براءات الاختراع وحقوق المؤلف بين الحماية وتهيأة أجواء الاحتكار

 

شبكة النبأ: رغم انتهاء النقاش داخل أروقة مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي حول خطة الإنقاذ الاقتصادي وإقرارها كقانون عام، إلا أن النقاش الأوسع بدأ بين الاقتصاديين حول الأولوية التي يجب أن تعطيها الإدارة الأمريكية خلال الفترة المقبلة سواء بالتركيز على التخفيضات الضريبية في الأجل القصير أم البدء بالإنفاق العام كوسيلة سريعة وفعالة لتنشيط الاقتصاد ورفع معدلات النمو.

وفى الوقت ذاته تقدم عدد من الاقتصاديين بمجموعة من الاقتراحات الاقتصادية لإدارة الرئيس أوباما تتضمن أفكارًا لم تتضمنها خطة الإنقاذ تلبية لنداء الرئيس أوباما بأنه على استعداد للاستماع لجميع الأفكار التي من شأنها جعل خطة الإنقاذ الاقتصادي أكثر فعالية وتأثيرًا، ومن هؤلاء الاقتصاديين دين بيكر مدير مركز البحوث الاقتصادية والسياسيةCenter of Economic And Policy Research ، ومؤلف كتاب "دولة مربية للأطفال" Nanny State والذي يقدم اقتراحات حول تطوير برامج براءات الاختراع وحقوق المؤلف وهو ما سنلقي الضوء عليه في التقرير التالي. بحسب موقع تقرير واشنطن.

التخفيضات الضريبية أكثر كفاءة

حظيت الخطة الاقتصادية ـ التي احتوت على المزيج من التخفيضات الضريبية والإنفاق الحكومي ـ على عديدٍ من الانتقادات وخاصة من الجانب الجمهوري بدعوى أن الجانب الخاص بالإنفاق الحكومي على البنية الأساسية والبرامج الاجتماعية غير ذي تأثير على الاقتصاد الأمريكي خاصة في الأجل القصير، وأنه يجب أن تقتصر الخطة على التخفيضات الضريبية كسياسة وحيدة لتنشيط الاقتصاد وهو التعديل الذي تقدم به جيم يمنت Jim DeMint من ولاية كارولينا الجنوبية South Carolina ووقع عليها 36 من أعضاء الحزب الجمهوري من أصل 41 عضو في مجلس الشيوخ.

وقد ثار الجدل بين الاقتصاديين حول أي من السياستين أجدى لتحفيز الاقتصاد الأمريكي التخفيضات الضريبية أم الإنفاق العام؟، واتجهت غالبية الآراء إلى أن التخفيضات الضريبية كسياسة هي الأكثر والأسرع كفاءة من الإنفاق الحكومي لتنشيط الاقتصاد، وذلك لأن القرارات الاقتصادية للأفراد والشركات تكون دائمًا أكثر سرعة وكفاءة من القرارات الحكومية ومن هؤلاء الاقتصاديين الذين أيدوا هذا الاتجاه جريج مانكيو Greg Mankiw أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد Harvard University، وأحد مستشاري الرئيس السابق بوش.

يرجع تفضيل الاقتصاديين لسياسة التخفيضات الضريبية كوسيلة للتنشيط الاقتصادي وذلك لما تلعبه من دورٍ كبيرٍ في رفع الإنفاق للمستهلكين وقطاع الأعمال والاستثمار وبالتالي زيادة في الإنتاج والعمالة. وتشمل التخفيضات الضريبية التخفيضات التي تدفع للأسر في شكل ضرائب على الدخل أو زيادة في الاستحقاقات الاجتماعية مثل إعانات البطالة والتعويضات وهو ما يظهر أثره سريعًا في شكل زيادة في الإنفاق الاستهلاكي.

