احتمالات إقرار او رفض الإتفاقية العراقية الامريكية: المخاطِر والفرص

الخيارات المتاحة لصنّاع السياسة الأمريكية والعراقية

 

شبكة النبأ: في 17 آب/أغسطس المنصرم، وافقَ مجلس الوزراء العراقي على مشروع قانون يتطلب التصديق على الإتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق- المعروفة أيضاً باسم "اتفاقية وضع القوات" ("سوفا")- في استفتاء وطني يحدث بالتزامن مع الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في 16 كانون الثاني/يناير، 2010. وعندما تنعقد الجمعية الوطنية في 8 أيلول/سبتمبر 2009، سيتطلب إقرار مشروع القانون وجود أغلبية بسيطة بين أعضاء البرلمان العراقي المؤلف من 275 عضواً. وإذا ما تم إجراء عملية الإستفتاء، ورفض العراقيون إقرار الإتفاقية الأمنية، سيتطلب ذلك مغادرة القوات الأمريكية من العراق بحلول 16 كانون الثاني/يناير 2011، بدلاً من التاريخ المقرر في 31 كانون الأول/ديسمبر 2011. ويمكن أن تؤدي عملية الإستفتاء أيضاً إلى تغيير طبيعة الإنتخابات الوطنية المقبلة، بحيث سيتركز الإهتمام على المواقف القومية على حساب العلاقات الأمريكية العراقية، وسيصرف انتباه الناخبين والساسة العراقيين عن العديد من القضايا الخطيرة التي تواجه البلاد.

وحول هذا الموضوع كتبَ مايكل نايتس، زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية المتعلقة بالعراق ودول الخليج، وأحمد علي، الباحث المشارك في المعهد، مقالاً جاء فيه:

توضّح المادة الثانية من الفقرة الأولى المتعلقة بتنفيذ التشريعات الداعمة لـ "إتفاقية وضع القوات بأنه "سيجري استفتاء شعبي عام على الإتفاقية في موعد لا يتجاوز 30 تموز/يوليو، 2009". وتؤكد المادة الثالثة بأن "الحكومة العراقية ستلتزم بنتائج عملية الإستفتاء". وقد أُدرجت هذه المواد من قبل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لإسترضاء الحركات السياسية التي تمثل العرب السنة وأحزاب سياسية أخرى، كانت في ذلك الوقت من أشد [القوى] المعارضة للوجود العسكري الأمريكي في العراق.

لقد انقضت المهلة المحددة [بدون إجراء الإستفتاء] في 30 تموز/يوليو المنصرم لسببين: [أولاً] لم يتم توفير التمويل اللازم لإجراء عملية الإستفتاء إلى [أن قرر] مجلس الوزراء العراقي في 9 حزيران/يونيو تخصيص مبلغ 99 مليون دولار، و [ثانياً] بسبب التزام "المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات" [في العراق] التزاماً تاماً خلال النصف الأول من عام 2009، [على تكريس جهدها الأكير] وبالدرجة الأولى على انتخابات المحافظات التي جرت في كانون الثاني/يناير الماضي في أربعة عشر محافظة من محافظات العراق، [وتركيزها] في وقت لاحق على الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية لحكومة إقليم كردستان التي جرت في شهر تموز/يوليو المنصرم. ويمكن القول، بأن هناك فئات [سياسية] داخل مجلس الوزراء (بمن فيها الكتلة الكردية [وكذلك] المالكي) التي كانت قد رحبت بهذه القيود العملية، نظراً لأنها لم تقم بدعم أي تعجيل لخفض عدد القوات الأمريكية. ونتيجة ذلك، لم يتم تحديد موعد لإجراء عملية الإستفتاء حتى الإعلان عن ذلك في 17 آب/أغسطس الحالي.

