لم يُجد العرب شيئا إجادتهم للبكاء على الأطلال بدءا من بكائية امرئ
القيس (قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل) وصولا إلى أطلال ناجي (يا فؤادي
لا تسل أين الهوى كان صرحا من خيال فهوى!!).
وحدهم خبراء الشعر يمكنهم الجزم بصدق دموع الشعراء إلا أننا نعتقد
أن امرئ القيس يستحق منا أن نتعاطف مع حزنه على فقد الحبيب عند رؤية
منزله أما من فقد صروح الوهم والخيال فلا يستحق عطفا ولا شفقة ولا
يلومن إلا نفسه عندما لا يرى بين يديه إلا قبض الريح إذ ليس من حقه إلا
أن ينشد (واتاريني ماسك الهوا بإيديه ماسك الهوا) وآه ثم آه ثم ألف آه
من الهوى الذي يعمي ويصم لأن الهوى شريك العمى!!.
الذين ناموا على فرحة غامرة وهللوا وكبروا وزغردوا لانتصار فريق
الرابع عشر من آذار لأنهم حسب زعمهم منعوا (سقوط لبنان بيد إيران) رغم
أن كلفة هذا النصر الانتخابي المزعوم تجاوزت مليار دولار من أموال
المسلمين أصبحوا ليجدوا أن هذا النصر كان صرحا من خيال فهوى بعد أن
أعلن وليد بيك جنبلاط انسحابه من تحالف بيت العنكبوت الذي تكلف مليارات
الدولارات من أجل إقامته وإدامته لأنه كان ضرورة مرحلة يجب ألا تستمر (وغلطة
وندمان عليها!!).
العنصر الثاني الذي استخدمه الآذاريون من أجل الفوز في المعركة
الانتخابية كان التهييج المذهبي والطائفي والسعي لإلغاء الآخر حيث قال
البيك: "لم نخض كحزب ولا كفريق 14 آذار معركة ذات مضمون سياسي، نحن
خضنا معركة ذات طابع قبلي رفضنا فيها الآخر من موقع مذهبي قبلي وسياسي
وليس هذا انتصار.
يروي المؤرخون أن عامر ابن عبد الله بن الزبير قال لولده لا تذكروا
علي بن أبي طالب إلا بخير فان بنى امية لعنوه على منابرهم ثمانين سنة،
فلم يزده الله بذلك الا رفعةً، إن الدنيا لم تبن شيئا قط الا رجعت على
ما بنت فهدمته، وان الدين لم يبن شيئا قط وهدمه.
أليس من أعجب العجب أن انتصارا تكلف مليارا ومائتي مليونا من
الدولارات قد تبخر بعد شهر ونصف ولم يبق منه إلا أقل القليل!!.
جبل الوهم اللامعقول!!
في خطابه الذي أعلن فيه عن انهيار جبال الأوهام قال البييك وليد
جنبلاط: ذهبنا الى اللامعقول عندما التقينا مع المحافظين الجدد في
واشنطن من أجل حماية ما يسمى ثورة السيادة والحرية والاستقلال، هذا
لقاء في غير طبيعته وفي غير سياقه التاريخي وفي غير التموضع التاريخي
للحزب التقدمي الاشتراكي، مع الذين عمموا الفوضى في منطقة الشرق، الذين
دمروا العراق وفلسطين، لكن آنذاك ولست هنا لأبرر كان همنا الاساس هو
موضوع المحكمة. ربما كنا نستطيع الا نذهب، لكن الذي حدث حدث، وذهبنا
ولم تكن تلك الا نقطة سوداء في تاريخ الحزب الناصع الأبيض، الواضح فيما
يتعلق بنضاله الدائم مع القضية الفلسطينية، مع القضية العربية، مع قضية
لبنان المنحاز عربيا لأن تلك الشعارات للسيادة والحرية والاستقلال دون
مضمون عربي والالتصاق بالقضية الفلسطينية لا معنى لها، بل تعيدنا الى
لبنان الانتداب، لبنان الانعزال، لبنان اليمين لبنان المنفصل عن البعد
العربي وعن القضية الفلسطينية، ذهبنا، فلنسجل تلك النقطة السوداء،
واتحمل مسؤوليتها، ولاحقا في يوم ما لا بد من مناقشتها بهدوء، ولم يكن
هناك سبب تخفيفي لهذه الزيارة سوى موضوع المحكمة الدولية.
