العراق وسوريا: تعطّل الوساطات يفتح الباب أمام التدويل

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: في مؤشر الى فشل الوساطات الاقليمية وأبرزها تركيا وايران في احتواء الازمة بين دمشق وبغداد، صعّد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لهجته تجاه سورية، وقال إن من يحتضنون المجرمين، سيدفعون الثمن حتماً، وفي غضون ذلك وتنتظر الحكومة العراقية مناقشة مجلس الأمن اقتراحها تشكيل لجنة تحقيق دولية ضمن خطة لمواجهة التصعيد الامني الاخير الذي تزامنَ مع الانسحاب الاميركي من المدن العراقية منتصف حزيران الماضي، في وقت أثار طلب الحكومة انقساماً بين القوى السياسية العراقية.

وقال المالكي، إن المتمردين على القيم والإنسانية لن يقفوا على حدود العراق، والذين يحتضنون المجرمين سيدفعون الثمن حتماً (...) فلا يتصور أحد مهما كان لديه من قوة واستخبارات أنه سيكون بمنأى عن التداعيات التي تتواصل وتتصاعد، والعالم مطالب أن يقف وقفة واحدة في وجه الشر والإرهاب والجريمة.

ومن جانب آخر أعرب مسؤولون عراقيون عن أملهم في أن تستجيب سوريا للمطالب العراقية بتسليم المتهمين بالتخطيط لتفجيرات الأربعاء الأسود (19 آب اغسطس) التي أودت بحياة 95 عراقيا، ووضع حد للجماعات المسلحة الناشطة في دمشق لتجاوز الأزمة السياسية بين البلدين، والتي تفاقمت على خلفية قرار الحكومة العراقية بالتحرّك لتشكيل محكمة دولية لمحاكمة المتورطين في التفجيرات.

التحرك العراقي أثار انزعاج سوريا التي وصفته على لسان رئيسها بشار الاسد، بأنه “غير اخلاقي”، وهو ما أثار مجددا ردة فعل عراقية استنكرت هذه التوصيفات وطالبت بالاسراع في تسليم المتهمين قبل الذهاب الى المحكمة الدولية.

الأزمة التي حاولت وساطة تركيا تخفيفها، وسط غياب أي جهد عربي، بدأت قبل أسابيع مع طلب الحكومة العراقية من سوريا تسليم “قيادات في حزب البعث المنحل متورطة بتنفيذ هجمات في العراق” وهو ما رفضته سوريا، للتفاقم الأزمة مع التفجيرات التي هزت بغداد في 19 آب اغسطس الماضي والتي اتهم مسؤولون عراقيين جماعات عراقية تتواجد في سوريا بالتخطيط لها.

الوساطة التركية التي قادها وزير الخارجية احمد داود اوغلو لم تنجح في اقناع الحكومة العراقية بوقف التحرك باتجاه تشكيل محكمة دولية رغم اعلان الخارجية العراقية استمرار التواصل مع الوساطة، كما لم تنجح في اقناع سوريا بتسليم المطلوبين والتي وصفت الاتهامات العراقية بأنها لا تستند الى أدلة واعتبرت ما قدمه العراق من معلومات لا يمت بصلة للتفجيرات.

الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ أعرب عن أمله في ان تستجيب سوريا لما وصفه بـ ”المطالب العراقية الأخلاقية كبديل عن التوجه الى مجلس الأمن لتشكيل محكمة جنائية دولية”.

وقال الدباغ لوكالة أصوات العراق ان “من مصلحة البلدين أن يتم احتواء الخلاف”، مضيفا “هناك قرارات اتخذها مجلس الأمن الدولي وأخرى صدرت عن اجتماعات دول الجوار لمكافحة الإرهاب ومن الضروري لسوريا أن تلتزم بها وتوقف نشاط جماعات لا تصنف على إنها سياسية بل تعمل على قتل وتدمير العراق وهذا أمر غير مقبول في الشرعية الدولية”.

وأشار الدباغ الى ان “العراق لا يقبل بأقل من تسليم المطلوبين وطرد الجماعات الناشطة في دعم الإرهاب في العراق، منوها “أعطينا أدلة دامغة للوسيط التركي عن تورط مجموعات تعمل من سوريا والكثير من افرادها مطلوبون للإنتربول الدولي، لافتا “نحن نجنح لحلول ودية وأخلاقية ومشروعة في العرف الدولي وعلى السوريين أن يدركوا بأن الأمر هذه المرة يحمل تصميماً عالياً على حل هذه المشكلة.