العلّة والمعلول

ويبيِّن الباحثان بالقول، يبدو أن المالكي قد بادرَ [بتقديم الإقتراح المتعلق] بإدراج عملية الإستفتاء مع [موعد إجراء] الإنتخابات في 16 كانون الثاني/يناير عام 2010. وقد أفاد أهم مؤيدي الإستفتاء -- كتلة جبهة التوافق السنية وأنصار مقتدى الصدر في البرلمان -- بأنهم قد "فوجؤا مفاجأة سارة" من جراء هذه التطورات، على حد تعبير أحد نواب البرلمان من القائمة الصدرية.

وتوجد مبررات عملية لإجراء الإنتخابات وعملية الإستفتاء في كانون الثاني/يناير عام 2010. لقد تم الآن الإيفاء بجميع الشروط المطلوبة لإجراء الإستفتاء، بما في ذلك تفرُّغ "المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات" [لهذه المهمة] ووجود تمويل كافي لتثقيف الناخبين [بكل ما يتعلق] بالقضايا الرئيسية. وهناك مزايا مالية وتنظيمية واضحة لإجراء عملية الإستفتاء في الوقت نفسه، نظراً لأنه بالإمكان إضافة [بطاقات التصويت المخصصة لها] إلى صناديق الإقتراع في الإنتخابات الوطنية دون [أن يترتب عن ذلك] تقريباً تكلفة أو جهد إضافيين.

ومع ذلك، فإن دمج الانتخابات الوطنية وعملية الإستفتاء [في وقت واحد]، قد يعطي إمكانية إقامة ربط سياسي بين الموضوعين -- وهو شيء من المؤكد أنه كان واضحاً لرئيس الوزراء والفئات داخل حكومته. وتختلف التفسيرات على نطاق واسع حول الإستعداد الجديد الذي أبداه المالكي لإجراء عملية الإستفتاء. فمن الممكن أن يكون المالكي قد قام [بهذه الخطوة] لمجرد التودد إلى الجماعات السنية والتيار الصدري والحكومة الايرانية للحصول على دعمهم، أو من الممكن أن يكون رئيس الوزراء قد قام باستغلال الطبيعة الخلافية للإستفتاء لتحطيم تكتلات قوى [سياسية متماسكة] (الأكراد والمجلس الإسلامي الأعلى في العراق) التي قد تعارض إعادة انتخاب المالكي. وربما يكون رئيس الوزراء قد قام [بهذه الخطوة] على الأرجح، لمجرد وضع 'حجر الأساس ' [للقيام] بحملة سياسية تهيمن عليها الأفكار القومية لكي يزيد إلى أقصى حد ممكن من فرص إعادة انتخابه على رأس تحالف يتكون من عدة طوائف وأعراق يتم تشكيله من برلمان مجزأ إلى حد كبير.

الآثار المحتمَلة على الوجود العسكري الأمريكي

وتابع الكاتبان، مهما تكن المبررات المحددة، من الواضح أن المالكي وجميع الفئات السياسية الأخرى تقريباً [هم في أوضاع] يتمكنون بموجبها من تحقيق مكاسب قصيرة الأجل من المواقف القومية، على حساب العلاقات الأمريكية العراقية واستمرار المهمة العسكرية الأمريكية في العراق. إن احتمال قيام مناقشة جادة حول القضايا الهامة مثل الفساد، وتقديم الخدمات، والأداء الاقتصادي، والإنجازات الأمنية هي أيضاً معرضة للخطر. والآن بعد أن وضع المالكي على الطاولة فكرة إجراء الإنتخابات وعملية الإستفتاء بصورة مشتركة، فإن حشد [الجهود] ضد إجراء عملية الإستفتاء في كانون الثاني/يناير 2010، قد يكون مكلفاً من الناحية السياسية بالنسبة لفئات منفردة.

