قطاع غزّة بين أسلمة التشدّد وخَراب البُنى التحتية

القاعدة.. فرصة لحماس وتحدٍّ لها!

 

شبكة النبأ: لا يستطيع الرجال السير عراة الصدور على شواطيء غزة ويُطلب من أصحاب متاجر الملابس ازالة تماثيل عرض الملابس الداخلية كما يشتكي البعض من مطالبته أحيانا بإبراز عقد الزواج اثناء سيره مع زوجته في الشارع.

وتقول جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الانسان وآخرون ان البعض في حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) التي تحكم قطاع غزة يمارسون ضغوطا لتطبيق الشريعة الاسلامية في الوقت الذي يسعى فيه اخرون للانخراط مع العالم الغربي.

وتنفي حماس التي اقتنصت السيطرة على القطاع من حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس اثر قتال دار عام 2007 اعتزامها فرض الشريعة الاسلامية.

لكن سكانا من غزة قالوا ان رجالا ملتحين يقولون انهم من وزارة الاوقاف ينصحون الناس باتباع القيم الاسلامية والاقلاع عن التدخين والالتزام بالزي الشرعي للرجال والنساء. بحسب رويترز.

وقال سعود الريس وهو صاحب محل ملابس "جاءنا ناس من حملة الفضيلة عرفوا عن حالهم من وزارة الاوقاف قالوا انه المانيكانات (تماثيل العرض) مغرية ومثيرة للغرائز. قالوا اذا ما رفعناها راح يصادروها."

وتنفي حكومة حماس المقالة اي محاولة لفرض الشريعة الاسلامية لكن قرارا اتخذه في الاونة الاخيرة قاضي القضاة المعين من قبل حماس يأمر المحاميات بتغطية الرأس أحيا المخاوف.

وقال احمد ابو خالد ان ثلاثة شبان استوقفوه مؤخرا عندما ذهب ليسبح دون ارتداء قميص (تي. شيرت) على أحد شواطيء غزة وقالوا له ان هذا خطأ وحثوه على الالتزام بالقيم الاسلامية والاخلاقية.وقال ابو خالد "كانوا مهذبين لكنني لم أعتقد أنني أستطيع المجادلة."

وقال طالب ابو شعر وزير الاوقاف بحكومة غزة المقالة لرويترز ان الحملة التي تقوم بها وزارته "ثقافية وتعليمية لنشر الوعي العام ونحن لا نجبر أحدا على فعل شيء."

وأضاف "الحملة تنسجم مع ديننا الحنيف ومع عادات وتقاليد شعبنا. نحن نرى أن هناك مخاطر تتهدد الشباب وبعض المسلكيات التي تضر بالشعب ودورنا ترشيدي وتعبوي ولتنبيه ابناء شعبنا."

ومضى يقول "بعض الناس يضخمون الحملة بهدف توجيه الاتهامات للحكومة واثارة مخاوف الناس. نحن لا نكره الناس على فعل ما لا يحبون."

هل تمثّل القاعدة فرصة لحماس كما تمثّل تحدياً لها؟

في (شارع السلام) يصعب تحديد أين يبدأ جرح حرب ما وأين ينتهي آخر؟.ولكن ربما منحت المعركة التي وقعت هذا الاسبوع في هذا الزقاق الترابي في قطاع غزة بريق فرصة لتخفيف الصراع على الرغم من أن مجرد النظر فيما وراء الدلائل يكفي لاكتشاف أن هذه المعركة أضفت المزيد من الكراهية على الصراع المتشابك بطبيعته.

وتقف حطام المنازل وجدران المسجد التي اخترقتها الطلقات في نهاية شارع السلام في مدينة رفح الحدودية أثرا شاهدا على اشتباكات الاحد الدامية بين قوات حماس التي تسيطر على القطاع وجماعة اسلامية منشقة على صلة بتنظيم القاعدة.

بينما تشير الاكوام الخرسانية المتطابقة على مقربة من المكان الى آثار الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة في يناير كانون الثاني والذي كان موجها جزئيا الى الانفاق الواصلة بين مصر وقطاع غزة تحديا للحصار الاسرائيلي المفروض على القطاع. وهناك آثار ايضا لقتال عام 2007 عندما انقلبت حركة حماس على حركة فتح.

