استطلاعات الرأي في العالم العربي تشجِّع أوباما وتحذِّر من نجاد

 

شبكة النبأ: يشير عدد من استطلاعات الرأي الجديدة بأن الولايات المتحدة تحرز بعض التقدم في الشارع العربي، وأن سياسات الانفتاح التي تبناها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الآونة الأخيرة، خصوصاً الخطاب الذي ألقاه في القاهرة، تلقّت استحساناً كبيراً في عدد من الأوساط العربية الهامة. ورغم أن قدراً كبيراً من الشكوك ما زال قائماً، إلا أن طائفة الطلاب من بين صفوف الرأي العام العربي ستعتبر هذه الأرقام مشجِّعة على نحو مدهش.

وفي المقابل، تراجعت شعبية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بشكل كبير في العالم العربي، حيث قال الكثيرون إن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة سوف تضر بالمنطقة.

وفي تعليقه على نتائج الاستطلاع، كتبَ ديفيد بولوك، زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف نشرة المجهر السياسي، مقالاً بعنوان "استطلاعات الرأي المخادعة: استخدامات وإساءات استعمال استطلاعات الرأي من الدول العربية". وجاء في المقال: فيما يخص الجانب الايراني تتفقْ نسبة تقترب من نصف المواطنين العرب الذين شملتهم استطلاعات الرأي بأنه "إذا لم تقبل إيران قيود جديدة ومزيد من الإشراف الدولي على برنامجها النووي، يتعين على العرب دعم فرض عقوبات أقوى ضد إيران مع نهاية هذا العام تقريباً".

صعوبة استطلاع الرأي في الشرق الأوسط

واضاف بولوك، إذا كانت منطقة الشرق الأوسط تشبه الولايات المتحدة أو أوروبا، فمن شأن إجراء استطلاع للرأي العام عبر الهاتف ليلاً أن يوفر إجابات فورية على الأسئلة المهمة. لكن الواقع هو أنه من المعروف بأنه لا يمكن التعويل على استطلاعات الرأي عبر الهاتف في المنطقة [العربية]، وأن معظم استطلاعات الرأي الفردية، رغم كونها مفصلة وتنطوي على نوايا حسنة، يُشتبه حتماً بتضمنها تدخلاً حكومياً أو انحيازاً اجتماعياً أو غيرها من التشوهات [التي تؤثر على نتائج الاستطلاعات]. ومع ذلك، فإنه إذا أمكن القيام بجمع وتقييم ومقارنة الأدلة التي ظهرت من خلال عدد من استطلاعات الرأي، فسوف يمكن التوصل لعدد من الآراء المنطقية والمعبِّرة أيضاً. وهذا هو الحال اليوم، على وجه التحديد، حيث إن تلك المعلومات الثابتة نسبياً (والتي إلى حد كبير لم يسبق نشرها من قبل) قد باتت في متناول اليد من خلال ثلاثة مجتمعات عربية رئيسية: المصريين والأردنيين والفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.

وتابع بولوك، يعود أصل البيانات موضوع النقاش إلى ثلاثة مصادر مختلفة، وجميعها تعتمد على المقابلات الشخصية وليس على المكالمات عبر الهاتف أو الإنترنت وهي: "مؤسسة زغبي الدولية" التي يقع مقرها في واشنطن، و "مركز العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد)" وهي مؤسسة فلسطينية مقرها في رام الله، و"مؤسسة بيكتر الشرق الأوسط لاستطلاعات الرأي" Pechter Middle East التي مقرها في برينستون. وهذه المؤسسة الأخيرة جديدة على الساحة، لكن يمتاز عملها الميداني بالخبرة الكبيرة والاحترافية الشديدة، كما أنها غير سياسية بصورة تامة سواء على المستوى الإقليمي أو التجاري – وخلافاً لمعظم استطلاعات الرأي الأخرى في المنطقة، لا تخضع لأي رعاية أو إشراف من قبل [أي] حكومة.