وبالنظر إلى الزيادة الواضحة في العدد الكبير من ضحايا التفجيرات منذ 30 حزيران/يونيو 2009 - [موعد] سحب القوات الأمريكية من المدن العراقية - قد يدعم المواطنون العراقيون "إتفاقية وضع القوات". وإذا ما تم إقرارها في إقتراع شعبي، [فعندئذ] يمكن تعزيز الإتفاقية الأمنية إلى حد كبير خلال الفترة المتبقية 'من عمرها '، والسماح للمزيد من المرونة [لكي تستطيع] قوات الأمن العراقية والأمريكية العمل سوية.

وإذا ما رفض الجمهور العراقي هذه الإتفاقية -- وهو احتمال واضح إذا ما تم تسييس المشكلة بصورة متعمدة لتحقيق مكاسب انتخابية – سيتطلب عندئذ من القوات الأمريكية مغادرة العراق في غضون سنة واحدة، وفقاً للمادة 30 من "إتفاقية وضع القوات". ومن شأن ذلك أن يخفض في واقع الأمر، أحد عشر شهراً من المدة القصوى للوجود العسكري الأمريكي المتوخى بموجب الإتفاقية الحالية، بحيث تغادر القوات الأمريكية العراق بحلول 16 كانون الثاني/يناير 2011، بدلاً من 31 كانون الأول/ديسمبر 2011. وبما أنه من المرجح بالفعل أن ينخفض عدد القوات الأمريكية إلى "قوة متبقية" قوامها 35,000–50,000 جندي بحلول شهر آب/أغسطس 2010، من شأن موعد الإنسحاب المعجَّل أن يؤثر بصورة أساسية على تدريب، وتوجيه، وتجهيز قوات الأمن العراقية.

وبإمكان [تحديد] موعد زمني معجَّل، أن يقلل أيضاً من المرونة العسكرية الأمريكية في الوقت الذي تواجه فيه العراق مخاطر استراتيجية رئيسية خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة. ومن بين هذه المخاطر الرئيسية، الاشتباكات المحلية بين القوات الاتحادية وقوات الأمن الكردية، وهو تحد يعتبره قائد "القوات متعددة الجنسيات في العراق"، الجنرال راي أوديرنو، خطيراً بما يكفي لتبرير "زيادة مصغرة" على المدى القريب، لعدد القوات القتالية الأمريكية في شمال العراق. كما ستكون القوات الأمريكية أقل قدرة على التحوط ضد حالات الطوارئ، بما في ذلك تعثر تشكيل الحكومة [بعد الانتخابات المقبلة] أو حدوث انتكاسات خطيرة للمصالحة السياسية نتيجة إستهدافات طائفية وعرقية مكثفة من قبل تنظيم «القاعدة» في العراق.

إن رفض "إتفاقية وضع القوات" لن يؤثر فقط على القوات المتاحة ولكن يمكن أيضاً أن يزيد من تدهور حرية عمل القوات العسكرية الأمريكية. وقد أظهر سحب القوات القتالية الأمريكية من المدن العراقية في حزيران/يونيو 2009، بأن النص [الحذافيري] للقانون يمكن أن يكون أقل أهمية من تطلعات المواطنين العراقيين وأفراد الأمن. وقد قام السكان المحليين في جميع أنحاء العراق، بتفسير الموعد النهائي في 30 حزيران/يونيو، بصرامة أكثر مما كان مقصود به سواء من قبل الحكومة العراقية أو "القوات متعددة الجنسيات". وعلى الرغم من أن الجهود المكثفة التي بذلتها الحكومة العراقية قد قلصت من حالات سوء الفهم واستعادت بعضاً من حرية التنقل إلى القوات العسكرية الأمريكية، فإن مثل هذا الدعم العراقي قد لا يكون متوفراً في المرة القادمة. [فعلى سبيل المثال]، استغرق الأمر خمسة أشهر للموافقة على تعيين رئيس وزراء [وتشكيل حكومة] عراقية بعد الانتخابات التي جرت في 31 كانون الاول/ديسمبر عام 2005، وقد يستغرق هذه الفترة مرة أخرى [بعد الأنتخابات التي ستجري] في أوائل عام 2010. إن رفض "إتفاقية وضع القوات" سيؤدي، في أغلب الاحتمالات، إلى تقليص حرية تنقل وعمل القوات الأمريكية إلى حد كبير، في عام 2010.

