيها خمسة وزراء هم وزير الموارد المائية، ووزير البلديات، ووزير الأمن الوطني، ووزير الدولة لشؤون مجلس النواب. بحل مشكلة ملوحة المياه في البصرة عبر مد أنبوب لنقل المياه يمتد من قضاء القرنة وحتى قضاء الفاو، فضلا عن إعادة النظر بأساليب استغلال المياه على اثر تفاقم ظاهرة الملوحة والجفاف.

وأوضح في مؤتمر عقده بديوان المحافظة، بعد قيامه بزيارة لقضاء الفاو الذي هو أكثر المناطق تضرراً جراء هذه المشكلة أن الحكومة “وافقت على تخصيص 20 مليون دولار لمد أنبوب لنقل المياه من قضاء القرنة(100 كم شمالي المحافظة) وحتى قضاء الفاو(100 كم جنوبي المحافظة).

وأضاف أن “المنطقة تعاني من ظاهرة الجفاف لقلة سقوط الأمطار، فضلاً عن أن المياه التي كانت تصل إلى العراق من دول الجوار تعرضت للأسف الشديد إلى التقليص والى الغلق في بعض الأحيان، كون دول الجوار تعاني أيضا من الجفاف”. مستدركا ولكن العراق “دفع الثمن أكثر من دول الجوار من جراء شحة المياه”. وأردف المالكي وأن “حواراتنا مستمرة مع دول الجوار، من اجل الأخذ بعين الاعتبار الحالة الطارئة والاستثنائية التي يمر بها الشعب العراقي، ومشاريعنا بهذا الشأن كثيرة ونحن نتجه نحو إعادة النظر بكل شيء في مجال استخدام المياه” .

وارتفعت نسبة الملوحة بمعدلات عالية جدا، بسبب صعود اللسان الملحي إلى مياه شط العرب لقلة إيرادات المياه العذبة في نهري دجلة والفرات، مما كان له الأثر السلبي على جميع مناحي الحياة. بحسب مصادر رسمية. ويرى مختصون أن غلق الجارة إيران لأنهارها أو تحويل مجراها، كنهري الكارون والكرخة ونحو 30 رافدا تصب في الاهوار العراقية، تسبب في تفاقم الملوحة بشط العرب وجفاف هور العظيم، والسبب الرئيس يرجع إلى إقامة سدود من قبل الجانب الإيراني على نهر الكرخة المغذي للنهر الذي يصب في هور العظيم، كما أنه امتد ليشمل هور الحويزة أيضا وبنسبة جفاف وصلت إلى 50 %”.

وكشف المالكي عن وجود خطة “تهدف لبناء سدود وإنشاء خزانات كبيرة إضافة إلى تنفيذ مشاريع لاستغلال المياه الجوفية في محاولة للحد من ظاهرة شحة المياه التي تسببت في انهيار الواقع الزراعي ونفوق أعداد كبيرة من الأغنام والأبقار والجواميس، فضلاً عن نزوح عشرات العوائل من قضاء الفاو وبعض مناطق قضاء أبي الخصيب”.

وذكر عضو بمجلس محافظة البصرة في تصريح سابق، أن إنشاء سد على شط العرب أصبحت فكرة مؤكدة ومحسومة، لدى الحكومتين المركزية والمحلية، وسيباشر بتنفيذها، مستدركا لكن هناك “وجهتي نظر عن مكان إقامة السد، ففكرة ترى أن منطقة السندباد القريبة من ميناء المعقل(8 كم شمالي المدينة) هي المنطقة الصالحة لإنشاء السد، فيما ترى الفكرة الأخرى صلاحية إنشائه بين أبي الفلوس وأم الرصاص (30 كم جنوبي البصرة) حيث تكون ضفتا الشط عراقيتان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16/أيلول/2009 - 26/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م