ويرى الباحث عن نهاية لإراقة الدماء الكثير من السلبيات في المعركة التي اندلعت يومي الجمعة والسبت في شارع السلام حيث قتل 28 شخصا. بحسب رويترز.

ويتفق المحللون على أن هذا الحدث وضع التحديات التي تواجهها حماس من الجماعات المتشددة التي تستسيغ السياسة التي يتبناها تنظيم القاعدة أكثر من سياسة الاولويات الوطنية الفلسطينية التي تتبناها حماس في مركز الضوء على الرغم من أنه ليس الحدث الاول من نوعه ولن يكون الاخير.

وقال اري هوفديناك الذي كتب ورقة بحث في هذا الموضوع هذا العام لمعهد أوسلو الدولي للسلام "هذا تطور كبير في العلاقة بين حماس وهذه الجماعات الجهادية...وأظهرت حماس أنها مستعدة لاتخاذ إجراءات صارمة."

وأظهرت المعركة بعض القوة في جانب جماعة جند أنصار الله التي جذبت الانظار بغارة شنتها في يونيو حزيران على ظهور الخيل على نقطة حدودية اسرائيلية.

ولم يكن من الصعب أن تحصل الجماعة وقائدها طبيب الاطفال والداعية عبد اللطيف موسى على بعض التعاطف في قطاع غزة الذي يسكنه 1.5 مليون شخص.

وقال رجل يدعى بسام واصفا ليلة الرعب التي عاشتها رفح "ان جماعة جند أنصار الله من رجال الله وان حركة حماس حركة اسلامية.. كيف يقتل المسلمون بعضهم البعض."

وقال علاء اللوقا أحد سكان شارع السلام ان الجميع يمكن أن يجلسوا معا ويحلوا خلافاتهم ثم ينتفضوا ضد الاسرائيليين بينما وصفت سيدة من رفح موسى بأنه جار نقي ورائع.

ووصف أقارب وجيران الطبيب ذي اللحية التي خطها الشيب والذي اتخذ لنفسه اسمها حركيا هو أبو النور المقدسي بأنه كان يتبنى منهجا سلميا للاسلام الاصولي يسمى كثيرا بالسلفية. وقال أصدقاؤه انه انبرى لقيادة جهاديين شبان أكثر عنفا بعد يأسهم من اضطهاد حماس.

الاصلاحات المؤقتة غير كافية لغزّة المدمرة

من جهة ثانية بدأت (حماس) في اصلاح الطرق في قطاع غزة باستخدام الاسمنت والقطران المهرب عبر شبكة أنفاق تحت الحدود مع مصر بعدما أصيبت بخيبة أمل بسبب غياب المساعدات الخارجية.

لكن سكانا بالقطاع ومسؤولين دوليين قالوا ان الاعمال ما هي الا قطرة في بحر بالمقارنة مع حالة البنية التحتية في القطاع المحاصر وحجم الاضرار الناجمة عن الهجوم العسكري الاسرائيلي الذي استمر ثلاثة أسابيع في الشتاء الماضي. بحسب رويترز.

وأكمل عمال في بلدة خان يونس في جنوب القطاع الاسبوع الماضي تعبيد طريق كان قد انهار العام الماضي بسبب فيضان في الشتاء وهو ما كان يجبر بعض السكان على سلوك طرق التفافية طويلة.

وقال المقاول جهاد الفرا انه حصل على الزفت من مصر من أجل تحويله الى الاسفلت من اجل اصلاح الطريق وهي عملية طويلة تتكلف ضعف السعر الطبيعي.

وغير مسموح بدخول الزفت الى قطاع غزة من خلال المعابر التي تديرها اسرائيل منذ سيطرت الحركة على القطاع في عام 2007 بعدما هزمت فقوات موالية لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس.

وتمنع اسرائيل دخول واردات تشتبه في أنها ستستخدم لاغراض عسكرية مثل صنع أسلحة أو بناء دفاعات.

وقال الفرا "نحاول الاحتيال على الحصار.المواد غير كافية لكن القليل أفضل من لا شيء."