الخيارات المتاحة لصنّاع السياسة الأمريكية والعراقية

وتابع الكاتبان، من المرجح أن يصادق أعضاء البرلمان العراقي على اقتراح مجلس الوزراء لإجراء عملية الإستفتاء في كانون الثاني/يناير 2010. إن هذا الإستفتاء هو خطوة إيجابية لأنه يظهر للشعب العراقي بأن الحكومة قد وفت بوعدها لوضع "إتفاقية وضع القوات" في تصويت [عام]. وبالرغم من أن الربط بين موعد إجراء الإنتخابات الوطنية وعملية الإستفتاء هو الآن [عملية] متشابكة [بصورة] لا يمكن تجنبها، بإمكان اتخاذ خطوات للحد من الآثار السلبية المحتملة على العلاقات الأمريكية العراقية و [سير] العمليات العسكرية الأمريكية في العراق.

أولاً، ينبغي أن يقوم كبار صانعي القرار الذين يمثلون الحكومة الأمريكية في العراق بمناشدة الزعماء السياسيين الرئيسيين في العراق مباشرة، بعدم اللجوء إلى مزيد من تسييس عملية الإستفتاء على "إتفاقية وضع القوات"، في خطاباتهم أثناء فترة الحملة الانتخابية. ومن شأن ذلك أن يمثل بادرة لحسن النية وحسن الضيافة تجاه الولايات المتحدة، الحليفة الرئيسية للعراق.

ثانياً، إذا ما أسفرت نتيجة الإستفتاء عن رفض "إتفاقية وضع القوات"، ينبغي تشجيع الحكومة العراقية الجديدة [التي ستشكل] في عام 2010 على العمل في مرحلة مبكرة لتدعم بصورة علنية، حرية حركة وعمل القوات العسكرية الأمريكية في البلاد حتى 16 كانون الثاني/يناير 2011، ويتعين عليها أن تشرح بشكل واضح بأن نظام الإتفاق القائم يبقى نافذ المفعول حتى ذلك التاريخ إلا إذا حلت محله ترتيبات جديدة.

وأخيراً، ينبغي أن تكون كلا الحكومتين العراقية والأمريكية على استعداد لوضع مسودة جديدة لمشروع الإتفاق الأمني من أجل التصديق المحتمل عليه من قبل برلمان جديد في عام 2010. وفي الوقت الذي تنتهي فيه مدة الإتفاق الحالي في 4 كانون الأول/ديسمبر، 2011، فعلى أية حال، ستكون هناك حاجة إلى قيام إتفاق جديد في عام 2012 لكي يتضمن مستقبل الدعم العسكري الأمريكي المتعلق بتدريب وتجهيز قوات الأمن العراقية.

ويختتم الباحثان مقالهما بنتيجة مفادها: إن الإسراع في وضع اتفاقية أمنية جديدة بالتعاون مع البرلمان الجديد يمكن أن يوفّر وسيلة [للحصول على] موافقة عراقية مُرضية وعلى إعادة تركيز الوجود العسكري الأمريكي على مجموعة فرعية من المجالات والمهمات الرئيسية التي تنطوي على تدريب قوات الأمن، وعلى أنشطة محددة لإنفاذ السلام على طول الحدود الفيدرالية-الكردية المتنازع عليها. وبما أن العديد من واضعي الإتفاق الأمني الأصلي لم يعد يعملون على السياسة المتعلقة بالعراق، ينبغي جمع الدروس المستفادة من قبل أولئك [المختصين] في مرحلة مبكرة، لكي يتم إعداد الفرق الحالية في وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين من أجل القيام بعملية صياغة جديدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/أيلول/2009 - 11/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م