في وقت أشارت وزارة الخارجية السورية أن وزيرها وليد المعلم أبلغ نظيره العراقي أن “الحرص على العلاقات بين البلدين يتطلب من العراق تشكيل وفد أمني يحمل الأدلة والوثائق الحقيقية التي لديه عمن يقف وراء التفجيرات، وإذا ثبتت صحة الادعاءات فان سورية جاهزة للتعاون وستتخذ الإجراء المناسب”، ونفى المعلم قيام العراق بتقديم أدلة عن تورط مجموعات تعمل من سوريا في التفجيرات قائلا “ما قدموه لا يمت بصلة للتفجيرات الأخيرة وإنما كان موضع مداولات بين سورية والعراق في الماضي”.

وكان وزير الخارجية التركي قد وصف في تصريحات صحفية ببغداد المعلومات التي حصل عليها من الحكومة العراقية بشأن الأزمة مع سوريا بالـ”مقنعة”، مبيناً أنه سيتولى نقلها إلى دمشق.

وأستدعت الخارجية السورية، الأربعاء، رؤساء البعثات الدبلوماسية لديها لاطلاعهم على الموقف السوري من الأزمة، بحسب وكالة سانا التي نقلت عن الخارجية السورية قولها “أكد الوزير المعلم للوزير العراقي أن اللجوء إلى وسائل الإعلام وتلفيق الأدلة عبر الفضائيات واستدعاء السفير سيؤكد وجود قرار سياسي عراقي بتخريب العلاقات السورية العراقية الأمر الذي يستوجب من سورية بالمقابل اتخاذ الإجراءات المناسبة”.

وشددت الخارجية السورية على أن “التركيز الآن يجب أن ينصب على حادثة تفجيرات الأربعاء الدامي ومن يقف خلفها لأن هناك توظيفاً واستخداماً لها من قبل الحكومة العراقية بهدف ربطها بالمطالبة بتسليم معارضين عراقيين لاجئين في سورية ترفض حكومة رئيس الوزراء المالكي اشراكهم في العملية السياسية”، بحسب سانا.

من جهته قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الشيخ همام حمودي ان “الحوارات البناء مع سوريا والتجاوب الحقيقي مع الطروحات العراقية باتت ضرورية لتجنب الوصول الى مرحلة القطيعة”، معتبرا أن من حق العراق ايجاد التفاهمات اللازمة مع دول الجوار لتحصين أمنه الداخلي، مبينا أن “اللجوء الى المحافل الدولية لتأمين الاستقرار حل لا يتمنى العراق الذهاب اليه مضطرا”.

فيما دعت النائبة عن الكتلة الصدرية زينب الكناني رئاسة البرلمان الى تشكيل وفد من لجنتي الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية لزيارة دمشق لترطيب الاجواء ومعرفة الموقف النهائي للسوريين. وقالت الكناني “أدعو سوريا الى التعاون مع الحكومة العراقية في قضية تحريك الاتفاقيات الدولية التي وقعها العراق مع سوريا فيما يخص حسن الجوار وتامين الحدود بين البلدين”.

وكانت تفجيرات بغداد قد أودت بحياة نحو 95 شخصا وجرحت قرابة 600 آخرين والحقت دمار بعشرات المنازل وبمؤسسات حكومية، واتهم مسؤولون أمنيون بعدها قيادات بعثية سابقة مقيمة في سوريا بالتخطيط للهجمات، وأعلنت الحكومة العراقية عزمها التحرك لتشكيل محكمة دولية لمعاقبة المسؤولين عن التفجيرات التي استخدمت فيها سيارات مفخخة، رافضة طلب الحكومة التركية بعدم تدويل القضية والدعوات الأمريكية والفرنسية الى اتخاذ سبيل الحوار لحل الأزمة.

وأبدى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال لقائه بوزير الخارجية التركي جديته في مفاتحة الأمم المتحدة لتشكيل “محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الجرائم التي تستهدف أمن واستقرار العراق”، مشيرا الى ان “90 بالمائة من المسلحين العرب يدخلون إلى العراق عبر سوريا”، مشترطا تسليم المطلوبين الرئيسيين من البعثيين المتهمين بالوقوف وراء التفجيرات قبل إعادة العلاقات مع دمشق.

وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري قد وصف تشكيل محكمة دولية بأنه حماية للعراق عبر الذهاب للقانون الدولي قائلا “نحن نحاول كشف الحقيقة ونوفر كم هائل من المعلومات التي يقول السوريون انها كاذبة، لذا سنلجأ الى جهة محايدة، لنتحقق من الأمر”، مبينا “المحكمة الجنائية الدولية ستنظر في جميع التدخلات في الشأن العراقي، وهي ليست تجاه سوريا فقط”.

