الأهمية القصوى للتربية في منظور الاسلام

سبل وتوجيهات متواصلة تحث الإنسان على تشذيب النفس

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ترتبط حضارة المجتمع بمدى التحضّر الذي يصل إليه الانسان المنتمي لذلك المجتمع، وهو أمر يكاد أن يكون بديهي، فحين نقول إن المجتمع الفلاني بلغ من التحضّر درجة عالية فهذا يعني إن طفل هذا المجتمع عاش طفولة سوية متوازنة تلقّى فيها الرعاية الكافية والاهتمام المطلوب فكريا وماديا، ويؤكد الاسلام في عموم تعاليمه الواضحة على الاهمية القصوى للتربية التي يتلقاها الانسان منذ بداية رحلته في الحياة، حيث يتعلق الامر بالفرد والجماعة في آن واحد، بكلمة اخرى ان التربية القويمة لا تحقق نتائج على المستوى الفردي فحسب بل تمتد النجاحات الى مستوى الجماعة او المجتمع الذي ينتمي إليه الطفل، ولذا نرى ان الاسلام يحرص كل الحرص على اهمية ان يتلقى الطفل تربية صالحة تقوم على الرعاية والتوازن، وذلك لدورها الفاعل في تحقيق حضارة المجتمع وتقدمه العلمي والتنموي، وقد اكّد الاسلام على وجوب التوجيه الامثل للطفل والعناية الفائقة به سيّما في سنيّه الاولى، فالتربية تؤثر على أمن المجتمع، وصحته ونظافة بيئته، وإنتاجه الاقتصادي، واستقراره السياسي وتقدمه العلمي والحضاري.

لذلك نرى ان الطفل الذي ينشأ كسولاً مهملاً، لايمكن أن يكون إنساناً منتجاً يعرف كيف يوظف وقته وطاقته، ويطوِّر انتاجه وقدراته، أو يواصل تحصيله العلمي والخبروي، والطفل الذي ينشأ مشرداً متمرداً نتيجة لسوء تعامل الابوين أو المدرسة أو السلطة من الصعب أن يكون إنساناً ملتزماً بالقانون، يحافظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي لبلده وأمته، كما ان الطفل الذي يعيش في بيئة شاذة، أو يُربّى تربية منحطة، سوف  تترك تلك التربية تأثيرها في سلوكه فتجني عليه، وتصنع منه انساناً مجرماً معذَّباً في حياته وشقياً في اخرته، وبهذا يخسر نفسه ويخسره مجتمعه إذ كان بالامكان ان يكون عضوا اجتماعيا منتجا ومفيدا لنفسه ولمجتمعه في آن.

وقد أثبتت التجارب والاحصائيات العلمية التي أجراها الباحثون أثر التربية في تكوين الفرد والمجتمع فجاءت متطابقة مع تشخيص الرسالة الاسلامية ومقرراتها العلمية في التربية نذكر منها: تقول معظم الدراسات التي اجريت في العالمين العربي والغربي بان سني الطفولة الاولى هي سني تكوين الشخصية الانسانية وتنمية المواهب الفردية. فالولد يكتسب من احتكاكه بمحيطه ردات فعل على المثيرات الخارجية بحيث تكتمل نصف ردات فعله الثابتة في حياته في السنوات الاولى منها. وبديهي ان يكون للقيم السلوكية الايجابية والسلبية السائدة في محيطه العائلي دور فعال ومؤثر في تكوّن طريقة تعامله مع الغير. وتثبت الابحاث التربوية ايضاً أن تكوّن الصورة الذاتية لدى الطفل منذ حداثة سنه تؤثر في نظرته الى نفسه طيلة سني حياته.

فاذا تكونت لديه صورة سلبية عن مقدرته ومكانته في عائلته بأن شعر نفسه مهملاً، دون دور معين في محيطه العائلي، لايثير اهتمام أحد كأن وجوده أو عدمه سيّان نمت لديه صورة قاتمة عن مكانته في المجتمع، ماتلبث ان تترجم بتصرفات تؤدي الى اثبات الوجود عبر سياق تعويضي يتصف بالعنف أو بالمشاكسة أو بالانحراف.

وبالعكس اذا وجد الرعاية والمحبة والعاطفة والتقدير والتشجيع بين افراد اسرته زهت صورته عن نفسه ونمت مقدراته ومواهبه واصبح يشعر باشراقة مضيئة تشع من شخصيته فتؤهله للقيام بدور فعال في حياته العائلية ومن ثم المدرسية والمهنية والاجتماعية.

وهكذا يعطي الاسلام اهمية قصوى لتربية النشئ كونها تشكل تأسيسا قويما للمجتمع المتحضر والمنتج في آن واحد، إذ طالما كان الطفل سليما في جسمه وعقله فإنه وطالما كان يشكل النواة الصغرى للمجتمع فإنه الطريق الأسلم والأقصر لتكوين المجتمع السليم في (عقله وجسده) وهو الأقدر على التطور والانتاج ومواكبة رحلة نجاح الانسان مع التزامه بمتطلبات الآخرة التي لا تتعارض مع قيم التحضّر بل تشجع الانسان عليها، حيث نرى في القيم والتعاليم الاسلامية سبلا وتوجيهات متواصلة تحث الانسان على تشذيب نفسه من الاخطاء والذنوب سعيا وراء النجاح الذي هو نجاح في الآخرة ايضا فيما لو أقام نفسه وفقا للضوابط التي جاءت بها أديان السماء.

وكل هذا لن يتحقق إلاّ من خلال تربية قويمة متوازنة يحث عليها الاسلام لبناء الفرد والمجتمع بناء سليما في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/أيلول/2009 - 20/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م