لماذا أصبحت تقاطعات الطرق مصدرا لأرزاق الناس

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يعبّر الشارع مظهراً وسلوكاً عن ثقافة الناس ودرجة التزامهم بالضوابط السارية سواء القانونية منها او العرفية والدينية والاخلاقية وغيرها، وكلما كان الشارع هادئا منظما نظيفيا جذابا في مظهره وجوهره كلما كان هذا ينم عن ثقافة سلوك جيدة ومتوازنة للشعب ويصح العكس بطبيعة الحال.

وفي تقاطعات الطرق التي غالبا ما تتكدس فيها ارتال من السيارات الصغيرة وغيرها، نشأت ومنذ اعوام بعيدة ظاهرة إستحصال الرزق في هذا المناطق وذلك بطرق مختلفة ومن قبل أشخاص بمختلف الأعمار ايضا ولا ينحصر الامر على الذكور بل يتعداه الى النساء والعجائز والاطفال، ومع مرور الوقت بدأت تتحول هذه التقاطعات الى (أسواق متجولة) تبدأ مع اختفاء النجمة الأخيرة فجرا وتنتهي عند بزوغ النجمة الاولى مساءً، وما لبثت أعداد المرتزقين والمرتزقات تتزايد لتشكل ظاهرة لافتة للنظر، مضافا إليها اعداد لابأس بها من المتسولين الموزعة على الاطفال والشيوخ والمعاقين وما شابه.

إن المرء ليحار حقا وهو يرى اعداد هذه الشريحة وهي تتزايد في هذه المناطق (التقاطعات واشارات المرور) بصورة يومية، واذا كان ثمة عذر لمثل هذه الظواهر إبان النظام السابق فإن التغاضي عن هذا الامر وتزايده في الوقت الراهن يثير تساؤلات عديدة قد تبدأ ولا تنتهي!!.

وقد يقول قائل لابأس بالعمل، فالهم ان لا يمد الناس أيديهم للآخرين استجداء واستعطاء، بل الافضل أن يعمل ويتعد ويكد ليعيش الانسان رجلا او امرأة طفلا او شيخا من عرق جبينه، نعم إن مثل هذا الكلام لا غبار عليه لو كان استحصال الرزق يتم بطريقة مقبولة وتنطوي على ادنى درجة من التحضّر، لكن ما يحدث هو مظهر لا يليق بالانسان وكرامته في أي حال من الاحوال، وهناك صور كثيرة يمكن التقاطها من قبل المتابع ليعرف ان ما يجري في تقاطلعات الطرق وعند اشارات المرور ليس عملية استحصال للرزق، بل هي تجاوزات فعلية على كرامة الانسان ناهيك عن كونها في الغالب تشكل اعاقة لحركة السيارات وخطرا على ارواح العاملين في هذه الاماكن من اطفال وشيوخ ونساء وشباب ايضا!!.

فالعمل بحد ذاته علامة مشرفة للانسان وهو يكد ليعيل نفسه وعائلته، بيد أن الامر لا ينحصر في جانب العمل فحسب، فمثلا سيصادفك اكثر من رجل مسن أشيب واكثر من إمرأة كبيرة السن تتجول بين السيارات المتوقفة في هذا التقاطع او ذاك بسبب الزحام وهي تعرض سلعا تافهة (كالسجائر او العلكة او البخور او المناديل والعطور الرخيصة وما شابه) لكي تبيعها على من هم داخل السيارات مقابل ربح قليل تحت لفح الشمس وسخونتها او في البرد القارس، وحين تنظر الى هؤلاء المسنين فإنك تفكر بأن مكانهم الآن في هذه الاعمار بيوتهم او ما يسر نفوسهم ويريح اجسادهم بعد ان وصلوا الى هذا العمر، واذا بهم يجولون بين الاطفال والسيارات تحت حر الشمس او البرد وهم يعرضون سلعا لا يحتاجها أحد!!! فأي منظر هذا وكم سيسبب أذى للنفس وللآخرين، ثم تحت أي لافتة ندرج هذا السلوك، ومن المسؤول عنه قبل ذلك، ولماذا لا تبادر الجهات المعنية لمعالجته من الجذور؟!!.

أما الاطفال فحدّث ولا حرج، فأعمارهم تتراوح بين 5-15 وهم يدورون بين السيارات ليعرضوا ما لديهم كقناني الماء والعصائر والموز وماشابه، وقد سألت شخصيا احدهم عند احد التقاطعات في بغداد عمره عشر سنوات وقلت له: كم يدوم عملك ؟. فأجاب: يستمر عملي طيلة ساعات النهار ليصل احيانا الى 14 ساعة!!! وحين سألته عن أبيه فأجاب (إنه في المقهى يلعب الدومينو)!!! وآخر أجاب بأن أباه ميت وهو متكفل بإعالة أهله وغيرهما الكثير، أما الشيوخ والنساء العاجزات فحدثّ ولا حرج، والكل يشكو من ضيق ذات اليد وسوء الحال المالي.

إنها مناظر لاتسر العدو قبل الصديق، ولعلها تقدم للرائي انطباعا مؤسفا بل مؤذيا ومؤكدا على اننا لا نزال نبتعد عن (الحضارة) سنوات ضوئية برغم اننا محاطين بها بل مخترقين من قبلها ليل نهار، بيد ان الامر يتعلق بسوء الادارة واهدار ثروات البلد وعدم توزيعها بالصورة اللائقة، ناهيك عن انشغال المسؤولين كل بنفسه وذويه وحاشيته، متناسين ان فقراء الناس وبسطائهم هم احوج من غيرهم وهو حق لهم كفلته قوانين السماء والارض معا.

كما ان هناك قصورا كبيرا من لدن الجهات المعنية في متابعة مثل هذه الظواهر ومعالجتها، وهي معروفة ومؤشرة لكنها (كما هو حال العديد من دوائر الدولة) لا ترغب بأن تقوم بدورها الصحيح (وتحلل ارزاق موظفيها) الذين يستلمون مقابل (عجزهم وتلكؤهم) رواتب شهرية يعيلون بها عوائلهم ويطعمون اطفالهم بأموال لا يستحقونها لأنهم لم يقوموا بواجباتهم كما يجب.

ولغرض معالجة هذه الظاهرة يمكن ان ان تقوم الجهات المعنية بالاجراءات التالية:

- إيجاد بدائل عملية للعمل في تقاطعات الطرق واشارات المرور.

- قيام الجهات المعنية بدورها في هذا المجال.

- توعية الناس على ان مظهر الشارع هو جزء من ثقافة عامة تمثل عموم الشعب ولا تنحصر بفرد بعينه.

- رفع المستوى المعاشي للمواطنين خاصة الكسبة منهم بطرق ووسائل معاصرة.

- أن ينظر المسؤولون الى هذه الظاهرة بعين المسؤولية وان يبتعدوا عن اللامبالاة والبحث عن المنفعة الفردية.

أن يكون لرجل الدين والمثقف والرجل الوجيه دور في التوعية والمعاونة على معالجة هذه الظاهرة للحد منها او القضاء عليها.

وأخيرا فإن النظر بجدية الى مثل هذه الامور والعمل على معالجتها بتعاون الجهات كافة رسمية وغيرها، سيقود الى انهائها وإظهار الشارع العام بمنظر يسر العين والقلب معا.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/أيلول/2009 - 24/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م