حين يتحول فشل الانسان الى درس مساعد على النجاح

استكشاف القدرات الكامنة في الذات وعدم الرضوخ للإحباط

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كلنا أو معظمنا راقب الطفل وهو يحاول الانتقال من مرحلة الحبو الى مرحل المسير، ولاحظنا عدد السقطات التي يتعرض لها في محاولاته التي لا تتوقف كي يتمكن من السير على قدميه، ولاحظنا حارت البكاء حين يتعرض جسد الطفل الرقيق الى الرضّ او الكسر أحيانا بسبب محاولاته للانتقال من مرحلة السير على اربع الى مرحلة السير على اثنتين.

هكذا هو الانسان دائما، ولو لم يكن كذلك لانتهت الحياة منذ قرون او آلاف الاعوام، فسمة الاصرار على النجاح هي التي جعلت الانسان من الكائنات التي لا تستسلم لليأس او الفشل في محاولة او اثنتين او مئة، بل جعلته من الكائنات التي لا تلتقي مع اليأس مطلقا والشاهد والبراهين ما وصلت إليه الحياة المعاصرة من انجازات كانت محض خيال لا أكثر، ولذلك غالبا ما حوّل الانسان فشله الى درس كبير يقوده الى النجاح الاكيد حتى لو تكررت المحاولات بلا انقطاع.

لذا فإننا نقر بأن الحياة نجاح وفشل، ومَن يفشل مرّة في حياته، سواء في دراسته وتعلّمه، أو في عمله التجاري، أو المهني، أو الاجتماعي، أو السياسي، أو غير ذلك، ليس من الصحيح أن يستولي على نفسه اليأس والشعور بالإحباط .. وعلى الانسان أن يجعل من الفشل درساً يستفيد منه، ويُشخِّص الخطأ فلا يُكرِّره مرّة أخرى، إن كان بسبب الخطأ ولا يُكرِّر خطأه..وبالجدِّ والمثابرة والصّبر يستطيع الانسان أن يتغلّب على الفشل في الحياة، سواء في الدراسة أو العمل أو العلاقات الاجتماعية أو غيرها.

لقد شهد التاريخ لبعض العظماء من العلماء والنوابغ والقادة بأ نّهم مرّوا بمرحلة فشل وتخلّف، وعاشوا ظروفاً صعبة في حياتهم، ولكنّهم استطاعوا أن يتغلّبوا على كلّ ذلك، ويكونوا أناساً متفوِّقين .

ويُحدِّثنا التأريخ عن الكـثير من هؤلاء النوابغ والموهـوبين، أنّهم كانوا أناساً متخلِّفين علميّاً وفاشلين في حياتهم الدراسية، ولكنّهم بالصّبر والجد والمثابرة، تغلّبوا على الفشل، وأصبحوا في مقدِّمة النوابغ والعلماء .

كان آينشتاين عالِم الرياضيات والفيزياء الشهير، وهو من أعاظم علماء هذا العصر، طالباً متخلِّفاً في إدراكه، فاشلاً في دراسته .. ثمّ أصبح من أشهر العلماء واكتشف نظريّته النسبية التي أوجدت تحولاً كبيراً في علم الفيزياء، لقد استطاع هذا الطالب المتخلِّف في ذكائه، الفاشل في دراسته، أن يكون من أعاظم العلماء وأشهرهم ..

ان قدرة انشتاين في صنع هذا التحول الكبير تكمن لدى الجميع، غير ان الاختلاف يكمن في ضعف الارادة وفي الاستسلام للفشل في الاشواط الاولى من المواجهة، ذلك لان تحقيق الاهداف البشرية على المستويين الفردي والجمعي يرتبط بالقدرة على التعامل مع الفشل ومصادره وانواعه، والقدرة على درء خطر اليأس الذي يشكل عقبة كأداء امام محاولات الانسان في النجاح والرقي والتطور المتواصل، ولهذا على الانسان، شابا او كهلا او حتى لو كان شيخا، أي في الاطوار الاخيرة من حياته، عليه ان يتعامل بحنكة مع وقائع الفشل وأن يستنفذ قدراته الكبيرة والمدهشة في تحويل الفشل الى درس ماثل للنجاح، وهو قادر على ذلك لان مقومات ذلك مخبوءة في ذاته وفي قدراته الكامنة في اعماقه على المستويين الروحي والجسدي ايضا، ومن الأمثلة على الفشل في الدراسة والتغلّب عليه، هو عالِم النبات السويدي (شارل رولينيه) الذي عاش في بداية عام (1700 م).

لقد كان هذا العالِم في بداية دراسته طالباً فاشلاً ضعيف الذّكاء جدّاً، ممّا جعل معلِّميه ينصحون أبويه بإخراجه من المدرسة، وتعليمه حرفة يدويّة .. غير أنّ أبويه الفقيرين الّذَين لم يستطيعا توفير نفقة دراسته إلّا بمساعدة صديق للعائلة، أصرّا على أن يواصل ابنهما الفاشل دراسته، فأرسلاه لدراسة الطب، فوقع في يده بحث في علم النبات، وهو في كلِّيّة الطب، لأحد العلماء ، فقرأه فأثّر في نفسه هذا البحث; لأنّه  كان يحبّ النبات في طفولته، فتفتّح عقله وذكاؤه، فاتّجه لدراسة النبات بالإضافة إلى دراسة علم الطب، فحصل على شهادة الدكتوراه في علم الطب، كما أصبح عالِماً شهيراً في علم النبات، واكتشف نظريّات علميّة عديدة في علم النبات.

ولعل المشكلة الكبرى التي تسهم في زيادة حجم الفشل وكبح المواهب وتذويبها ثم انطفائها كليا هو حالة الفقر التي تعترض حياة الانسان الموهوب، ومع ان الانسان يثابر في البحث عن نجاحات متواصلة في مجالات موهبته إلا أن الفقر سيكون عائقا وحجر عثرة في طريقه لتحقيق مشاريعه واهدافه العملية او الفكرية، ولذلك هناك  كثير من الناس وهبه الله سبحانه قدرات ومواهب عقليّة أو فنيّة أو قياديّة، فقتلها الفقر والحاجة، إذ لم يتمكّن أولئك الموهوبون من مواصلة دراساتهم أو تنمية مواهبهم، أو احتلال موقعهم بسبب الفقر والحاجة المادية ..

غير أنّ الكثير ممّن كانوا فقراء وأيتاماً استطاعوا أن يتغلّبوا على الفقر والحاجة ، ويكونوا عظماء خالدين في التاريخ، فأصبح منهم العلماء والنوابغ، والقادة العسكريّون والسياسيّون  والكتّاب والمفكِّرون والفنّانون، أو أصبحوا من رجال المال والأعمال المرموقين بالجدِّ والعمل المتواصل وقوّة الإرادة والتصميم على السّير ..لذا فإنّ الانسان هو الذي يصنع الحياة، ويتغلّب على المشاكل والعقبات بإرادته التي ينبغي أن لا تستسلم لليأس والفشل في أي حال من الاحوال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/آب/2009 - 6/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م