العِلم ودوره الكبير في بناء الفرد والمجتمع

قبسات من فكر الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: العلم هو القبس الرباني الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للانسان كي يطور حياته طالما كان قائما على وجه الوجود، ولم ينحصر العلم في مجال محدد بل هو من السعة بمكان بحيث يشمل كل مفاصل الحياة فكرية كانت او مادية، نظرية كانت أم تطبيقية، وبهذا فقد ميّز العليّ القدير كائنه (القويم) الانسان (بالعقل) ووهبه المدارك وأعطاه سمة البحث المتواصلة لتوسيع هذه المدارك والوصول من خلالها الى ارقى نمط من العيش اللائق بالانسان، بيد أن الشرط الذي غالبا ما يرافق هذه الهبات والعطاءات الربانية المتفردة للانسان تتطلب توظيفه للعلم بما يصلح له وفقا للتعاليم التي أوجبها الله تعالى على الانسان، بمعنى لا يجوز للانسان ان يستغل هذه الهبة الربانية (العقل) في استخدام العلم لما ينافي ارادة الله تعالى وهو ما يقوم به الانسان في مجالات كثيرة، لذلك علينا أن نعي بأن تحصيل العلم بذاته ليس فضيلة بل يرتبط ذلك باستخدامنا للعلم وايجابية هذا الاستخدام.

فالعلم وتحصيله ليس بالامر الهين بل يتطلب مساع لا تحصى وجهودا ليس لها حدود، وبهذا ينبغي ان يكون استخدامها في المجال المناسب لان عملية اكتسابها واستحصالها في غاية الصعوبة، وفي هذا المجال يقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله في كتابه القيم الموسوم بـ (الاخلاق الاسلامية):

(العلم فضيلة، وإن نبت الشخص في بيداء خالية من الأنيس إلى حين مماته، والجهل رذيلة، وإن حفت بالجاهل هالة من شرف الآباء، وأثقال النسب، ورفعة الجاه.. الجاهل خفيف الميزان، ثقيل المجلس، مبتعد المنطق..والعالم قريب رحيب، وقور مرتفع، وإن نزلت به الأنساب، وتفرقت عنه الأسباب. وهو ذو قيمة، وإن لم يعرفه الجهال، كما أن العسجد ثمين وإن صار لعبة طفل، أو دربة مجنون)..

إذن هذه هي قيمة العلم وهذه هي المكانة التي تمنحها للباحث عن العلم وفي هذا المجال يذكر الامام الشيرازي في كتابه نفسه أهمية العلم فيستشهد بكلمة رائعة وثمينة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ في وصف العلم ـ يقول فيها: (قيمة كل امرء ما يحسن)- 1- وأعظم بها من كلمة!! لا تقدر بقدر ولا تثمن بثمن.

من هنا تبدو قيمة العلم لا متناهية لاسيما اذا كان الاستخدام العلمي يتوافق وروح التعاليم السماوية التي بينتها الاديان كما هو الحال في ديننا الاسلامي الحنيف الذي أعطى للباحث عن العلم والساعي له قيمة تتلاءم مع جهده وسعيه الحثيث نحو امتلاك العلم وتوظيفه لخدمة الانسان وفي هذا يقول الامام الشيرازي رحمه الله:

(وليس عجباً ان لم يعرف القرآن العلم، بل جعله موضع سؤال: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون...-2-.

إنه سؤال مغزاه أكبر من كل تعريف.. وصدق هذا: ان يوزن الشخص هذه الجملة القصيرة، مع كل ما جاء في العلم من فضل ومنقبة، انه يجد هذه أثقل من تلك..

ومن راجع شرائع السماء، وأنظمة الأرض، لا يجد عشر معشار ما يجده في الإسلام من الحث على العلم، وإيجاب طلبه، وتعداد الثواب العظيم لطالبه).

نعم ان الاسلام يحث الانسان على المواظبة في طلب العلم لانه الطريق الأسلم والاقصر لتطوير الحياة وبناء المجتمع الامثل، ذلك المجتمع الذي يتسم بالايجابية في افكاره وافعاله وكل ما ينتجه في ارض الواقع الملموس وما يبنيه لآخرته سعيا وراء رضا الخالق الجبار، ولهذا يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يرد في كتاب الامام الشيرازي:

(اطلبوا العلم، ولو بالصين -3-!. إذ كانت الصين آنذاك أواخر المعمورة، وكان طي المسافة إليها من أصعب الأسفار)..

إذن فأهمية العلم تتطلب من الانسان سعيا لا هوادة فيه ولاطريق للتلكؤ بخصوصه كونه كما ذكرنا سبيل الانسان الى الرقي المتواصل في الجانبين المعنوي والمادي، إضافة الى كونه هدف يجب الحصول عليه بحد ذاته، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد:

(العلم بغية يلزم تحصيلها، ولو في أقصى الأرض، وإن كان في مغارة جبل، أو كهف، فإنه كمال لا مثيل له).

ويضيف الامام الشيرازي في كتابه (الاخلاق الاسلامية):

(ما أجمل رائعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: - طلب العلم فريضة!)-4 -

فمثلما مطلوب من الانسان ان يواظب في عبادته ويتقرب الى الله تعالى من خلال الطرائق والسبل المتاحة لذلك، فإنه مطالب بتحصيل العلم وفقا للسبل المتاحة ايضا عبر سعي لا يكل ودأب لا يتوقف، لأن قيمة العلم او احدى فوائده الكبيرة انه طريقنا الى توسيع مداركنا دائما، وهنا يؤكد الامام الشيرازي قائلا:

(وكلما اتسعت دائرة العلم، تقلصت آفاق الجهل، كما أنه كلما اتسع الضياء انكمش الظلام، أجل كان انكشاف سعة الجهل بسعة دائرة العلم، فلو فرضنا ان الإنسان يحيط به علمه كان كلما زاد المحيط سعة، ازداد دركه لما وراء المحيط توسعة).

وبهذا يتضح لنا بجلاء وجوب السعي والبحث عن العلم كونه يتيح للانسان سبلا متجددة للتطور والنماء صوب رقي الحياة وفقا لمرضاة الخالق العظيم سبحانه وتعالى.

.......................................................................

هامش:

1 ـ من لا يحضره الفقيه: ج4، ص389.

2 ـ سورة الزمر: الآية 9.

3 ـ بحار الأنوار: ج1، ص177.

4 ـ الكافي: ج1، ص31.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/أيلول/2009 - 13/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م