وتعهدت دول مانحة في فبراير شباط بأكثر من أربعة مليارات دولار لاعادة اعمار قطاع غزة. غير أن اعادة الاعمار بشكل منظم ما زالت معلقة فيما يرجع جزئيا الى الحصار الاسرائيلي. وتطالب اسرائيل حماس باطلاق سراح الجندي جلعاد شليط الذي يحتجزه نشطاء منذ نحو ثلاث سنوات قبل تقديم أي تنازلات.

وتريد الدول المانحة أيضا التعامل مع سلطة فلسطينية موحدة وهو أمر غير قائم حاليا. وحركتا حماس وفتح منقسمتان بشدة وهذا سبب اخر للتأخير.

وفي مدينة غزة يقوم عمال برصف جزء من طريق رئيسي متضرر منذ أربع سنوات مستخدمين الاسمنت الذي جلبته الحكومة التي تديرها حماس عبر انفاق التهريب.

عربات الحمير تهتم بنظافة غزّة بعد توقّف الشاحنات

وفي سياق التصدي لتداعيات البنى التحتية في قطاع غزة، باتت العربات التي تجرّها الحمير الملاذ الاخير لآلاف الفلسطينيين العاطلين عن العمل في مدينة غزة حيث توظفهم البلدية لسد عجزها عن جمع القمامة بعد ان توقفت سبعون بالمئة من شاحناتها المخصصة لهذه المهمة بسبب الحصار الاسرائيلي على القطاع.

وقال ابراهيم بدوي (24 عاما) الذي كان يجمع القمامة من سوق الشيخ رضوان للخضار بيديه العاريتين المتسختين، لوكالة فرانس برس "لولا هذا الحمار لما حصلت على عمل في بلدية غزة".

واضاف هذا الشاب وهو يرفع بعض بقايا السمك الملقى على الارض وينتشر عليه الذباب ان "هذا الحمار يؤمن الطعام لافراد عائلتي الخمسة منذ ثلاثة شهور حين بدأت العمل في البلدية".

واكد المهندس عبد الرحيم ابو القمبز مدير ادارة الصحة والبيئة في بلدية غزة "في السابق كان يتم جمع القمامة بواسطة اليات متخصصة وشاحنات يبلغ عددها 60 شاحنة في بلدية مدينة غزة. الا ان الحصار وما ترتب عنه من الانقطاع التام لقطع الغيار ادى الى نقص عدد الشاحنات الى اقل من عشرين".

وتفرض اسرائيل حصارا محكما على قطاع غزة منذ ان سيطرت عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) في حزيران/يونيو 2007.

واكد ابو القمبز "لذلك اضطرت البلدية للبحث عن وسيلة اخرى لجمع القمامة (...) وتم تشغيل 300 عامل مع عربات الحمير الخاصة بهم براتب 300 دولار للعامل".

وتوفر البلدية هذه الوظائف بصفة دورية بعقود قصيرة مدتها ثلاثة اشهر، تمدد احيانا ما يتيح الفرصة للمئات من العاطلين واصحاب العربات المشدودة للحصول على فرصة عمل.

ودفعت هذه الشروط محمد ابو نحل (28 عاما) الذي كان يعمل في الخياطة قبل الحصار الاسرائيلي الى ان يقوم "ببيع ذهب زوجتي لاشتري حمارا ب500 دينار (700 دولار) حتى استطيع الحصول على عمل في البلدية".

لكن هذا الشاب النحيل الذي يعيل ثلاثة ابناء ليس راضيا عن عمله. ويقول"اعمل في البلدية منذ ثمانية اشهر". ويتابع انه اصيب بآلام الظهر، موضحا "نحن نحمل حجارة ثقيلة من مخلفات الحرب الى جانب القمامة لكن ليس باليد حيلة".

واوضح ابو القمبز ان "مدينة غزة تنتج يوميا حوالى 600 طن من القمامة"، مشيرا الى ان هذه العربات "تقوم بلم اكثر من 400 طن منها يوميا وبتجميعها في مناطق محددة قبل ان تنقلها الشاحنات الى المكان المخصص للردم".