وكانت قيادة عمليات بغداد قد عرضت اعترافات لما وصفته بالمشرف على تنفيذ تفجيرات بغداد قال فيها أنه مرتبط بقيادات بعثية عراقية في سوريا هي من خططت لها، كما عرضت اعترافات أخرى لسعودي اقر بتلقيه تدريبا على الأراضي السورية من قبل ضباط مخابرات سوريين.

واستدعت بغداد مطلع الاسبوع الماضي سفيرها كرد على الهجمات وعدم التعاون السوري معها، فيما ردت الحكومة السورية بالمثل واستدعت سفيرها لدى العراق منتقدة الاتهامات.

وفي الاطار نفسه كشف مسؤولون محليون في محافظة نينوى المتاخمة للحدود السورية عن استمرار عمليات التسلل عبر الحدود مع سوريا، محذرين من تواصل العنف في المحافظة اذا لم تتم السيطرة بشكل كامل على الحدود، مشيرين الى وجود ثغرات كثيرة على الحدود تسهل من تسلل المسلحين والمهربين ودخولهم العراق.

وأشار قائممقام قضاء سنجار دخيل قاسم حسون الى صعوبة السيطرة على الحدود مع سوريا، وقال ان “الخنادق والسواتر التي اقيمت في السنوات الماضية لم يعد لهما وجود والقوات القليلة التي تحمي المنطقة لا تؤدي عملها بشكل جيد”، لافتا الى ان ذلك “ساعد على تزايد نشاط المسلحين في المنطقة وحدوث خروقات امنية وهجمات أوقعت عشرات القتلى والجرحى”.

فيما وصف عبد الخالق هركي مسؤول تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني في قضاء سنجار (110 كلم شمال غرب الموصل) الأوضاع على الحدود مع سوريا بالمقلقة “نتيجة الثغرات الكثيرة فيها التي تسمح بدخول وخروج عناصر موالية للقاعدة”، مضيفا “تردنا معلومات باستمرار عن دخول وخروج مسلحين في العديد من المناطق”، مشيرا الى ان ذلك “هو السبب الرئيسي لتزايد العمليات في تلك المنطقة مع ارتفاع حركة المتسللين من سوريا”.

وأوضح هركي “هؤلاء ينتمون الى فصائل مسلحة مثل حزب العودة (امتداد لحزب البعث المنحل) والقاعدة ولهم تأثير على المنطقة خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية وفي ظل منافسة كبيرة بين مختلف التيارات السياسية في العراق”، لافتا الى ان بعض النشاطات تدخل ضمن عملية “تصفية حسابات فهناك الكثير من انصار حزب البعث وحزب العودة في الجانب الثاني من الحدود (داخل سوريا) وهؤلاء لا يريدون للتجربة العراقية ان تنجح”.

المالكي يحذّر من كربلاء..

وفي نفس السياق حذّرَ المالكي الذين "يحتضنون المجرمين" بانهم "سيدفعون الثمن حتما" موجها في الوقت ذاته انتقادات الى دول الجوار دون تحديدها بالاسم.

وقال المالكي خلال احتفال في كربلاء (110 كلم جنوب بغداد) لتوزيع قطع من الاراضي على "اسر الشهداء والسجناء السياسيين" السابقين ان "المتمردين على القيم والانسانية لن يقفوا على حدود العراق والذين يحتضنون المجرمين سيدفعون الثمن حتما". بحسب فرانس برس.

واضاف "فلا يتصور احد مهما كان لديه من قوة ومخابرات انه سيكون بمنأى عن التداعيات التي تتواصل وتتصاعد، والعالم مطالب ان يقف وقفة واحدة بوجه الشر والارهاب والجريمة".

وتابع "سنبقى دائما نبحث عن عملية غلق لكل الابواب التي يمكن ان يتنفس منها القتلة مرة اخرى، نعتب على اشقائنا واصدقائنا ودول الجوار، كانوا يقولون نحن معكم وقد وقفوا معنا في مواقف معينة، لكن ماذا يمكن ان نصف احتضان القتلة مرة اخرى؟"

واشار الى ان "العالم اما ان يكون متواطئا ام انه ينسى، وحتى العراقيين ينسون الذين ارتكبوا الجرائم، فالعالم يتحضنهم وبعض العراقيين يصفق لهم".

