دأبت مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy) منذ عام 2005 على
إصدار مقياس سنوي لما يمكن أن تطلق عليها الدول الفاشلة (Failed State
) في العالم، وهو عمل ضخم وجهد مميز مشترك بين المجلة مع مؤسسة The
Fund For Peace التي هي مؤسسة أبحاث مستقلة تأسست 1957 وتهدف الى منع
الحروب وتسعى جاهدة لتوفير وتطوير وجمع المعلومات والمصادر التي تخص
الدول. إذ قامت المجلة، وفي عددها الصادر في شهري يوليو-أغسطس،بالكشف
عن تقريرها السنوي الخامس عن الدول الفاشلة في العالم.
وقبل أن نصطدم بترتيب العراق، وهو بلد الحضارات كما هو المفترض، في
مؤشر الدول الفاشلة، لا بأس لنا من التعريف بمصطلح الدول الفاشلة
ومؤشره في العالم، اذ نلاحظ انه، بعد أحداث 11 سبتمبر الدامية، قد
ازداد التعامل مع مصطلح الدول الفاشلة من قبل الباحثين والمحللين
والأساتذة في مراكز البحوث والدراسات الأمريكية، ولم ينظر هؤلاء إلى
الدول الفاشلة من منظور تنموي كما هو السائد بل من منظور دفاعي أمني
حيث تتهم واشنطن هذه الدول بأنها مأوى لتفريخ الإرهاب والتشدد الذي
يتعدى ضرره مجتمعاته، التي تحتضنه وينشئ فيها، إلى الولايات المتحدة
وأمنها.
يضع الباحثون تعريفا للدولة الفاشلة في أنها الدول التي لا تستطيع
أن تنهض بالوظائف الأساسية التي ينبغي لها أن تقوم بها، كتوفير الخدمات
العامة للمواطن وتوفير الأمن والضمان الاجتماعي فضلا عن الإدارة
الخاطئة لمؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى كافة
مستوياتها الداخلية والخارجية بالإضافة إلى الاستعمال المفرط للقوة
وعدم سيطرتها على أراضيها.
وقد أجرى مؤشر الدول الفاشلة دراسته هذا العام وعام 2008 وعام 2007
على 177 دولة بينما كانت 148 دولة في عام 2006 و 75 دولة في عام 2005.
وكان يتبع منهج (CAST) Conflict Assessment System Tool وهو منهج مرن
تم تطويره وتجربته من قبل المؤسسة خلال عدة سنوات، و يشمل أربعة خطوات
تتعلق بتقييم الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتقدير قابلية خمس
مؤسسات للدولة في حفظ الامن وتوفيره وقدرة الدولة على مواجهة الأزمات
المفاجئة ووضع البلد في خريطة الصراعات وتحليل تاريخ البلد ونزاعاته.
ويعتمد مؤشر الدول الفاشلة على 12 معيار منها وضعية اللاجئين
والخدمات وحقوق الأنسان والأجهزة الأمنية والتدخلات الخارجية وتوفير
الخدمات والهبوط الاقتصادي والفساد والسلوك الأجرامي والبيئة وهجرة
الكفاءات وعدم القدرة على جمع الضرائب،فضلا عن الظلم الاجتماعي
والاضطهاد والتمييز المؤسساتي وغيرها.
ويصنف هذا المؤشر، بحسب تقرير واشنطن، سائر بلدان العالم من الأشد
تعرضا إلى خطر الفشل إلى أبعدها عن هذا الخطر، ويترتب، كما قلنا،
بالنسبة لهذه السنة من 177 دولة تختلف فيما بينها بحسب مؤشرات سياسية
واقتصادية واجتماعية ممكن قياسها كميا بحسب المنهجية أعلاه وأخيرا تعكس
النتائج درجة فشل الدول، فكلما حصلت الدولة على نقاط كثيرة أصبحت اكثر
فشلا من غيرها لهذا تصبح الدولة التي تحصل اكثر عدد من النقاط رقم
واحد في القائمة وهكذا تنازليًّا حسب مجموع النقاط التي تحصل عليها
وصولاً إلى أكثر الدول استقرارًا في نهاية القائمة صاحبة الترتيب
الأخير رقم (177).
ويقسم المؤشر الدول ايضا الى فئات استنادا الى درجة تهديدها
للاستقرار والسلام الدولي بحيث تبدأ بالفئات الأشد خطورة؛ وهي فئة
الدول الخطرة Critical وتليها فئة الدول المعرضة للخطر In Danger، ثم
الدول المتاخمة للخطر Border line ثم المستقرة Stable والفئة الخامسة
هي الدول الأكثر استقرارًا Most Stable.
وبالنسبة للعراق نرى ان ترتيبه في هذا المؤشر كان بالنسبة للسنوات
الماضية كالاتي :
في سنة 2006 كان ترتيب العراق رابعا بعد السودان والكونغو وكودي
فوا.
في سنة 2007 كان العراق في المرتبة الثانية بعد السودان.
في سنة 2008 كان العراق في المرتبة الخامسة بعد الصومال والسودان
وزمبابوي وتشاد
في سنة 2009 كان العراق في المرتبة السادسة بعد الصومال وزمبابوي
والسودان وتشاد وكونغو.
وهذا يعني، برغم مأساوية النتيجة أعلاه، أن العراق في سنة 2009 أفضل
من مستواه في سنة 2008 بحسب المعلومات التي حللها مؤشر الدول الفاشلة !
والآن...
مالذي يمكن ان نقوله إزاء هذا؟
العراق في مستوى الصومال وتشاد وكونغو وزمبابوي !
أي حضارة بعد يمكن ان نتكلم عنها؟
واي تاريخ عتيد وبهي يمكن ان نفتخر به؟
واي حاضر يمكن أن يعيشه العراق؟
إلا يفكر بعض من مواطنيه ممن تورطوا بالإرهاب والقتل والتخريب بلحظة
تأمل حول جدوى الاستمرار في العنف الذي يدمر العراق ويؤخر فيه كل تقدم؟
إلا يقف بعض من سياسييه ممن انغمسوا في الفساد الإداري والمالي مع
أنفسهم ويراجعوا حساباتهم لكي يدركوا أنهم لا يختلفون عن الإرهابيين في
تدميرهم للعراق؟
وهل لمن يقرأ هذا المؤشر ان يتساءل عن الاسباب التي ادت الى هذه
النتيجة المأساوية التي آل اليها الوطن...
هل لمراكز الدراسات العالمية ان تكشف لنا حقيقة ما جرى؟
من المؤكد أن ما وصل أليه العراق الآن هو نتيجة لسياسات النظام
السابق والمجاميع الارهابية من تنظيم القاعدة والميليشيات الاجرامية
التي عاثت فسادا بعد سقوط النظام الا أننا يجب أن لا نعف الحكومات التي
تعاقبت على حكم العراق بعد 2003 من المسؤولية ازاء ماجرى فيه ولا يمكن
لها، مهما سعت لتحقيق الأمن والتطور فيه، أن تتنصل عن الأخطاء والهفوات
التي تعترض طريقه.
[email protected] |