وقال ابراهيم بدوي الذي كان يعمل في البناء قبل ان تحكم اسرائيل حصارها لقطاع غزة منذ ان سيطرت عليه حركة حماس "اتقاضى من البلدية 300 دولار اصرف منها مئة دولار على الحمار ويتبقى لي ولعائلتي مئتا دولار نجدها افضل من لا شئ".

ويقاطعه زميله سميح شنن (40 عاما) وهو يلوح بيده ليطرد عنه العشرات من الذباب والحشرات المنتشرة في الجو، قائلا ان "عشرة اشخاص يعيشون من عمل هذا الحمار (...) حاولت ان اجد عملا لأعيل افراد عائلتي العشرة لكني لم اجد". ويضيف بحسرة وهو يفرغ القمامة التي جمعها في عربته "كنت اعمل في اسرائيل واحصل على دخل ممتاز لكن اسرائيل اغلقت الطرق واغلقت معها رزقنا".

وتشترط بلدية غزة على العامل ان يستوفي شرطين للحصول على العمل اولهما ان يمتلك عربة تجرها دابة والا يقل عمره عن 18 عاما.واكد بدوي ان "البلدية تعاين الحمار قبل ان تعاين العامل".

شاطئ غزة يتحول إلى بُركة من مياه المجاري

وفي نفس السياق حذرت تقارير دولية ومحلية من ارتفاع معدلات تلوث مياه البحر على طول ساحل قطاع غزة، بعدما عجزت سلطة المياه في القطاع الفلسطيني، عن استيراد أجزاء ضرورية لصيانة وإصلاح  أنابيب شبكة الصرف الصحي، نتيجة للحصار الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وقامت منظمة الصحة العالمية بأخذ نحو 71 عينة مياه من 25 موقعاً في البحر المتوسط على طول شاطئ غزة، خلال الفترة من أبريل/ نيسان إلى يونيو/ حزيران الماضيين، أثبتت نتائجها تلوث المياه ببكتريا "الغائط"، خاصةً من نوع بكتريا "القولونيات" و"المكورات العقدية"، وفقاً لما ذكرت المنظمة العالمية في يوليو/ تموز الماضي. بحسب فرانس برس.

وعلى ضوء تلك النتائج، فق دعت المنظمة المواطنين إلى السباحة على بعد ما لا يقل عن ألفي متر عن مصبات مياه الصرف الصحي بالقطاع، مشيرةً إلى أن استمرار حالة التلوث قد تؤدي إلى العديد من الأمراض المعدية، مثل  التهاب الكبد، والتهاب السحايا، مع بقاء احتمال انتشار للكوليرا بغزة في حدوده الدنيا.

وكان تقرير صادر عن مبادرة النظافة والصرف الصحي والنظافة WASH، وهي مجموعة من المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المعنية بأزمة  المياه في غزة، قد أظهر أن 800 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي الخام أو المعالجة جزئياً، يتم صبها في البحر بالقطاع.

وأطلقت منظمة الصحة العالمية والسلطات في غزة حملة توعية في مايو/ أيار الماضي، حيث تم تحذير السباحين وصيادي السمك من التلوث والتسريبات الواقعة بأنابيب الصرف الصحي.

ووردت العديد من التقارير الطبية في القطاع عن التهابات بالعيون والجلد وإصابات بفيروسات بالمعدة، ضمن الذاهبين إلى شاطئ غزة، ولكن لم يتم حتى الآن إثبات صلة هذه الإصابات بتسرب مياه الصرف الصحي، وفقا لما أوردته شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين"، التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا."

وأكد تقرير صادر عن مؤسسة "الضمير لحقوق الإنسان" الفلسطينية، في 5 يونيو/ حزيران الماضي، بعنوان "البيئة البرية في قطاع غزة"، والذي ورد فيه "إن تلوث البيئة البحرية يعتبر عامل أساسي من عوامل التلوث البيئي الخطير في قطاع غزة."

كما أشار التقرير إلى أن "البيئة البحرية وقطاع الصيد في قطاع غزة، يعانيان مشاكل متعددة"، مرجعاً ذلك إلى الكثير من العوامل التي أثرت سلباً على البيئة البحرية، في مقدمتها الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، الذي تسيطر عليه "حماس."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/أيلول/2009 - 11/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م