ملف الطاقة البديلة: المشروع الأوربي المعجِزة ونوايا الاستثمار الصيني

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي بدأت فيه خطّة بتكلفة 400 مليار يورو لتزويد أوربا بالطاقة الشمسية المتوفرة في منطقة الصحراء الكبرى تكتسب زخماً يرى منتقدون مخاطر كثيرة في مشروع كبير باستخدام تكنولوجيا ناشئة في هذه المنطقة.

وبالتزامن مع خطة اوربا هذه، أخذت الصين تستثمر اموالاً طائلة لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، ولاسيما الطاقة الريحية، بينما يسارع جيل جديد من المستهلكين الصينيين لاقتناص فرصة التمتع بمستوى معيشي افضل تلعب فيه الطاقة دورا محوريا.

وسيكون ديزيرتيك، وهو اسم المبادرة الاوربية، أكثر مشروعات الطاقة الشمسية طموحا في العالم. وستجمع حقول من المرايا في الصحراء أشعة الشمس لغلي المياه لتشغيل محركات من أجل تزويد شبكة خالية من الكربون بالكهرباء تربط بين أوربا والشرق الأوسط وشمال افريقيا.

ويقول مؤيدو هذا المشروع وهم مؤسسات مالية وصناعية أغلبها في المانيا إنه سيجعل أوروبا في مقدمة المعركة ضد التغير المناخي وسيساعد شمال افريقيا والدول الأوروبية على النمو مع الالتزام بالقيود المفروضة على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

ويحذر آخرون من عيوب عديدة بما في ذلك الأوضاع السياسية في دول المغرب العربي والعواصف الرملية في منطقة الصحراء الكبرى والخطر الذي يواجه سكان الصحراء إذا استخدمت مياههم في تنظيف المرايا الشمسية من الغبار.

وهم يقولون إن تكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة التي يقوم عليها مشروع ديزيرتيك تتضمن تكاليف ومخاطر أكبر من المشاريع الأصغر نطاقا التي تعتمد على الخلايا الكهربائية الضوئية التي تولد أغلب احتياجات أوروبا من الطاقة الشمسية في الوقت الحالي.

ومن نقاط الجذب بالنسبة لمؤسسي مشروع ديزيرتيك أن الطاقة التي تتوفر في صحارى العالم في ست ساعات أكبر مما يستهلكه العالم خلال عام بأكمله.

وقال جورج جوف وهو باحث وخبير بشؤون المغرب العربي في جامعة كيمبردرج وليس له علاقة بالمشروع "الصحراء الكبرى تتيح ميزة كبيرة مرغوبة.. القرب من أوروبا وعدم وجود سكان تقريبا وضوء شمس أكثر حدة... إهدار هذه الفرصة سيكون جنونا."

وكان نادي روما وهو مجموعة دولية من الخبراء التي تقترح الحلول للمشكلات العالمية هي التي اقترحت ديزيرتيك الذي أصبح مشروعا صناعيا الشهر الماضي عندما استضافت شركة ميونيخ ري لإعادة التأمين إطلاق هذا المشروع في مقرها بالعاصمة البافارية. 

وقال بيتر هوبه رئيس إدارة أبحاث المخاطر الأرضية في ميونيخ ري "لدينا علاقة خاصة مع التغير المناخي.. إنه يؤثر على أعمالنا الأساسية وهي التأمين ضد الكوارث الطبيعية المتعلقة بالمناخ والتي تعد واحدة من أكبر الخسائر التي علينا تحملها."

وتهدف الكثير من الحكومات الأوروبية إلى خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري 80 في المئة عن مستويات عام 1990 بحلول عام 2050 .

ويقول أنصار ديزيرتيك إنه سيكون أيضا خطوة إيجابية من العالم المتقدم لدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا التي تعاني من أغلب موجات الجفاف والتصحر المتكررة التي يلقى باللوم فيها على ظاهرة ارتفاع حرارة الأرض.

ويقول المسؤولون عن ديزيرتيك إن منطقة الصحراء الكبرى من الممكن أن تولد يوما ما 15  في المئة من احتياجات أوروبا من الكهرباء ولكنهم يتوقعون أن تتقدم الخطة على مراحل صغيرة وإن إتمامها لن يكون قبل عام 2050 .

ويقول أنصار تكنولوجيا الطاقة الشمسية الأقدم مثل الخلايا الكهربائية الضوئية إن التوليد اللامركزي سيكون أكثر شعبية لأن تراجع الأسعار سيجعل البنية الأساسية الضخمة اللازمة للطاقة الشمسية المركزة غير قابلة للاستمرار.

وقال هيرمان شير العضو في البرلمان الألماني ورئيس الرابطة الأوروبية للطاقة المتجددة "طاقة الصحراء الكبرى لشمال أوروبا سراب."وأضاف "من هم وراء المشروع يعلمون هم أنفسهم أن هذا الأمر لن يسفر عن أي نتيجة." ويقود شير الدعوة لسياسة الطاقة المتجددة في ألمانيا والتي تشمل التركيز الشديد على تكنولوجيا الخلايا الكهربائية الضوئية.

ومضى شير يقول إنه يجرى التقليل من شأن التكاليف الباهظة لديزيرتيك بشكل مصطنع مع المبالغة من شأن قدرات المشروع الفنية.

