ضعف المنظمات الثقافية ونمطية نشاطاتها

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: للمنظمات والاتحادات والبيوت الثقافية دورها الهام في تحفيز المجتمع ونقله من حالة الخمول الثقافي الى حالة التواصل المعرفي، أملاً بالارتقاء به من حال الى حال افضل، بمعنى ان الدور الذي تضطلع به مثل هذه الدور والمنظمات من الاهمية بمكان بحيث يُعدّ النافذة الهامة التي يطل من خلالها المجتمع على الانماط الثقافية المعاصرة لدى عموم الشعوب والامم الاخرى.

وحين أُميطَ اللثام عن مثل هذه المنظمات وتعددت وانتشرت في اروقة ثقافية مختلفة توزعت بين المؤسسات والمنظمات الرسمية والأهلية في آن واحد، فإنه لم يعد من المقبول ان تُلقى الاعذار هنا وهناك وان تقدم التبريرات من هذه المؤسسة اوتلك، فالكل عليه واجبه المعروف وهو تطوير المجتمع من حيث كون الثقافة فكرا وسلوكا معا.

غير ان الملاحَظ في هذا المجال، ان الغالبية العظمى من هذه المنظمات والمؤسسات الثقافية تنحو الى التلكؤ اكثر من التحرك الفاعل لتحفيز الاوساط الاجتماعية المختلفة ومحاولة الاسهام في نقلها من حال الى حال، ولعل ذلك يبدو واضحا من خلال نمطية الانشطة التي تقدمها هذه المنظمات.

فقد تحولت العديد منها الى ما يشبه الدوائر الرسمية الخاوية التي تؤدي اعمالها بروتينية مقيتة، لدرجة ان الابداع والتغيير والتنوع يغيب تماما عن برامجها، فترى على سبيل المثال هذه المنظمة او تلك لاتطرح في برامجها الثقافية سوى ما يهتم به اعضاؤها او المنتسبون إليها، فإذا كانت منظمة ادبية فإن منهاجها وفعالياتها لاتعدو كونها فعاليات ادبية نمطية لا تخرج عن اطار الشعر او السرد او الدراسات والبحوث النقدية وما شابه، لاغية من حساباتها وبرامجها مواضيع ذات حساسية عالية واهمية بالغة للناس، فتحصر أنشطتها في الجانب الادبي لا غير.

 وينطبق هذا على المنظمات والدور والاتحادات الفنية والثقافية عموما، فلا تهتم هذه الدور او المنظمات إلاّ بما يتعلق بمجالها الفني او الادبي حصراً ناسية او متناسية ان هناك مجالات كبيرة وعديدة ينبغي أن تخوض فيها الثقافة، فثمة ما يتعلق بالعلوم الانسانية وغيرها وثمة ما يتعلق بالطب وثمة ما يتعلق بأنماط السلوك وثمة ما يتعلق بفن العمارة الاسلامية وغيرها وثمة ما يوجب تنمية الوعي لدى عامة الناس من حيث بناء الانظمة السلوكية والعملية والقرائية وغيرها الكثير .

فكل هذه الجوانب تتطلب عملا وشرحا وتوعية من خلال اقامة الندوات المتنوعة التي تخرج عن النمطية الادبية او الفنية او غيرها، فلم نر حتى الآن مبادرة من منظمة ثقافية كنقابة الصحفيين مثلا، على تقديم انشطة تصب في توعية عامة الناس على كيفية التعامل الصحيح مع الصحافة عموما او مع الشارع ومفرداته، ولم نر مؤسسة ثقافية تضع عموم الناس على دراية بأهمية الكتاب وكيفية التعامل معه والاستفادة منه.

ولم نرَ جهة ثقافية مثلا، تأخذ على عاتقها نشر الوعي القانوني وما شابه، إن هذا المجال هو نوع من انواع الثقافة ايضا، فليس الشعر وحده هو الثقافة ولا النقد ولا الرواية ولا الفن التشكيلي حصرا ولا المسرح ولا الموسيقى بذاتها، إن الثقافة هي منظومة سلوك وفكر شاملة يمكن ان يسهم في تشذيبها وتطويرها عموم المنظمات الثقافية اضافة الى الجهات المعنية الاخرى.

وهذا ما يؤشر خللا في منهجية انشطة هذه المنظمات، فمن غير الصحيح ان تقتصر ادوارها على الثقافات النمطية المحصورة ضمن اهتماماتها فقط كما يحدث الآن، فهنالك المواطن العادي الذي هو بأمس الحاجة الى الوعي في جوانب حياتية متعددة، نعم انه بحاجة الى الادب لكي يطور وعيه وذائقته لكن الامر لا ينتهي عند هذا الحد، انه بحاجة الى تطوير مهاراته العلاقاتية والسلوكية المتنوعة وهو بحاجة الى ان يتعلم كيفية استخدام الشارع بصورة لائقة، وبحاجة الى معرفة استخدام المقهى وحافلة نقل الركاب والحدائق العامة والمستشفيات وسائر الامكنة الاخرى، إن انساننا بحاجة الى ان يتلقى الدعم السلوكي المنظم والفكر الخلاق الذي يجعله قادرا على التعامل مع مفردات الحياة وفق منظومة سلوك راقية.

ويمكن ان يتحقق له هذا من خلال دعم المنظمات الثقافية له، عبر تقديم فعاليات نظرية وتطبيقية ضمن برامجها الموسمية او غيرها تساعده على التعامل الصحيح مع هذه المفردات الكثيرة والمتشابكة.

لهذا حريّ بمنظماتنا ومؤسساتنا ودورنا الثقافية ان تنهض بمسؤولياتها في هذا المجال، وأن لا تحصر فعالياتها في اطار ومنهج نمطي مكرور لن تتحقق الفائدة المرجوة منه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16/أيلول/2009 - 26/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م