شبكة النبأ: من يدقق النظر في مظهر
الشارع العراقي والموجودات التي يتشكل منها، سوف يلاحظ بسهولة علامات
الفوضى والعشوائية التي ترافق صورة الشارع إبتداء بالمحال التي تتوزع
جانبي الشارع وليس انتهاء بالاستخدامات المغلوطة للرصيف وما شابه.
وفي بحثنا عن الفوارق التي تفصل الشعوب المتقدمة عن سواها سيقفز
النظام الي الواجهة ويصبح على رأس قائمة الدلائل التي تُنسِب هذا الشعب
او ذاك الي خانة التقدم او التخلف وستكون العشوائية في السلوك وفي
الحراك الحياتي العام مؤشرا دامغا على تخلف الشعوب مقابل تقدمها في
حالة سيادة النظام في السلوك الجمعي، لكن هل سيكون الاعتدال مفيدا في
هذا الجانب وشريعة (خير الامور اوسطها) هل تكون هي الأنفع للشعوب من
غيرها كسلوك جمعي يطبع الحراك اليومي لها؟.
إن هذا الامر كما يبدو مناط بالشعب نفسه وطبيعة حياته وسلوكه العام
والخاص، ولعل القول الباهر الذي يقترب من حافة القانون والذي اطلقه
الكاتب الفرنسي بول فاليري قبل عشرات السنين والقائل (خطران يتهددان
العالم هما الفوضي والنظام)، لعل هذا القول يضع العالم أجمع في حيرة من
أمره، لكننا سنجد صحة الاقوال السالفة متحققة في حياة الشعوب في جوانب
عديدة من مجالات الحياة وسنجد ايضا ان قول فاليري يدعم الاعتدال ويفضل
ان نتوسط ونعتدل في تعاملنا مع مجريات الواقع بجميع صوره واشكاله،
فالفوضي اذا ما شاعت ستقتل كل شيء وستحيل الواقع الي شريعة الغاب وهذا
امر لا يقبل الاحتمال، كما ان التزمت القطعي واللجوء الي النظام في
التطبيق الحرفي لشؤون الناس سيقود الي جعل الحياة (علبة الكترونية)
قابلة للانهيار اللحظوي، وفي تطبيقنا لهذا الكلام علي الواقع العراقي
سنكتشف من دون ادني عناء شيوع الفوضوية في كل اشكال الحياة بدءاً
بالاماكن العامـة وليس انتهاء بالمؤسسات التي تنتمي الي الدولة.
وفي جولة سريعة في أيٍ من مدن العراق (شوارعها/ أسواقها/ ساحاتها
العامة/ أماكن كب القمامة/ أحياؤها السكنية/ وغيرها الكثير من هذه
المسميات) ستقود الرائي الى حكم لا يقبل الجدل بأن الفوضى هي التي تحكم
مجريات الامور في هذه المدن، واذا كنا لا نرغب ولن نطالب بنظام حدّي
يهدد الحياة، فإننا من باب آخر لا نقبل أن تترك حياة الناس علي
عواهنها، ويُترَك الحبل على الغارب كما يقال، اننا نرى في الاعتدال
مطلبا جمعيا وان تطبيق مبدأ خير الامور اوسطها سيجعل حياتنا في منأى عن
التطرف الذي حذرنا منه بول فاليري في قانونه الفريد، ولعلنا لن نصل
اهدافنا بضربة سحرية واحدة، لكن الجميع يتفقون على ان البدايات الصحيحة
هي التي تحدد ماهية النتائج او النهايات، ان على من يهمه الامر ان يعي
خطورة الظرف العراقي الراهن وأن يعرف ان الخطوة العملية الصحيحة تنجب
خطوة مثيلة لها في سلسلة متواصلة من الخُطي الصحيحة، وان مظاهر الفوضي
ليست في صالح احد من العراقيين، أي اننا يجب أن نعمل بقوة وصدق
مترابطين من اجل مسح الفوضى تماما من مشهد الحياة العراقية وبعكسه
وبغياب النظام ايــــضا، حتما ستؤول الامور الى ما لا تحمد عقباه. |