واستدرك بولوك بالقول، لقد كان آخر استطلاع للرأي قامت به "مؤسسة زغبي" [حول التوجهات في العالم] العربي هو في آذار/مارس ونيسان/أبريل الماضيين، أي قبل عدة أشهر من خطاب الرئيس أوباما والانتخابات الإيرانية، وكان لها "أكثر من نصيبها" من المشاكل المنهجية (بما في ذلك الأسئلة المحمَّلة بالكثير من الأمور) في الماضي. ومع ذلك، يوفر استطلاعها بعض السياق لتقييم أياً من القضايا لها صدى أكبر في بعض المجتمعات العربية، وتكشف النتائج التي توصلت إليها عن اكتشافات مدهشة في بعض الأحيان. كما كان هناك استطلاع آخر للرأي أكثر حداثة ويمكن الاعتماد عليه بشكل أكبر، ذلك الذي أجري من قبل "مركز أوراد" غير الحزبي برئاسة الدكتور نادر سعيد، في الضفة الغربية/قطاع غزة في الفترة بين 12-14 حزيران/يونيو. أما الاستطلاع الذي أجرته "مؤسسة بيكتر الشرق الأوسط لاستطلاعات الرأي" في الفترة من 15 إلى 18 حزيران/يونيو في مصر والأردن، فهو يوفر أحدث المعلومات وأكثرها أهمية في كثير من النواحي.

نتائج الاستطلاعات

واضاف الكاتب، "الأولويات القصوى تحصل على نظرات متباينة". حددت "مؤسسة زغبي" ثلاثة مواضيع [رئيسية] تحتل اليوم الأولويات القصوى فيما يتعلق بإجراء تغييرات في سياسة الولايات المتحدة وهي: انسحاب القوات [الأمريكية] من العراق، إغلاق معتقل خليج جوانتانامو وإنهاء التعذيب، وتحسين معاملة الولايات المتحدة للمسلمين على وجه العموم. ومن خلال هذه المواضيع الثلاثة، تم تصنيف تصريحات أوباما في القاهرة - في استطلاع جديد للرأي أجرته "مؤسسة بيكتر" - على أنه "موثوق إلى حد ما"، بالنسبة لـ 30 إلى 40 في المائة من المصريين والأردنيين الذين أجابوا على الاستطلاع. وكذلك حصلت ملاحظات أوباما بشأن سياسة الولايات المتحدة تجاه الديمقراطية في المنطقة على نفس النسبة من المصداقية؛ 40 في المائة في مصر و30 في المائة في الأردن. ووفقاً لنتائج الاستطلاع الأخير الذي أجراه "مركز أوراد"، يتمتع الرئيس أوباما بقدر أكبر من المصداقية بين الفلسطينيين في الضفة الغربية/قطاع غزة في مجمل هذه القضايا: إذ يقول ما يزيد قليلاً عن النصف (53 في المائة) إنه على الأقل "جاداً نوعاً ما" في دعوته لفتح "صفحة جديدة" في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والمسلمين.

"مجمل التصنيفات التي حصلت عليها الولايات المتحدة أعلى من قبل". في الاستطلاع الجديد الذي أجرته "مؤسسة بيكتر"، أصبحت النظرة تجاه الولايات المتحدة - على نطاق أوسع - أكثر إيجابية بصورة ملحوظة من استطلاعات الرأي الأخرى التي تم الإبلاغ عنها في الأشهر الأخيرة (وخصوصاً في مصر، حيث من المحتمل أن تكون زيارة أوباما إليها أحد الأسباب في ذلك). فقد بلغت نسبة المصريين الذين لديهم، على الأقل، رأي إيجابي إلى حد ما بشأن الولايات المتحدة 38 في المائة، وهذه النسبة في حد ذاتها تعدُّ مكسباً كبيراً عند مقارنتها بمثيلتها في العام الماضي التي تقل عنها بمقدار 20 نقطة. أما في الأردن، فقد رسم حالياً 25 في المائة من المستَطلعين "صورة مواتية للولايات المتحدة"، وهذا يعكس تقدماً بسيطاً في هذه النسبة، بالرغم من أن ضِعف هذه النسبة من الأردنيين (53 في المائة) يرون أنه "من المهم بالنسبة للحكومات العربية أن تحافظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة". وتكشف هذه المجموعة من الإجابات الكثير فيما يتعلق بالأسئلة العملية التي لم يسبق تقريباً أن تم طرحها في استطلاعات الرأي في المنطقة العربية.

"شعبية أحمدي نجاد المتدهورة، وتزايد الدعم لفرض عقوبات". في تناقض حاد للإنطباع الذي خلَّفته الأطروحات السابقة الخاصة بـ "مؤسسة زغبي"، حصل أحمدي نجاد على عدد قليل جداً من الأصوات كـ "أكثر زعيم سياسي أجنبي مثير للإعجاب"، تمثلت بنسبة (6 في المائة) في مصر و (8 في المائة) في الأردن. أما هوجو شافيز، الذي وضعت "مؤسسة زغبي" اسمه باعتباره [زعيماً] مفضلاً آخر في استطلاعها الأخير، فقد نال عدداً أقل من الأصوات – مجرد 4 في المائة في مصر، و7 في المائة في الأردن. وفي المقابل، وفقاً لاستطلاع للرأي أجرته "مؤسسة بيكتر"، حصل كلاً من عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبدالله وعاهل الأردن الملك عبدالله الثاني على حوالي 10 في المائة في مصر، وتصدرا مجموعة من المعتدلين الآخرين الذين بلغت نسبتهم مجتمعة 45 في المائة في هذه الفئة "الأكثر إثارة للإعجاب".