وتساءل المالكي"الى اين يراد تصديرهم هذه المرة؟ الى العراق مجددا؟ ام الى دولة اخرى تحتاج الى مجازر كما احتاج العراق؟ وهل ان الشر يمكن ان يطوق في بلد معين؟"

وكان رئيس الوزراء اعتبر خلال استقباله الخميس الماضي رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والاجنبية العاملة في بلاده ان تدخل "بعض" دول الجوار بعد انسحاب القوات الاميركية "نعتبره عملا عدوانيا".

واضاف حينها ان "الازمة مع سوريا ليست جديدة، فقد اجرينا اتصالات على مستويات متعددة مع المسؤولين السوريين حول نشاط قادة حزب البعث المنحل والمنظمات الارهابية التي تعمل ضد العراق من الاراضي السورية".

واستدعت بغداد قبل فترة سفيرها لدى سوريا على خلفية التفجيرات الدامية، وطالبت بتسليمها اثنين من كبار قادة حزب البعث المنحل تتهمهما بغداد بالوقوف وراء تلك العمليات.

وقد طلب المالكي رسميا من الامم المتحدة تشكيل لجنة تحقيق دولية في الاعتداء المزدوج الذي استهدف بغداد في 19 آب/اغسطس واوقع 101 قتيل ومئات الجرحى، كما اظهرت وثائق نشرت الخميس في مقر الامم المتحدة في نيويورك.

على صعيد اخر، قال اللواء طارق يوسف العسل قائد شرطة محافظة الانبار لوكالة فرانس برس ان "رئيس الوزراء وجه بنشر قوات جديدة من الشرطة والجيش على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا بهدف منع المتسللين من عبور الحدود".

زيباري يطالب فرنسا بدعم تشكيل لجنة تحقيق دولية

من جهة ثانية استقبل وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، سفير فرنسا الجديد لدى العراق بوريس بوالان الذي قدم نسخة من أوراق اعتماده، وجدد زيباري مناشدة العراق لفرنسا وأعضاء مجلس الأمن دعم طلب العراق لتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية بشان التفجيرات الأخيرة في بغداد.

وقال بيان لوزارة الخارجية ان زيباري جدد خلال اللقاء “مناشدة العراق لفرنسا وبقية أعضاء مجلس الأمن لفهم ودعم طلب العراق لتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية حول تفجيرات يوم الأربعاء الدامي.”

واشار البيان إلى انه جرى خلال اللقاء “بحث العلاقات العراقية-الفرنسية و ضرورة تنميتها في كافة المجالات التجارية والاقتصادية والعسكرية و الثقافية، حيث رحب السيد الوزير برغبة فرنسا في توسيع تمثيلها الدبلوماسي في بغداد.”بحسب اصوات العراق.

كما ثمن الوزير، بحسب البيان “مواقف فرنسا في إدانة التفجيرات الإرهابية في بغداد واستقبال عدد من ضحايا جرحى الانفجارات في المستشفيات الفرنسية.”

العراق ينشر قوات اضافية على الحدود مع سوريا

وفي وقت لاحق قال مسؤول عراقي، ان العراق بدأ في نشر قوات شرطة إضافية على الحدود مع سوريا هذا الأسبوع ردا على موجة تفجيرات أنحي فيها باللائمة على متشددين تقول بغداد ان دمشق توفر لهم المأوى.

واتهم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي سوريا بغض الطرف عن استخدام المتشددين السنة لها كملاذ آمن لهم. ويقول المالكي ان 90 في المئة من الجهاديين الاجانب الذين يدخلون العراق يفعلون ذلك عبر سوريا ومنهم مقاتلون القى عليهم باللائمة في تفجيرين وقعا امام وزارتين في بغداد مما اسفر عن مقتل ما يقرب من مئة شخص الشهر الماضي.

وقال اللواء طارق يوسف قائد شرطة محافظة الانبار بغرب العراق على الحدود مع سوريا لرويترز، ان قوات الشرطة الاضافية هي قوات طواريء من اجل الحدود لسد الثغرات. واضاف ان المالكي شخصيا أمر بنشرهم. وقال ان بعضهم تم نشره بالفعل والبعض الاخر في الطريق. ورفض اعطاء المزيد من التفاصيل.

وقال انه يوجد اتهام حكومي ضد سوريا فيما يتعلق بالتفجيرات، واضاف ان الحكومة لديها ايضا معلومات تفيد بأن سوريا تمثل تهديدا. وتابع ان العراق اعتقل اثنين من المتسللين اثناء محاولتهما الدخول الى الاراضي العراقية الشهرين الماضيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/أيلول/2009 - 17/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م