الصين تختار الطاقة المتجددة كاتجاه استراتيجي

وبالتزامن مع تحركات اوربا نحو مصادر الطاقة الشمسية أخذت الصين تستثمر اموالاً طائلة لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، ولاسيما الطاقة الريحية، بينما يسارع جيل جديد من المستهلكين الصينيين لاقتناص فرصة التمتع بمستوى معيشي افضل تلعب فيه الطاقة دورا محوريا.

مراسل بي بي سي في بكين كوينتين سومرفيل زار منطقة منغوليا الداخلية بشمال الصين حيث التقى باسرة نانا البالغة من العمر عشرة اعوام.

تعيش الاسرة في ثلاث خيم يقال للواحدة منها "يرت"، وهي عبارة عن خيمة صغيرة مبطنة منصوبة وسط حقل "هويتينشيل" للطاقة الريحية اكبر حقل من نوعه في منغوليا الداخلية احدى مناطق الصين التي تتمتع بالحكم الذاتي.

ورغم وجودها وسط حقل للطاقة الريحية، تفتقر خيمة نانا للتيار الكهربائي، حيث تضطر الطفلة الصغيرة للاستعانة بالضوء الداخل من خلال ثقب في سقف الخيمة لقضاء واجباتها المدرسية.

اسرة نانا تنتمي للاثنية المنغولية، وتقيم في هذه المنطقة في فصل الصيف فقط حيث تعتاش على بيع الشاي للسائحين الصينيين الذين يأتون الى منغوليا الداخلية للتمتع بجمالها الطبيعي الخلاب ومساحاتها الشاسعة المفتوحة. وتعد الاسرة الشاي للسائحين باستخدام موقد يعمل بالفحم.

تقول جي سيكسا جدة نانا: "نعم، ان الافتقار الى الطاقة الكهربائية امر صعب، ولكننا سنأتي بها في العام المقبل. "وتريد نانا ان تصبح امرأة اعمال ناجحة عندما تكبر، وتقول "اريد تلفزيونا وثلاجة وسيارة وشقة".

وتوشك نانا اذاً أن توسع تأثيرها الكربوني بشكل كبير، ولكنها ليست الوحيدة في الصين التي تحلم بحياة افضل.

فنانا تنتمي الى جيل جديد من ملايين المستهلكين الصينيين الشرهين الذين يقومون باقتناء كميات هائلة من السلع التي تعمل بالطاقة.هذا يعني ان استهلاك الصين من الطاقة سيتضاعف عندما تبلغ نانا الثلاثين من عمرها.

وهذا ليس بالخبر السار بالنسبة لبقية سكان العالم، لأن ثلاثة ارباع هذه الزيادة في استهلاك الطاقة في الصين ستتأتى عن طريق محطات التوليد الملوثة التي تعمل بالفحم.

واصبحت الصين اكثر بلدان العالم تلويثا للبيئة في العام 2007 متجاوزة بذلك الولايات المتحدة. فقد انتج الاقتصاد الصيني الجامح في عام 2007 كمية من الكربون تجاوزت 1,8 مليار طن من استهلاك النفط والفحم، حسب تقديرات مختبر اوك ريج في الولايات المتحدة.

واشارت دراسة نشرت مؤخرا اعدها معهد بحوث الطاقة - وهي مؤسسة امريكية مستقلة للدراسات - الى ان انتاج الصين من غازات الكربون سيتجاوز 3,5 مليار طن بحلول عام 2040 اذا ما استمرت في منح الافضلية للنمو الاقتصادي على حساب البيئة.

الا ان هذه الدراسة وغيرها قد حفزت الحكومة الصينية على المضي قدما في تنفيذ برنامج طموح للطاقة المتجددة.

وكالملايين من اقرانها، تطمح نانا الى تطوير نفسها. ولكن كم سيكلف ذلك كوكبنا؟يمتد حقل الطاقة الريحية الذي يحيط بخيمة نانا على مدى البصر، ولكن اذا نفذت بكين المشاريع التي تخطط لها ستنشأ حقول اكبر منه بكثير.فقد تضاعف انتاج الطاقة الكهربائية من الحقول الريحية في الصين في السنوات القليلة الماضية.

وتعكف الصين حاليا على انشاء ستة حقول ريحية عملاقة ستتمكن كل منها من انتاج اكثر من جيجاوات من الطاقة - اي ما يعادل انتاج 10 الى 16 محطة توليد تعمل بالفحم.

لن يكون ذلك كافيا لتنقية الجو الملوث الذي تعاني منه الصين، ولكنه قد يساعد في خفض مستوى الكربون في المستقبل.

وجاء في تقرير اصدرته لجنة حكومية صينية تتكون من خبراء في علم البيئة ان من شأن اتباع سياسة نشطة لمحاربة التغير المناخي ان تضع حدا لارتفاع نسبة الكربون في الجو بحلول عام 2030.

ويقول جيانج كيجون، وهو احد واضعي التقرير المذكور، إن هذا الهدف سيكون صعب المنال، ولكنه ليس مستحيلا. ولكن ما زال على الصين التخلي عن اعتمادها على الفحم كمصدر للطاقة، او على الاقل التوصل الى سبيل اقل ضررا للبيئة لاستخدام هذا المورد المتوفر والملوث.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 26/آب/2009 - 5/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م