ماهو المطلوب بعد الاعتداءات الأخيرة التي هزّت بغداد

علي حسين عبيد/ شبكة النبأ

 

شبكة النبأ: بعد أن ظنّ العراقيون بأنهم خرجوا من عنق الزجاجة، وتركوا مرحلة الفتن والتفجيرات الكبيرة والمروعة خلف ظهورهم، هزّت بغداد قبل أيام تفجيرات هائلة ومروعة حصدت مئات الارواح البريئة وخلّفت مئات أخرى من الجرحى، وعاد هاجس الخوف يهيمن على المواطن حيث خلت شوارع بغداد بعد أن كانت تغص بالاجساد والحركة والانشطة المختلفة رغم سخونة الصيف اللافحة، وخيم هاجس الانفلات الامني على الجميع وعادت اجواء الفوضى تهيمن على الشارع بعد أن عاش الناس اجواء الامان وكأنهم لفظوا الخوف خلف ظهورهم والى الأبد.

ولعل المؤسف في هذا الامر والمستغرَب أيضا، أن تصل الامور الامنية الى ما وصلت إليه من تردٍ وتراجع غريب، بعد أن ترسخّت أجواء الامان وشاعت روح الطمئنينة بين الجميع لترى الوجوه مستبشرة بالقادم الأفضل من اجواء الامان والعمل والحركة المتواصلة في مفاصل الحياة العراقية كافة، الامر الذي شجّع رئيس الوزراء العراقي ليعلن قبل أكثر من اسبوع بأن جميع الحواجز الكونكريتية ستُرفع من شوارع بغداد الرئيسة خلال اربعين يوما فقط!! وهذا بحد ذاته أشعر المواطن البسيط والمتخصص بنوع من الراحة والاطمئنان الى حاضر العراق ومستقبله.

بيد أن ما حدث من تفجيرات بالشاحنات وغيرها في قلب بغداد وبالقرب من وزارات سيادية، قوّض تلك (الاحلام) التي كانت تراود المواطن العراقي بأن يعيش حياته من دون منغصات أمنية كبقية خلق الله، ولعل علامات الاستفهام ستظل قائمة وكثيرة، ومنها تساؤلات عن الجهات التي تقف وراء هذه التفجيرات وعن امكانيات وقدرات الاجهزة الامنية المسؤولة على حفظ الامن (قيادة عمليات بغداد) وعن مدى اختراقها من قبل أعداء التجربة الديمقراطية في العراق (وهم كثر ومؤشَّرون للجميع)، ثم هنالك تساؤلات عن مدى تقصير الحكومة التنفيذية في هذا المجال، ففي الوقت الذي يعلن رئيس الوزراء قرب رفع الحواجز الكونكريتية التي كتمت انفاس بغداد وقطعت جسدها الى اجزاء منفصلة عن بعضها، تأتي هذه الشاحنات والتفجيرات لتهز العاصمة على حين غرة، ولعل السؤال الاكثر تداولا بين بسطاء الناس وغيرهم، كيف تجاوزت هذه الشاحنات جميع السيطرات الامنية ونقاط التفتيش التي تكشف وتمنع الدراجات النارية المشبوهة من المرور عبرها في وقت تصل هذه الشاحنات المعبأة بالمتفجرات الى وسط بغداد متجاوزة جميع هذه السيطرات ونقاط التفتيش؟!!.

وقد وردت إجابات رسمية وغير رسمية، سياسية وغير سياسية، جمعية وفردية، كلها تصب في مجال حالة الاختراق للمؤسسة الامنية التي عجزت عن رصد ومنع شاحانات تعادل احجامها مئات الانتحاريين والدرجات النارية المفخخة بل وحتى السيارات، ولعل المضحك المبكي في الامر ان الاسطوانة التي دارت ولا زالت تدور منذ ست سنوات والى الآن تتكرر نفسها، فهناك من قال بأن القاعدة تقف وراء ذلك وآخرون وضعوا اصبع الاتهام على الصداميين في حين اتهم آخرون الاحزاب الداخلة في العملية السياسية وصراعاتها على السلطة ومنهم من اتهم الدول المجاورة والاقليمية ودورها في تخريب او تعويق التجربة الديمقراطية، ومع امكانية صحة كل ما يُقال في هذا الصدد، لكن تبقى المسؤولية محددة وواضحة وثابتة على الجهات التنفيذية المتمثلة بالمؤسسة الامنية (قيادة العمليات) ومن تأتمر بأوامره، هؤلاء هم المسؤولون اولا وأخيرا عما حدث من ازهاق لارواح الابرياء وتدمير للممتلكات الخاصة والعامة وتعكير للاجواء الآمنة التي سادت بين العراقيين مؤخرا، ناهيك عن الاختراقات الكثيرة والمتنوعة للاجهزة الامنية، والآن نتساءل هل هناك طرف حكومي يستطيع أن يرفع صوته ويقول (إنني أتحمل مسؤولية ما حدث) وهل هناك آلية بإمكانها وضع النقاط على الحروف لتكشف للشعب وامام الملأ كيف حدث هذا الاختراق ومن الذي يقف وراءه.

إننا نتوقع أن تمر (الزوبعة) من دون نتائج واضحة كما مرت قبلها الكثير من الزوابع، فالصمت والتسويف وعدم اعلان نتائج التحقيقيات وما شابه هو الذي سيكون ثمن دماء مئات الابرياء الذين ازهقت ارواحهم ظلما وفسادا، كما ان اتهام هذه الجهة او تلك او هذه الدولة او تلك ليس حلا ناجعا ولا ثمنا مقبولاً، بل ان كَشفِ الاوراق على الملأ هو الحل ومعالجة الاختراقات بأنواعها هو الحل، وتسمية جهات الاتهام بأسمائها هي الحل، وتحمّل المسؤولية واقالة او استقالة المقصرين هو الحل ايضا.

أما غير ذلك فإننا سنظل ندور في دوامة تتصاعد وتتنامى في شرها لتأتي على الاخضر واليابس، فتحيل العراق الى ساحة صراع وتقاتل الى أمد لايعلمه إلاّ الله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 23/آب/2009 - 2/رمضان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م