في حين أن الإنفاق الحكومي العام على البنية الأساسية والبرامج الاجتماعية يظهر أثره على المدى الطويل، فالتخطيط لبناء كوبري أو إنشاء طريق يحتاج وضع خطة ومناقصات وموافقات الوكالات المعنية وغيرها من الإجراءات البيروقراطية التي تتعدى في مدتها العام حتى يظهر أثرها في صورة زيادة في الدخول والإنفاق والعمالة والإنتاج. هذا إلى جانب أن الحكومة ليست ناجحة بشكل ملحوظ في الإنفاق العام وخاصة في اختيار المشروعات ذات الأولوية الاقتصادية.

وقد أكد الاقتصادي توماس سويلThomas Sowel في تقريره الاقتصادي تحت عنوان "التخفيضات الضريبية هي الحل للأزمة الاقتصادية" Tax cuts are answer to economic crisis الذي نشره موقع دالاس نيوز DallasNews على أن الحكومة يمكن أن تركز على التخفيضات الضريبية كحافز للاقتصاد في المدى القصير لمدة عام أو أكثر ثم التركيز على الإنفاق العام كسياسة طويلة الأجل لتنشيط الاقتصاد خاصة أن سياسة الإنفاق قد تؤدي إلى تفاقم عجز الموازنة الذي قد يتعدى التريليون دولار.

تعديل برامج براءات الاختراع

تركزت اقتراحات دين بيكر Dean Baker حول السياسات الأمريكية المتعلقة ببراءات الاختراع وحقوق التأليف والنشر. ويرى أن القيود التنظيمية التي فرضتها الحكومة الأمريكية حول عدد من السياسات والتنظيمات كان أحد العوامل الهامة في الانهيار المالي الأمريكي، وخاصة فيما يتعلق بقواعد براءات الاختراع والملكية الفكرية وحقوق النشر والتأليف.

فالحكومة الأمريكية وفرت الحماية المُبالغ فيها لبراءات الاختراع والملكية الفكرية بهدف محدد في الدستور الأمريكي وهو "تعزيز التقدم في العلوم والفنون المفيدة" إلا أن آلية براءات الاختراع والملكية الفكرية ليست من سمات السوق الحرة ويشوبها قدر كبير من التشوهات والسلبيات وتسببت في كثيرٍ من المنازعات وخاصة في مجال العقاقير والمصنفات الفنية والأدبية، وقد أدت هذه الحماية المُبالغ فيها من الحكومة إلى رفع أسعار هذه المنتجات وتوفير سوق احتكارية وتحتاج هذه السياسات إلى التطوير والمراجعة وهناك عدة اقتراحات خاصة بذلك أهمها:

أولاً: تمويل البحوث الطبية العامة.

يرى دين بيكر Dean Baker أن الحكومة ليست ملزمة بمنح براءات الاختراع وحماية حقوق التأليف والنشر إذا لم تكن هذه الوسيلة هي الأفضل لتعزيز الابتكار والإبداع كما نص الدستور، فبراءات الاختراع في مجال الأدوية قد تسببت في ارتفاع أسعار الأدوية لمستوى يتراوح بين 200% إلى 500% من التكلفة الفعلية لإنتاجها، فالولايات المتحدة تنفق سنويا مبلغ يزيد عن 220 مليار دولار كفاتورة للعقاقير الطبية بسبب تلك البراءات ومن المتوقع أن يصل المبلغ إلى 330 مليار دولار عام 2012 في حين أن تكلفتها الفعلية لا تتجاوز 50 مليار دولار سنوياً وفى حالة عدم وجود هذه البراءات يمكن تحقيق وفرٍ يتعدى مبلغ 500 دولار لكل فرد سنويًّا.

والبديل المقترح لتلك البراءات هو ضرورة أن تقوم الحكومة الأمريكية بالتمويل المباشر للبحوث الطبية وإنشاء مراكز بحثية طبية جديدة لتطوير العقاقير الجديدة على نطاق واسع، حيث يمكن توجيه مبلغ 30 مليار دولار لدعم هذه البحوث الطبية في المعاهد الطبية الحكومية الأمر الذي يخفض من أسعار الأدوية بنسبة 70% وتحقيق وفرٍ يتعدى مبلغ 150 مليار دولار سنويًّا هذا إلى جانب توفير أدوية رخيصة للعائلات الأمريكية وتخفيف العبء على ميزانيتهم.

