اليمن الذي كان يسمى بالسعيد، وهو منذ عقود من الزمن يعيش الشقاء،
بسبب الفقر والفساد والإرهاب والتوتر والحروب، إذ اندلعت قبل أيام حرب
شرسة في شمال اليمن، بين الجيش وجماعة الحوثيين، وقد استخدم الجيش
اليمني الطائرات والمروحيات والصواريخ والمدفعية عبر قصف عنيف جدا
لمواقع الحوثيين في صعدة وما حولها، سقط خلالها العشرات ما بين قتيل
وجريح.
وتأتي هذه العمليات الحربية الشرسة من قبل الجيش اليمني، بعد إعلان
اللجنة الأمنية العليا في الحكومة بضرب معاقل المتمردين بيد من حديد.
وبعد أيام من مواجهات مسلحة حدثت بين جماعات سلفية من القبائل السنة
والحوثيين الشيعة بالقرب من الحدود السعودية الجنوبية. مما أعطى
للمواجهات المسلحة بعدا اكبر، ينذر باندلاع اقتتال طائفي داخلي يمني
شبيه بالواقع العراقي الذي يقع شمال الأراضي السعودية. وهناك من يرى
بان هذا الهجوم من قبل الحكومة يأتي بضغوط خارجية قوية على الحكومة
اليمنية للقضاء على جماعة الحوثي.
وقبل المواجهات المسلحة وجه الطرفان اتهامات متبادلة فقد وجهت
الحكومة اليمنية اتهامات للحوثيين بإشعال حرب وارتكاب خروقات لاتفاق
وقف الحرب الذي أعلن عنه الرئيس علي عبدالله صالح العام الماضي، فيما
رفض الحوثيون اتهامات الحكومة الساعية لتشويه سمعة الحوثيين عبر ربطهم
بالتخريب والاختطاف والقتل والطائفية، وقد وجه الحوثيون اتهامات
للحكومة بالسعي للحرب من خلال الاعتداء على أتباع وأنصار الحوثي
والمماطلة في إطلاق المعتقلين ودفع تعويضات الحرب للمواطنين وتحريض
القبائل السنية على الحوثيين.
الحوثيون كبقية أهالي صعدة هم يمنيون أصليون شيعة من المذهب الزيدي
المنتشر والمتأصل في المحافظة التاريخية العريقة، والخطأ الفادح ان
الحكومة اليمنية تعاملت مع الأزمة الحوثية بنفس طائفي بربط الحوثيين
اليمنيين بالشيعة في إيران والعراق ولبنان، وانها حركة مدعومة من
الخارج لنشر المذهب الشيعي، وذلك للحصول على دعم من الحلفاء المجاورين
الذين يرفضون التشيع، والخطأ الأكثر خطورة على الوحدة اليمنية ان
الحكومة لجأت إلى قبائل معينة سلفية لتدعمها في مواجهتها مع الحوثيين
في عملية تحريض وإثارة قبلية وطائفية، وقد فشلت الحكومة منذ بداية
الأزمة في عام 2004م لغاية اليوم من إنهائها عسكريا أو بالتفاوض.
هذه الأزمة الداخلية بين الحكومة والحوثيين تحولت إلى حرب استنزاف،
تضر بالمواطنين والوطن، حرب تعبر عن عجز النظام اليمني الغارق في
الفساد والمشاكل والأزمات من إيجاد الحلول الوطنية. المتابعون للواقع
اليمني يرون ان اليمن يمر بأزمات كبيرة، وان النظام غير قادر على تحقيق
أي انتصار فقد فشل لغاية الآن من بناء دولة مستقرة حديثة حيث الفساد
والفقر والقبلية ينخر بالدولة، والجماعات المسلحة والتكفيرية، وكذلك
الإرهابية تجد البيئة للانتشار، وتنظيم القاعدة لا يزال موجودا، وان
النظام ومنذ إعلان الوحدة بين اليمن الشمالي والجنوبي فشل في إيجاد
وحدة وطنية حقيقية بين أبناء الشمال والجنوب حيث وقعت حرب الوحدة عام
1994م، وفرضت الوحدة بالإجبار والإكراه بالحسم العسكري، ولكنه لم يستطع
استقطاب الشعب اليمني الجنوبي بتحسين المستوى المعيشي بل على العكس نمت
روح المطالبة بالانفصال وحدثت مواجهات مسلحة دامية.
سوء الأوضاع الأمنية وتنامي الفساد والاستغلال والدعوة للانفصال؛
واستخدام لغة الحرب لحسم أي خلاف وطني داخلي ينذر بأيام سوداء في سماء
اليمن الذي طلق السعادة إلى الشقاء، فالنظام اليمني بقيادة الرئيس علي
عبدالله صالح الذي استلم الحكم في عام 1978م. غير قادر على معالجة
المشاكل الداخلية السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجهه، وإخطبوط
الفساد والتوتر القبلي والطائفي والمناطقي ودعوات الانفصال، التي مع
مرور الزمن تكبر وتتضخم وتتحول إلى قنابل قابلة للانفجار في أي لحظة
تهدد المنطقة وليس فقط اليمن وشعبه.
الشعب اليمني الشقيق شمالي أو جنوبي من جميع المذاهب والقبائل
والأحزاب يستحق أن ينعم بالأمن والامان والاستقرار والتطور لبناء نفسه
ووطنه بما يليق بتاريخه العريق. واعتماد لغة الحوار والتفاهم وممارسة
الحرية والديمقراطية الحقيقية بعيدا عن لغة السلاح والقتل والتخوين في
حل المشاكل والخلافات، فأبناء صعدة وأهل الجنوب هم يمنيون أصليون محبون
لوطنهم. |