طبعا لم تبدأ علاقة البييك والمحافظين الجدد مع تلك الزيارة كما أن
الزيارة لم تكن من أجل شرب القهوة أو حتى كؤوس الطلا ولا شك أن دور
هؤلاء الجدد الهادف لتعميم الفوضى حسب كلامه كان بارزا في كثير من
المحطات التي شارك فيها بالتعاون مع الآذريين ورعاتهم في المنطقة ومن
أهمها العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006 وصولا إلى أحداث
السابع من مايو 2008 والتي اعتبرها البعض غزوا شيعيا لبيروت في حين كان
وليد بيك ومحافظيه القدامى والجدد هو من أشعلها وهو من أعلن البيان
الأول كبداية لتوريط حزب الله في حرب أهلية سنية شيعية ولكن الله سلم!!.
وكما يعرف المتابعون أن نيران هذه الأحداث كادت أن تلتهم الزعامة
الجنبلاطية وكان أن بدأ البيك فور نجاته مراجعته الفكرية والسياسية
التي أوصلته إلى قرار هدم جبال الوهم اللامعقول من دون خوف ولا وجل بعد
أن عجز حلفاؤه خارج لبنان عن تقديم دعم حقيقي له ومن ثم لم يجد الرجل
بدا من التصالح مع نفسه ومع أهله اللبنانيين والأقربون أولى بالمعروف!!.
لماذا تحول القائد الفعلي لتحالف الرابع عشر من الشهر عن مواقفه
وأدان نفسه بعبارات لا تحتمل اللبس ولا التأويل ولا الزعم بأنها نزوة
شخصية من رجل كان ولا زال أستاذ البراجماتية السياسية في المنطقة؟!.
قبل أربعة أشهر وتحديدا في أبريل الماضي قام البيك بتسريب شريط مسجل
للقاء جرى بحضور المرجع الروحي للدروز وفي معرض شرحه لحتمية المصالحة
مع الشيعة وحزب الله قال البييك بالعامية: بالموضوع الشيعي بريطانيا عم
تفتح على حزب الله أميركا عم تحاور إيران، اليوم وين من البحر بجيب
ذخيرة، من سوريا، أو من إسرائيل؟ إسرائيل لاً، بحر ما فيش، وشفت لما
كنت عم ناقش وأنظّر 50 زائد واحد (لانتخاب رئيس الجمهورية)، صحيح من
المنطق الدستوري كان فينا نجيب نسيب لحود، مش هيك؟ بس شفت وقتها لا...
شو إسمو هيدا سمير جعجع كانوا بيتمنوا المسيحية نعلق مع الشيعة
ليتفرجوا علينا، وحتى بعض السنّة كمان بيتمنوا، شفناهون ببيروت، جاب
1000 واحد من عكار ما اعدوش ربع ساعة (يوم 7 مايو)، هنّي بيتمنوا نعلق
ببعضنا، وبعدين هني بيقعدوا بيتفرجوا علينا". ورداً على كلام أحد
مناصريه الذي طالب برفع قامة الدروز، قال: "بعتقد مرفوع راسنا ما
إنهزمنا، بس كمان ما فينا نمشي بحرب مطلقة نفسية وسياسية ومذهبية ضدّ
الشيعة".
إذا فقد أدرك البيك ألا مجال لمواصلة المواجهة العسكرية مع حزب الله
وألا مجال للأوهام التي اعتاش عليها الفريق الآذري ورعاته من المعتدلين
العرب خمسة أعوام ينامون ويصحون ينتظرون أخبار الضربة الأمريكية
الإسرائيلية لإيران وسوريا وحزب الله ويوزعون المناصب الوزارية في
سوريا ما بعد نظام الأسد ليكتشفوا أخيرا أن من لا يملك قد وعد من لا
يستحق ثم لم يفي بشيء مما وعد إما لأنه لم يكن ينوي الوفاء من الأساس
أو لأنه لم يعد لديه القدرة على هذا خاصة بعد أن أخذت إسرائيل كل شيء
ولم يعد لدى الإدارة الأمريكية ما تعطيه لهم ولا لعرب الإعتدال.
هكذا فهم البيك حقيقة موازين القوى في المنطقة بعد مغامرة إسرائيل
الفاشلة في يوليو 2006 قبيل فوات الأوان فكان أن قرر القفز من سفينة لم
يعد لديها القدرة على الإبحار مفضلا أن يكمل مشواره ولو على قدميه بدلا
من البقاء ربانا لسفينة تغرق.
ولا زال حبل الانهيارات مفتوحا على الجرار ولا أحد يدري أين تكون
آخر الانهيارات!!.
Arasem99@yahoo.com |