وتابع الكاتب بالقول، في سياق مماثل تقول نسبة مثيرة للإعجاب من المصريين تبلغ الثلثين إن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 12 حزيران/يونيو الماضي سوف تضر بالمنطقة ولا تساعدها. وكانت هذه النسبة بين الأردنيين أقل ولكنها ظلت تمثل الأغلبية (55 في المائة). وهناك نسبة تمثل تسعة وأربعين في المائة من المصريين الذي يقولون أن على العرب أن يدعموا [فرض] المزيد من العقوبات على إيران في حال رفضها قيود جديدة على برنامجها النووي في عام 2009، بينما تقترب نسبة القائلين بهذا الرأي أيضاً في الأردن من مثيلتها في مصر حيث تبلغ (42 في المائة). وهذا يعتبر تغيراً ملحوظاً بالمقارنة باستطلاعات الرأي السابقة، والتي أفادت عموماً عن رفض الرأي العام العربي للضغوط الدولية على إيران.

فرصة سانحة في الشارع العربي

وبيّنَ الكاتب بولوك، إن الذين شملتهم هذه الاستطلاعات لا ينتمون إلى نظم ديمقراطية، التي يمكن للرأي العام فيها الإطاحة بالحاكم بعيداً عن السلطة، أو حتى ممارسة ما يكفي من الضغوط على الحكومة لتغيير سياساتها الأساسية. ولكن "على الهوامش"، كما قال الرئيس أوباما في مقابلة له قبل فترة قصيرة من زيارته إلى القاهرة، يمكن أن تشكِّل التغيرات في التوجُّهات الشعبية قاسماً فارقاً في قدرة تلك الحكومات على التعاون مع الولايات المتحدة في [حل] القضايا المهمة.

وفي أعقاب تصريحات أوباما المشجِّعة والأنباء المحبطة التي تواردت من إيران، تشير هذه الاستطلاعات الأخيرة بوضوح عن تمتع واشنطن حالياً بفرصة [حقيقية] لدفع الرأي العام والسياسات العربية في اتجاه مرغوب. ولكن الأمر الأغرب من ذلك والملح أيضاً، هو أنه في حين أن معظم الحكومات العربية معروفة بخوفها من إيران وعدم ثقتها بها، باتت واشنطن تدرك الآن بأن معظم البسطاء من المصريين والأردنيين، بالإضافة إلى غيرهم، يشاطرون هذه المشاعر.

وعند وضع هذا الأمر في الاعتبار، يتعين على الولايات المتحدة القيام بتعديل دبلوماسياتها الإقليمية لتأكيد معارضتها لنظام الحكم الإيراني، وليس فقط التعامل معه. يجب على واشنطن أن تسرع وتعلن عن التعاون العسكري الدفاعي مع الدول العربية الصديقة، بما في ذلك المشاركة على نطاق أوسع في "المبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار" التي تهدف إلى عرقلة البرنامج النووي الإيراني. كذلك، يجب أن تكثف الولايات المتحدة من جهودها لحث الحكومات العربية على فرض ضوابط أكثر صرامة على التجارة الإيرانية والتعاملات المالية، وخاصة في منطقة الخليج. وحتى مع قيام واشنطن بتوجيه الدعوة إلى طهران للجلوس على طاولة المفاوضات، يتعين على الإدارة الأمريكية السعي بشكل حثيث لحشد الدعم العربي لفرض المزيد من العقوبات على طهران، الأمر الذي قد تظهر أهميته خلال الأشهر المقبلة. ويختتم بولوك بالقول، ينبغي على واشنطن أن تشجّع أعمال الإقناع التي تقوم بها الدول العربية بشكل متكتّم للتأثير على شركاء إيران التجاريين الرئيسيين في مجال أعمال الطاقة في أوربا وآسيا، ويعد هذا النهج المتوازن أحد أفضل الحسابات الممكنة للحصول على دعم مفيد من الشارع العربي، بالإضافة إلى النخبة العربية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/آب/2009 - 4/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م