ثانيًا: تمويل وتنمية البرمجيات المفتوحة

حيث يمكن للحكومة الأمريكية في مواجهة التكاليف المرتفعة لبراءات الاختراع وحقوق التأليف والنشر، أن تقوم بتنمية وتمويل نظم التشغيل المفتوحة المصدر مثل اللينكس Linux إلى جانب البرمجيات الأخرى مفتوحة المصدر بتكلفة 2 مليار دولار سنويًّا، وسيكون لهذا الإنفاق فوائد هائلة على الاقتصاد الأمريكي وتوفير مبالغ طائلة.

فهذا الاقتراح من شأنه أن يوفر ما لا يقل عن 200 دولار لكل جهاز كمبيوتر خاصة إذا علمنا أن ما تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية تكلفة لبراءات الاختراع وحقوق التأليف الخاصة بالبرمجيات تتعدى 50 مليار دولار سنويًّا.

ثالثًا: دعم الأعمال الإبداعية والفنية

حيث يمكن للحكومة الأمريكية أن تقوم بدعم وتمويل الأعمال الفنية والأدبية والعلمية والتي تخدم الآلاف من الشباب والفنانين والكتاب من خلال حزمة من الحوافز التي يمكن أن يقدمها الرئيس أوباما في حدود 10 مليارات دولار لمختلف الولايات والمحليات لدعم مختلف أنواع الأعمال الفنية والأدبية وتشمل الموسيقى والأفلام والكتب والصحافة أيضًا بشرط أن تقدم هذه الحوافز لدعم جميع المواد التي تقدم مجانًا في المجال العام.

هذا التمويل سيكون كافيًا لتوظيف 200 ألف فرد سنويًّا بمتوسط دخل سنوي 50 ألف دولار، وهذا من شأنه أن يضع قدرًا هائلاً من الأعمال الإبداعية بشكل عام للناس في جميع أنحاء العالم يمكن تحميلها بدون تكلفة بشرط أن تدار هذه البرامج من خلال وكالات عامة.

والحجة الأساسية التي يستند إليها دين بيكر Dean Baker هي أن الملكية الفكرية لا توفر حافزًا للابتكار والإبداع كما يقتضي الدستور وأن هناك وسائل أخرى أقل تكلفة يمكن القيام بها وتحقق الهدف ذاته. فبراءات الاختراع وحقوق المؤلف قد وفرت الحماية والاحتكار لكثيرٍ من رجال العمال والشركات الذين ازدادوا غنىً دون عملٍ شاق لمجرد توفير الحكومة للحماية لهم أمثال بيل جيتس Bill Gates وروبرت مردوخ.

رابعاً : رفع كفاءة العامل الأمريكي

يرى بيكر Dean Baker أن هناك قائمة طويلة من شروط الترخيص المهني ( كثيرًا منها لا يرتبط بمعايير الكفاءة والجودة ) التي تجعل من الصعب على العمالة الأجنبية أن تجد فرصًا للعمل داخل الولايات المتحدة الأمريكية في حين أن الاتفاقيات التجارية مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية NAFTA قد تم إنشاؤها للقضاء على الحواجز المؤسسية التي تعترض انتقالات الاستثمار والأيدي العاملة من المهنيين المتعلمين تعليما عاليًا. والحقيقة أن الأيدي العاملة الأمريكية لا زالت تتمتع بقدر كبيرٍ من الحماية من المنافسة الدولية رغم أنها أقل تعليمًا وتدريبًا، فالحكومة الأمريكية يجب أن تهتم بدعم برامج تأهيل وتدريب العمالة الأمريكية مهنيًّا لتكون قادرة على منافسة العمالة الأجنبية بدلاً من وضع القيود على انتقالات العمالة وهو ما يتنافى مع مبادئ السوق الحرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 19/آب/2009 - 27/شعبان/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م